(1) |
كان بإمكاني أن أروّض شيئاً من جمهرة الحروف |
لأعلن أنّ الكأس كأسي |
وأنّ الحياة لي |
حاؤها لي دون غيري |
لكنّ الدور كان صعباً حدّ الطوفان |
والجسد ضعيفاً كان. |
(2) |
كان الدور صعباً |
إذ كان دوري دور أوديب |
ودور هاملت |
ودور الساحرات اللواتي قلن لماكبث ما قلن |
ودور المهرّج |
ودور المأمون ودور الرضا |
ودور الذي حُمِلَ رأسه فوق الرماح |
ودور الذي صُلِبَ على جسر الكوفة |
ثم ذُرَّ بوسط الفرات |
ودور الذي صُلِبَ على باب بغداد |
ورماه مريدوه بالورد |
كان دوري دور ابن المقفع، |
والتوحيديّ، |
والشريف الرضيّ |
ودور مالك بن الريب |
وصولاً إلى السيّاب. |
(3) |
أيُّ دور، إذن، هوذا؟ |
بل أية مسرحية ينبغي أن أقوم ببطولتها؟ |
مَن هو المخرج، هنا، أيها الاصدقاء؟ |
مَن سيضع لنا الموسيقى التصويرية |
لنرى دمَ أوديب يتدفق من بين عينيه؟ |
مَن سيصمم الملابس للساحرات |
وماكبث، والمهرّج، والشريف الرضيّ؟ |
مَن سينصب لنا خشبة لصلب الحلاج؟ |
مَن سيشعل التنور لنرمي فيه ابن المقفع؟ |
ومَن سيقود السياب في الشارع |
وقد خذله جسده الضعيف؟ |
نعم، أيها الأصدقاء |
كان الدور صعباً |
والجسد ضعيفاً كان. |
(4) |
لكنه دوري الأثير |
دوري الذي أرغِمتُ على فعله |
على فعلِ كلِّ تفاصيله |
أيّ دور، إذن، هوذا؟ |
أيّة مسرحية هي ذي أيها الاصدقاء؟ |
مَن هو المخرج الذي سيقود كلّ هذا الخراب |
دون أن تشعروا بالملل؟ |
انتبهوا أيها الاصدقاء |
كفّوا عن التلفتِ والتدخين |
كفّوا عن الكلام |
كفّوا رجاءً |
فلقد بدأت المسرحيةُ فعلاً |
ها هي الستارة تُسحب بهدوء |
والمسرحُ خال وخال وخال |
المسرح مظلمٌ مظلمٌ مظلم |
وليس هناك مَن يبدد هذه الظلمة المرعبة |
إلاّي |
صفّقوا أيها الاصدقاء |
صفّقوا قليلاً قليلاً |
صفّقوا كثيرا ًكثيراً |
انني أنحني أمامكم |
صفّقوا |
آه.. صفّقوا |
فلقد انتهت المسرحية |
دون أن تشير إلى شيء |
دون أن تقول أيّ شيء! |
شكراً |
إنني اختفي |
بابُ الموتِ رائع بانتظاري |
والأرضُ، أمي الطيبة، تريدُ جسدي |
والتاجُ، رغم البريق، مزّيف |
كمزحةٍ قالها المهرّج |
والساحرات امتطين غيمة الحلم |
عاريات تماماً |
وطرن فوق الفرات |
وفوق السؤال |
وفوق الزمان |
وفوق الممثلين الذين اختفوا |
ماكبث الذي هو أنا |
وأوديب وهاملت والشريف الرضي |
والسيّاب |
كلُْ شيء تبخّر في هدوءٍ عجيب. |
صفّقوا أيها الأصدقاء |
صفّقوا.. |
إنها ساعة الافتراق |
ساعة الرعب |
ساعة أن نكون أو لا نكون |
صفّقوا |
ثم اذهبوا للجحيم! |