قليلاً من الصمت يا أصدقاء |
فهذي جنازة أمي |
هو الفجر، |
حشد من الأمهات اللواتي |
يبيّضهن البكاء |
يجئن، كما يهجم الدمع وسط المواويل |
ثم يجئن مع الفجر، |
لا يقبل الضوء |
ثم يجئن مع الضحك |
لا يسطع الفرح المرتجى في اللقاء |
هو الدمع حشد من الأمهات |
اللواتي يكابرهن العزاء |
توجهن نحو فواجع ترسم أعمارنا |
مبطئاتٍ |
مجيء السنونو الذي ضل عن سربه |
ثم داهمه البرد أدرك أن جناحيه |
يتجهان إلى زمهرير الشتاء |
هو الفجر |
حشد من الأمهات النوادب |
للصمت في حزنهن |
نشيج العواصف في غابة |
يتجمع حشد بقافلة تتقن الدمع |
والأم بيت من الكلمات الكسيرة |
والضحكات الحزينة |
والعبرات السعيدة |
أشهق |
لم أتهيأ لهذا الصباح المفاجئ بالأمهات |
انتهيت من القصف والعربدات |
ورحت أجفف عن جثتي ندمي |
كنت أنفقت في الليل |
تحويشة العمر من ضحكاتي |
وهاجمني الفقرُ والدائنون: |
الهمومُ التي نبعت من بلادي |
التي قدمت لي سهادي |
الهمومُ وخيباتها المستعادة |
ثم حسابُ الغد المكفهر |
يطالبني الدائنون السداد هموداً |
وتشرق في القلب ذكرى |
أخلصها من ثياب الحداد |
أتاني الصباح بطيئاً يعزي |
وجئت إلى وعده حاملاً طرقاً للبكاء |
هو الفجر |
يأخذ شكل الجنازة |
حشد من الزغردات يصير عويلاً |
وزنبقة من مراح الطفولة |
تصلح للقبر |
والفجر عصفورة فرحت بالندى |
وانتشت بهجة بالشذا |
حركت جانحيها الصغيرين نحو السماء |
ففاجأها الدبق بين الغصون |
وصاحت، فأدركها باشق |
يبطئ الفجر |
كنت أمل بأني سأحمله في جيوبي |
ويبطئ حشد الحنان الذي أخجلته ذنوبي |
يحيط بقلبي ضباب |
كأن الصباح يشيع أضواءه |
ويهربها |
وأنا في السكينة وحدي |
أهدهد ميتاً بآهاته |
وأهدهد صبحاً بأشلائه |
وأبدد عمراً بأجراسه |
ثم أغلق عينيّ |
تنفجر المعولات بقلبي |
وأرهب أن أتساءل: |
من سيشيّع هذا الصباح؟ |
لماذا يعود إليّ أسى الأمهات |
توابيت تأخذ شكل الجنازة؟ |
من سيشيّع هذا المساء؟ |
أضمد ضعفي |
أخاف التطلع نحو الظهيرة: |
هل سوف تأتي الرصاصة في الشمس |
أم تقبل الطعنات مع النسمة الناعمه |
وأهجس: |
كيف الطعام ليوم جديد |
وأين سلامة يوم جديد |
وأي الجنود يهدد أمني |
وأي المساكين يطلب رأسي |
وأي الفواجع تحملها النشرة القادمه |
أمد يدي من ظلام المصابيح |
في حلك الصبح |
أبحث عن رقصات الشباب |
كما أتحسس وكر عقارب |
حتى أصادف أشباح عربدة دون صوت |
وأهتف بالصاخبين، |
وأرجو دقيقة شجو: |
"قليلاً من الصمت يا أصدقاء |
فهذي جنازة أمي" |
وأصرخ.. |
لا يصعد الصوت |
أصرخ |
لكن قلبي يحاصر |
بالتهم المستبدّة |
بالصخب القامع |
الموت يرقبني شامتاً |
أتشبث بالفجر، ينهار |
أمسك بالأمهات الفقيدات يغرقن |
وأدرك أن الجنازة ليست لأمي |
وأجهش |
تلك الجنازة تحمل جسمي |
____________ |
من ديوان: للخوف كل الزمان |