نَفَثَ الظلامُ ضَبابهُ |
كالرَّهِبِ الزنجي بَثَّ بَخورَهُ |
فَتماوَجتْ قِصَصُ الضبابةِ و الظلام |
قِصَصاً على قِصَصٍ |
كأنَّ الليلَ بينهما غريقْ |
و أنا أقولُ مُتيماً : |
أينَ الصحاري ؟ |
قالَ مُضطَجِعٌ على أحزانهِ |
: أينَ الهَبوبُ ؟ |
و قالَ مجذوبٌ |
: و أينَ حَبيبتي الجوزاءُ ؟ |
قالت صَخرةٌ بِجِوَارِنا |
: أينَ الهلال ؟ |
فَتمازَحَت أقوالُنا و تَمازَحَتْ |
و تَمازَحتْ |
و تنطَّطَت أصواتُنا |
مِثلَ الأرانبِ بَيننا ! |
الخوفُ عَلَّمنا طُقوسَ الخوفِ |
عَلَّمنا المِزاحَ على الجِراحِ |
و كُلِّ آدابِ الرقيق |
الخوفُ أمسى مِثلَنا |
في الليل يَبحثُ عن أنيسْ |
فنظنهُ أحدَ المساكينِ |
و نأوي ظِلَّهُ |
لله أحياناً |
و أحيانا نُسميهِ الرفيقْ |
،،، |
للخوفِ رَائِحَةٌ |
تُحَرِّضُنا على كُرهِ النهار |
للخوفِ ليلٌ |
تَعشقُ النيرانُ فِيهِ ظِلالَنا |
و تُمارِسُ الجَمراتُ |
لَهجَتَها المضيئةَ بِيننا |
كَمْ لَهجَةٍ للنارِ تَخترِعُ الكلام |
،،، |
كُنّا نُحَاذِرُ شيخَنا الصوفيَّ |
نَعتَنِقُ الحذَر |
الصمتُ كان مُقدساً |
الخوفُ كان مؤالَّهاً |
للشيخِ سُبْحَتُهُ |
و للصبيانِ آلِهَةُ الهواء ! |
هذا إلهٌ مِن غُبار |
هذا إلهٌ من دُخان |
هذا إلهٌ من خَيال |
هذا إلهٌ نامَ تحتَ الظنِّ |
لا يبدو إلَهاً مُنتظَر |
للشيخِ سُبْحَتُهُ |
و للصبيانِ آلِهَةُ الهواء ! |
،،، |
كُنّا نُحاذِرُ شَيخَنا الصوفيَّ |
نخشى سِحرَهُ |
و نخافُ يَمسخُنا قُروداً كالقرود |
فلا نَعودُ مِنَ البشَر |
فجنودهُ جِنٌّ عَفاريتٌ |
و أشباحٌ طِوَال |
و عُيونُهُ حَولَ العُصاةِ |
تُمارِسُ المَوتَ المُحِيق |
،،، |
المُعجِزَاتْ ، المُعجِزَاتْ |
كَمْ حَوَّلَ الآسادَ فِئراناً |
وكم جُرثُومَةٍ |
سَجَدَتْ على يَدِهِ |
فَصارَتْ نَجمَةً |
المُعجِزاتْ ، المُعجِزاتْ |
يا إِخوَةَ الخَلَوَاتِ |
مُنذُ وِلادَتي |
الشيخُ يُرضِعُني حَليبَ الجِنِّ |
يُلبِسُني جَلابِيبَ الخَفاء |
و يَهِزُّ في قلبي تَرانيمَ البريق |
،،، |
يا إِخوَةَ الخلواتِ |
كَمْ سَامَرتُ شَيخِي و الرُّؤى |
في رَوضةِ المريخِ مَرَّاتٍ |
و مَرَّاتٍ بِكُوخِ الشمسِ |
كَمْ طابَ المساء |
كَمْ شاء شَيخِي ما يَشاء |
فَغَطَستُ أعبثُ بالهوى و غرائزي |
و عَرائِسَ البحرِ العَميق |
كَمْ لَيلةٍ طابَ الهوى |
و رَكَضتُ في عَدْنٍ |
قَفَزتُ لِجَنةِ الفِردَوسِ |
ضَمَّ الشيخُ أشواقي |
و بَعثرَها على ظَبيٍ رَشيق |
،،، |
طالَ الوفاء |
لَكِنَّ شَيخِي شَاخَ و ارتَجَفَ الوفاء |
ما عادَ شَيخِي عاشِقاً |
ما عاد شَيخِي وَاثِقاً |
فَكأنني سأُذِيعُ بالسرِّ العظيم |
و كأنني |
سأقودُ مَشْيَخَةَ الطلاسِمِ للحريق |
الشيخُ شَعوذَ |
و استَبَدَّ بِهِ السُعَال |
فَتلاطَمَتْ في بحر عَينيهِ الشُكوك |
و تَناثرتْ مِن أنفهِ لُغَةُ الملوك |
قال استمعْ و اسجُدْ |
تَرى رَبَّ السماء بِجُبَّتي |
مُتَعَمِّماً بِعِمامَتي |
اسجُدْ فإنَّ الرَّبَ شَيخُكَ |
لا تُجَادِلُهُ فهذا لا يَليق |
لأُوَلِّيَنَّك قِبلَةً |
ما كُنتَ تَرضاها |
فَيَمِّمْ نَحوَها |
هِيَ قِبلَةٌ |
سَتَكونُ ثَالِثَةً على نَسَقٍ أنيق |
هِيَ قِبلةٌ |
عُنوانُها للناسِ عِجلٌ أبيضٌ |
لا مَعبدٌ أقصى |
و لا رُكنٌ عَتيق |
،،، |
يا إِخوَةَ الخَلَواتِ |
لا كانَ الفِراقْ |
أنا لَمْ أُبِعْ صُوفِيَّتي |
لَكِنَّنِي في حَضرَةِ الطُغيانِ |
حَتماً لا أُطَاقُ و لا أُطِيق |
الشيخُ شَعوَذَ |
و الطريقةُ لا تَدِلُّ على الطريق |
و أنا المريدُ العَاشِقُ الهيمانُ |
لَكِنّي تَعِبتُ مِنَ الكراماتِ السخيفةِ |
و السخافاتِ الكريمةِ |
و الهدوءِ |
و حَضرةِ الصمتِ العَرِيق |
،،، |
رَبَّاهُ ما ضَلَّ المُريدُ العَاشِقُ |
لَكِنَّهُ شَقَّ الغِطاءَ لِيَسْتَفِيقْ |