مُتْ قبلَ موتكَ مرة ً |
كي لا يسومَكَ في تيقُّظـِكَ الخرابُ |
لن تحزنَ امرأةٌ عليكَ |
أغيرَ أمِّـكَ ترتجي حزناً ؟! |
أتبلغُ حزنَها امرأةٌ وينصفكَ العذاب ُ ؟! |
مُتْ قبلَ موتكَ مرتينِ |
فبائعُ الصحفِ الكئيبةِ |
لن يفتشَ عن صباحِكَ في الزحامِ |
إذا توسَّدكَ الغياب ُ |
مُتْ قبلَ موتِكَ ساعةً |
واعرفْ عدوَّكَ من صديقِكَ ربّما |
غيّرتَ خارطةَ الصداقةِ والعداوةِ |
وانتبهْتَ لما تقوَّلهُ الصحابُُ |
*** |
مُتْ قبل موتكَ مرةً |
كي تسمعَ الموتى وهم يتهامسونْ |
قد يلعنونَ الصبحَ ظـنـَّاً أنـَّه ليلٌ |
وقد لا يلعنونْ |
قد يطلبون ملابساً للعيدِ |
حدّثهمْ وقُـلْْ: لا عيدَ للموتى |
سيجرَحُهم حديثـُكَ فاسْتعرْ |
لغةَ الطفولةِ ربما يتقبـَّلونْ |
وإذا التقيتَ مقاتلاً نشوانَ كان ( بغزةٍ ) |
يوماً يقاتلُ بعضهُ |
دمهُ يريقُ دماءَ إخوتـِهِ |
- وهم أبداً غباراً واحداً يتنفسونْ - |
فاسألْهُ في خبثٍ ولا تعجلْ عليهِ فربّما |
مازالَ يَحسَبُ أنـّه قد مَدَّ جسراً |
من دمِ القتلى إلى الأقصى وظنـّكَ جئتـَهُ |
مثلَ الذين يباركونْ |
وإذا لمحتَ مفكراً أو كاتباً أو شاعراً |
يمشي مع الموتى فقلْ : |
بالغتَ في حبِّ القصيدةِ والنساءِ وفي البلادِ |
فهلْ تراهمْ يذكرونْ ؟ |
أم أن موتَـكَ عابرٌ |
مُتْ قبلَ موتـِكَ كي ترى |
ما لا يراهُ العابرونْ |
*** |
مُتْ قبل موتـِك يا أنا |
كيما ترى وطناً تـَبدَّلَ حينَ تمتشقُ الكفنْ |
كيما تراكَ |
أناكَ تكبرُ باستدارتِها |
وتصغرُ حين تنتبهُ الفتنْ |
فادخل قواميسَ النحاةِ |
دعتكَ أزمنةُ الحداةِ الشمِّ |
قافيةُ الـمِحنْ |
لو مرةً وقفتْ على الأطلالِ راحلَتي |
سأقتنصُ القصيدةَ من مجرّتِها وأهمسُ للعلنْ |
وأقولُ : يا وطني أتذكرُ من مضى ؟ |
أتراك تذكر دمعة الشعراءِ من كانوا قرابيناً ؟ |
تـُرى كانوا قرابيناً لمنْ ؟ |
وهمسْتُ ثانيةً لجرحِ قصيدتي : |
من ينصفُ الموتى ومنْ |
يستبدلُ الأدوارَ |
يَصْهلُ في شعابِ الأرضِ ، يبتكرُ الرسنْ |
يشدو بأجملِ وحدةٍ في الشرقِ .. |
أغنيةِ الإمارات التي غزلتْ من الدنيا عجائبَ للزمنْ |
من ينصف الموتى ؟ ومنْ |
يروي حكايةَ فارسٍ عنَّها ترجَّلَ |
لم يزلْ بالروحِ يسكنـنا وغادرَ بالبدنْ |
منْ خطَّ درباً للسلامِ وصارَ مئذنةً تشيرُ الى غدٍ أحلى |
غدٍ ما جاعَ غيمٌ فيه أو طفلٌ تخضَّبَ بالوهنْ |
فكأن بي نصفَ اعترافٍ ، نصفَ ما تَهَبُ الحقيقةُ |
حين ينتظرُ الفجائعَ مؤتمنْ |
أنا يتمُ قافيةِ العروبةِ |
ليس لي شأنٌ مع الأطلالِ |
كي أبكي على ( سقط اللّوى ) |
لكنني أحني الجبينَ لكلِّ من سقطوا |
لكي يقفَ الوطنْ |
*** |
مُتْ يا فمي زمناً فلنْ يغريكَ |
من ذهبِ الشمالِ بريقُ ما يقصيكَ |
عن وجعِ الجنوبْ |
كنْ هادئَ الأنفاسِ كالإسفَنجِ |
تمتصُّ انكساركَ حين تنكسرُ الشعوبْ |
ما أصعبَ الكلماتِ إن كان الدمُ العربيُّ مُعجمَها |
وإن كانتْ قواميسُ البلاغةِ لا تنوبْ |
ورأيتَ بغدادَ انكسرتَ، لمحتَ لبنانَ انفطرتَ |
رأيتَ دربَ القدسِ لا يفضي إليكَ كأنما |
هرَبتْ من القدسِ الدروبْ |
ما أكذبَ الأشعارَ في زمنِ الحروبْ |
ما أصدقَ الأحزانَ في زمنِ الحروبْ |
زمنٌ يكابرُ والمدى خَجـِلٌ ، فغِِبْ |
ما شئتَ من موتٍ ، وعُـدْ |
إن عادَ شرقـُكَ تائباً |
فاغفر له كلَّ الذنوبْ |
*** |
أدمنتَ أسئلةَ الحياةِ |
وذقتَ أجوبةَ المماتْ |
وحملتَ غيمكَ نازفاً فيها |
ولوّنتَ الجهاتْ |
فكأنما هي ربذةٌ |
وكأنما وجهُ الغفاريِّ استعادكَ |
مسرحاً أو مفرداتْ |
ورأيتَ إخوةَ يوسفٍ |
يتقاطرون عليكَ شَملاً من شَتاتْ |
ورأيتَ أرضَـكَ تُـفتدى |
والعالمَ العربيَّ حولك يُفتدى |
بالمضحكاتِ المبكياتْ |
فرضيتَ بالموتِ القصيرِ لكي ترى |
ما خلفَ هذا التلِّ في منفى السباتْ |
ورجعْتَ تنسجُ كائناتِ الشعرِ |
تفتقُ بالمواجعِ كائناتْ |
فرسمْتَ من حزنِ القصيدةِ ما ترى |
ورسمْتَ خارطةَ الحياةِ .. إلى الحياةْ |