ـ وما اسمُ المعلمِ..؟ منْ سوفَ يعطِي الدروسْ..؟ |
ـ أَتَسأَلُني..؟ ليكنْ من يكونْ |
أتينا لندرسَ لا لانتقاءِ عريسْ |
ـ نعم ليكن من يكون، جوابٌ صريحٌ رصينْ |
أتى من لسانٍ حصيفْ |
وآسَفُ آنستي لسؤالي السخيفْ |
فما زالَ بعدُ لساني الغريرْ |
صغيراً طريّا |
أحاولُ تدريبَه كي يخوض بشتى الأمورْ |
لسوف يُجيدَ الكلام الخفيف الظريفْ |
سيغدو الكلام لديه ثميناً نقيّا |
لسوف يبزّ النضارَ بسحرِ الحروفْ |
قريباً يَهُزُّ جُمودَه |
فأرجو قبولَ اعتذاري |
لأنيَ ما فُهتُ بالكَلِمات المفيدَهْ |
أَأَنتِ جَديدَهْ..؟ |
ـ نَعَمْ يا صَديقُ وَهل أنت أيضاً جديدْ..؟ |
ـ جديدٌ.. بهذا اللقاء سعيدْ |
ـ إذنْ إتفقنا فَنَحنُ جَديدان مدةَ عامٍ بهذا المكانْ |
ـ ألا نستقرّ لبضعِ سنينٍ لنشهدَ منه مرورَ الزمانْ..؟ |
ـ ستخلُدُ وحدَكَ فيهِ عُقوداً وراء عُقودْ |
ـ ومن لا يحبّ الخلودْ..؟! |
ـ ستغدو عَتيقاً هنا أبَدَ الآبِدينْ |
كبَوّابةٍ أو كَهَذا العَمودِ العَتيقْ |
تَعدُّ القُرونْ |
ـ ولكن أليسَ يليقْ |
بمن كان مثلي يحبّ الفنونْ |
بألاّ يكونْ |
سوى لوحةٍ مثلِ هذي بأعلى الجدارْ..؟ |
: إِطارٌ جَميلٌ وَخَطٌّ أَنيقْ |
ـ ولكنها ستظلّ مُعلّقةً عشراتِ السنينْ |
إلى أن تحين نهايةُ هذا العقارْ |
ويأتي الدمارْ |
ـ وَأَنتِ إِذا حَلَّ عامٌ جَديدْ |
أَتَمضينَ تاركتي في الأَعالي ألمّ الغُبارْ..؟ |
ـ إِذا شِئتَ تَمشي مَعي فالطَّريقُ عَريضْ |
وَإنْ لَم تَشأْ فَابقَ مستمتعاً بالغِنا والقريضْ |
• |
ولاحتْ على شفتيكِ ابتسامَةُ وُدٍّ لِذاكَ الحِوارْ |
لِذاكَ الجِدالِ المُحَبَّبِ يلبسُ ثَوبَ الشّجارْ |
وَحاوَلتُ أَن يستمرّ لذيذُ الحديثِ لوقتٍ بعيدْ |
وألاّ يُصيبَ لساني الخُمودْ |
وَلَكِنَّني لَمْ أَجِدْ في حَقيبَةِ ثَرثَرَتي من مزيدْ |
فهِمتُ بأفقِ الخيالِ شريدْ |
تلاقتْ عيونٌ.. وباحتْ بِما فِي الصُّدورْ |
ولوَّنَتِ الوجناتِ ورودُ السرورْ |
وفاح عبيرُ الجنانِ |
وَتَمتَمَ قَلبي بِخَفْقاتِهِ وَلِساني |
معاً يرجوانِ |
إلهَ السّماء بكلّ خشوعْ |
بِأَنْ لا يَجيءَ المُعَلِّمُ هَذا النَّهارْ |
لأبقى شريدَ الشراعِ بصفوِ السماءِ وعمقِ البحارْ..! |
أَسيحُ عَلى زُرقَةٍ تائهاً لا أُريدُ الرُّجوعْ..! |
سِوى لِشَواطِئِ جَفنَيكِ كي أستريحَ.. أَنامْ |
بحضن السلامْ |
بعتْمَةِ هُدبَيكِ تحتَ خميلِ الظلامْ |
ويا طيبَهُ مِنْ هُجوعْ..! |
وَطارَتْ إليَّ رُفوفُ الأمانِي |
تَرِقُّ لِقَلبي الوَلوعْ |
وَتَسقيهِ ماءَ الحَنانِ |
وتُهديه ما يَشتَهيهِ |
فما حرمتني ليالِيَّ ها أنَذا أقتنيهِ |
تَمَلَّكْتُهُ مائساً بينَ زَهوٍ وتيهِ |
وَصارَ زَمانِي |
صَديقاً رَفيقا |
غَفا بَلْ تَوَقَّفَ مِن أَجلِ حبّي |
ورفقاً بقَلبي |
وَكَفَّ عَنِ الدَّوَرانِ |
وَأحْسَسْتُ أنَّ فراغاً سحيقاً عَميقا |
يَشُدُّ المَقاعِدَ تحتِي |
وَيَغدو جزيلُ الكلامِ لَدَيَّ عسيرْ |
لأَنَّ لِسانِيَ حينَ سَكَتِّ |
غَدا أَخرَساً لا يَحيرْ |
فلُذتُ بِصَمْتي |
ومَرَّ قِطارُ الخَواطِرِ بَعدَ طَويلِ انتِظارِي |
وفَرَّ من الشفتينِ سؤالٌ تحدى اصطباري: |
ـ" وَمَا اسْمُكِ أنْتِ..؟ " |
وخَضَّبَ فِي لحنِهِ وجنتيكِ |
وغنتْ شفاهُكِ: |
ـ" غادَهْ " |
أجبتِ وفِي مقلتيكِ |
يلوحُ خشوعُ العبادهْ |
وتابعتِ دونَ هوادَهْ: |
ـ" ومَا اسمُكَ أنتَ..؟ " |
تمَطّى على شفتيَّ نداءْ |
وَكِدْتُ أقولُ: " أنا مَنْ سرقتِ فؤادَهْ " |
وَأبْرَقَ كلُّ وُجودِي وَأظلمْ |
كأنّي مَسُوقٌ لِحَتفِي |
وَأحْسَسْتُ أنَّ ضُلوعِي تَحَطّمْ |
وقلبي يدقُّ بعنفِ |
وأنَّ مكانِيَ.. لا.. لمْ يعدْ لِي مكانْ..! |
وأحسستُ أني أَسيرُ وَأَنتِ |
على بُسُطٍ مِنْ هُدوءٍ وَصَمْتِ |
وَنَرقى .. فَتَحمِلُنا غَيمةٌ مِنْ رُفوفِ الحَنانْ |
مُضَمَّخَةٌ مِنْ عَبيرِ الجِنانْ |
إلى جزرِ العاشقينَ.. وحيثُ يَنامُ الزَّمَانْ |
وعبرَ الجِنانْ |
ونحنُ نحوِّمُ عبرَ الجنانْ |
ترامَى إلى أذنيَّ نشيدْ |
هتافٌ أتى من بعيدْ |
يجوزُ الدُنى الواسِعَهْ: |
ـ" يَعيشُ المُحِبَّانِ فِي الجامِعَهْ " |
" يَعيشُ المُحِبَّانْ " |
هتافُ الرِّفاقِ.. تذكرتُ أنِّيَ فِي الجَامِعَهْ |
ولكنَّنا طائِرانْ |
تطلعتُ حولِي كأنِّيَ أحلمْ: |
ـ" أينَ المقاعدُ..؟ أينَ التلاميذُ..؟ أينَ المعلمْ..؟ " |
وَراحَ الهتافُ يُعيدُ صَدَاهُ المُنَغَّمْ |
نشيداً يُردَّدُ عذبَ الغناءْ: |
ـ" يَعيشُ المُحِبَّانْ " |
" يعيشُ المُحِبَّانْ " |
فأسألُ نفسِيَ: |
ـ" من أين جاء النداءْ..؟ " |
" وَأينَ رفاقِي..؟ " |
" وهذي تراتيلُهم أبداً في لِحاقي..! " |
" بأذنِ فؤادِيَ مُنسَكِبَهْ " |
وجالت عيونيَ حولَكِ مُضطَرِبَهْ |
وأدركتُ أنكِ مثلِي تلاحِقكِ النَّغمةُ المُطْرِبَهْ |
أسَرَّتْ لِيَ المُقلتانْ |
وَنَدَّتهُما دَمْعَتانْ |
ولاحَتْ على شفتيكِ ابْتِسَامَهْ |
أهاجتْ لقلبي هُيامَهْ |
وقلتِ: |
ـ" حبيبي.. حبيبي " |
نداءُ المُحبّين في كل آنْ |
تغرده للزمانِ شفاهُ القلوبِ |
ـ" حبيبي.. حبيبي " |
وَطارَ صَداها بكلِّ مكانْ |
حبيبي تُغَرَّدُ مِنْ شفتيكِ |
وأُرجعها من شفاه فؤادي إليكِ |
نِداءٌ جَميلْ |
وَلحنٌ رخيمٌ عليلْ |
وسادَ الفَضاءَ سكونْ |
وإذ صوتُ أمِّي الحنونْ |
يقولُ: |
ـ" حبيبي.. تأخرتَ قمْ منْ فِرَاشِكْ " |
. |
1961 |