أختارُ لموتي أسئلةً من طين، ومرايا تفضحُ أجساداً من |
قطن، ومعارك لم تحدثْ. وأناورُ في تدبيج مقالات تتستر في |
اخفاء هزائم كلماتي كي أخرج محتفلاً والناس سكارى يرتجفون. |
أختار لموتي عنواناً ورسائل خالية إلاّ من خيبة أطفالي، |
ودراهم كاذبة، سيقاناً تلهبُ أغنيتي الدرداء. وأختارُ لموتي |
معنى، وأضمّخه بالطيب وأنشره في السرّ على أكتافي. وأهاتفُ |
أنكيدو القابع في أعماقي: انّ امرأة الغابة توقظ فينا تفّاحَ |
الصبواتِ وتقتل طلعَ الربّ حذارِ. أشاورُ كلكامش ليلاً لنؤسس |
مكتبةً لحروفِ الحقِ، الحبِّ، وحاءِ الشعراء المنسيين. وأختارُ |
لموتي مأساة وأؤسس سيناً أخرى لا تدخل في كلماتِ اليأسِ، |
السورِ، السجنِ، سلامِ الرعبِ، سقوطِ الأسنان. وأختارُ لموتي |
ريحاً وعواصف من قلقٍ وأحاكمه وسط شواطئ لا يتعرّى فيها |
غربانُ الكلماتِ المنخورة، ألقي القبض عليه وأدفنه في الأرض |
وأختار لموتي موتاً أبهى، أكثرطولاً وشباباً. أختارلموتي راقصةً |
وأكون الطبّال فهزّي هزّي. أتعبنا أن الزمنَ الموحشَ باع الريش |
هنا في حانات المنسيين، فهزّي، الناقدُ مشغول بدراهمه والشاعر |
صار مصففَ حرفٍ في مطبعةِ السخفِ الكبرى. اشتدّي |
رقصاً. صرخ النحوي بنا: غلط غلط فصرخنا بالنحوي |
الصارخ: غلط غلط. وسكرنا حتى نمنا في وحل الشارع، |
واشتدّ بنا قلقُ الرئتين، مواجعُ عينين ارتبكتْ في ظلماتِ الأرضِ. |
أقمنا مأدبةً لخطايانا، عاشرنا أنفسنا فيها واشتقنا لسرير الحبِّ |
وتهنا. كان اللهُ يراقبُ خيبةَ أخطاءِ الجسدِ الفادحة المعنى. هزّي |
هزّي. صرخ الضائعُ من أقصى الأرض بحرف السين فقال لنا: |
قتلتني سينُ الاسئلةِ المذعورةِ والخبزِ الحافي والأطفال البردانين، |
فلا جدوى من كلمات النورِ، لغاتِ المعنى. فاشتاقَ إلى قتلِ الرئةِ |
الثكلى، قال لنا: سأكون التابع والكلب القابع. هل من عظمٍ |
للضائعِ وسط السين البائع فجر الكلمات بخبز المسلولين؟ |
سقط َ الشعراءُ على سين الحرف، اختاروا القتل على هيئةِ |
أحجار وانتشروا في دغلِ الكلمات. اخترتُ عداءَ الضائعِ |
والحرف النائم في معجمه. هددني. صار الضائعُ يهجوني حتى |
يطفئ نار الغضب المسعور، فأضحكُ أجتاز دواليب العثرات. |
ومن موتي الأسود أبعثُ كلماتِ الحبِّ لأشجارالفقراء يجي الردّ |
عنيفاً: لاجدوى! انتبهي: أختار لموتي حرفاً. ليكنْ هذا الحرف |
الميم. نمزّقه حتى يتكوّن ثانيةً من غير دماء يابسةٍ وكلابٍ |
تسعى. ليكنْ هذا الحرف الواو، انتبهي سخف لا حدّ له |
ياسيدتي! أتعبني دوري، كنتُ الملك العادل وسط الأتباع |
الفرحانين المملوء بحكمة أجدادي. صرخ المخرج وسط الحفلة: |
قفْ! هل جددتَ اجازةَ سوق السيارة؟! أتعبني دوري، كنتُ المتأمل |
في صفحاتِ الأرض أحللُ تاريخاً أستجلي أسراراً. صرخ المخرج: |
قفْ! هل تقدر أن تجعل حرفكَ يخرج (بالمقلوب)؟! وكنتُ |
العاشق، سيدتي الباء لها ثدي من عسلٍ وفم من خمرِ اللذةِ، لحنِ |
مسرّاتٍ. صرخ المخرجُ وسط سرير الحب: وهل تقدر أن تنبح؟! |
كنتُ الطفل فلا جدوى من تهديدي. أشجاري خضر وثماري زاهية |
كأغاني الجبل الأبيض. اخترتُ القهقهةَ البيضاءَ فلا جدوى من |
تهديدي. جاء المخرجُ ضيّع معنى الأم وألقى القبضَ على أسرارِ |
أبي، فأبتهل َالجسدُ القابعُ فيَّ. وأيقظني المخرجُ من نومي كي |
أنظر موتي فبكيتُ. انحسرتْ لغتي. أرسلتُ رسائل عاجلة |
للأنكيدو، الكلكامش. عاط النحويّ بنا: غلط غلط. ركبَ |
النحويُ الضائعَ في الدهليزِ المظلمِ. فانطفأتْ لغتي. واقتربَ |
الموتُ حثيثاً من بابِ البيتِ، فأغلقتُ البابَ، تسوّر محرابي في |
منتصفِ الليلِ وقال بأني الموت فلا مهرب. أضحكني سخفُ |
الموتِ، فقلتُ: أنا أهرب؟! هل يهربُ شيخ أعمى من موتكَ |
يا هذا المتسوّر محرابي، يا هذا المتسوّر محراب الله؟! |