وطني الذي ينام
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
من ظلمة السجن أنظر يا حبيبتي | قطعة من السماء تلمع من كوة الزنزانة | قطعة من السماء | لا تكفي لرؤية الشمس | وغيوم الصيف الهاربة | قطعة من السماء تلوّح لي وتبكي | وأنا ألوّح لها وأبكي | دموعي تتدحرج | وتسيل على الجدران | تمحو وتكتب في الظلمة | وهكذا يا حبيبتي | ركلة السجان | وجدائل أمي المعلقة على الجدار | وصيحات القتلة | ترسم ظلنا الكبير | ظل مقبرة تسمى الوطن | الوطن الذي نحبه كما نحب القبلات | الوطن الذي نكرهه ونلعنه | ونطلب منه المغفرة | الوطن المجنون منفوش الشعر | والمملوء بالوحل والجثث والسياط | ومكبرات الصوت | الوطن الهادىء كعيني فلاح | البسيط كالأطفال | المشوَّه كالأشلاء | النائم كالثور | والمتيقـِّظ كالعقاب | الوطن المرسوم في الجرائد | نسنده كالكسيح | الوطن الذي نبكيه ويبكينا | وهو يسير متعثـِّراً كالشيخ | ممسكاً بعكازه.. مقوس الظهر | تحت المطر والعمارات ودواليب الحظ | الوطن الكريم كالشجرة | والبخيل كالجبل الأجرد | الوطن الكبير كالحلم | والضيق كصرخة في سرداب | الوطن الجميل كالأراجيح | القبيح كوجوه القتلة | الوطن النظيف كالحقيقة | والقذر كثوب القصاب | وطني الذي أنحني أمامه | كما أنحني أمام أمي | وأدير له ظهري وأكيل له الشتائم | وطني الذي أفر منه | وأجده بين أوراقي | يشير إلي بعينيه الدامعتين | يفتح ذراعيه ويقول لي: | يا ولدي! | وأفتح ذراعيّ وأقول له: | يا وطني! | ودائماً دائماً | بعد الحب والكراهية | بعد الشتائم والمدائح | نلتقي ونتعانق | كأننا قبلُ لم نلتق ِ | أيكي ويبكي | يمسح دموعه بمعطفي | وأمسح دموعي بأشجاره | ثم يتكوّم كاليتيم في زاوية.. | تحت درج | في مركب مهجور | في زنزانة ضيقة | على ركبة فتاة | على صدر رجل | يجمع في صُرّته الدموع والصرخات | رسائل الحب والغضب | وبعيداً.. | بعيداً.. | بعيداً.. | عني وعنكم | يتكوَّم كاليتيم في زاوية | وينام! | . | 1982 | |
اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (بيان الصفدي) .