أرشيف الشعر العربي

هَمَّ فَجْرُ الحَيَاةِ بِالإِدْبَارِ

هَمَّ فَجْرُ الحَيَاةِ بِالإِدْبَارِ

مدة قراءة القصيدة : 4 دقائق .
هَمَّ فَجْرُ الحَيَاةِ بِالإِدْبَارِ فَإِذَا مَرَّ فهْيَ فِي الآثَارِ
وَالصَّبا كَالكرَى نَعِيمٌ وَلَكِنْ يَنْقَضِي وَالفَتَى غَيْرُ دَارِي
يغْنَمُ المَرْءُ عَيْشَهُ فِي صِبَاهُ فَإِذَا بَانَ عَاشَ بِالتِّذْكَارِ
إِيهِ آثَارَ بَعْلَبَكَّ سَلاَمٌ بَعْدَ طولِ النَّوَى وَبُعْدِ المَزَارِ
وَوُقِيتِ العَفَاءَ مِنْ عَرَصَاتٍ مُقْوِيَاتٍ أَوَاهِلٍ بِالفَخَارِ
ذَكَرِيني طُفُولَتِي وَأَعِيدِي رَسْمَ عَهْدٍ عَنْ أَعْيُنِي مُتَوَارِي
مُسْتَطَابِ الحَالَيْنِ صَفْواً وَشَجْواً مُسْتَحَبٍ فِي النَّفْعِ وَالإِضْرَارِ
يَومَ أَمْشِي عَلَى الطُّلُولِ السْوَاجِي لا افْتِرَارٌ فِيهِنَّ إِلاَّ افْتِرَارِي
نَزِقاً بَيْنَهُنَّ غِرّاً لَعُوباً لاَهِياً عَنْ تَبَصُّرٍ واعْتِبَارِ
مُسْتَقِلاًّ عَظِيمَهَا مُسْتَخِفّاً مَا بِهَا مِنْ مَهَابَةٍ وَوَقارِ
يَوْمَ أَخْلو بِهِنْدَ تَلْهُو وَنَزْهُو وَالهَوَى بَيْنَنَا أَلِيفٌ مُجَارِي
كَفَرَاشِ الرَّيَاضِ إِذْ يَتَبَارَى مَرَحاً مَا لَهُ مِنِ اسْتِقْرَارِ
نَلْتَقِي تَارَةً وَنَشْرُدُ أُخْرَى كُلُّ تِرْبٍ فِي مَخْبَإٍ مُتَدَارِي
فإِذا البُعْدُ طالَ طَرْفةَ عَيْنٍ حَثَّنا الشَّوْق مُؤْذِناً بِالبِدَارِ
وَعِدَادَ اللِّحَاظِ نَصْفُو وَنشْقى بِجِوارٍ فَفُرْقةٍ فَجِوَارِ
لَيْسَ فِي الدَّهْرِ مَحْضُ سَعْدٍ وَلَكِنْ تَلِدُ السَّعْدَ مِحْنَةُ الأَكْدَارِ
كُلَّمَا نَلْتَقِي اعْتَنَقْنَا كَأَنَّا جِدُّ سَفْرٍ عَادُوا مِنَ الأسْفَارِ
قُبُلاَتٌ عَلَى عَفَافٍ تُحَاكِي قُبُلاَتِ الأَنْدَاءِ وَالأَسْحَارِ
وَاشْتِبَاكٌ كَضَمِّ غُصْنٍ أَخَاهُ وَكَلَثْمِ النُّوَّارِ لِلنُّوَّارِ
قَلْبُنَا طَاهِرٌ وَلَيْسَ خَليِّاً أَطْهَرُ الحُبِّ فِي قُلوبِ الصِّغَارِ
كَان ذَاكَ الهَوَى سَلاَماً وَبَرْداً فَاغْتدَى حِينَ شبَّ جَذْوَةَ نَارِ
حَبَّذَا هِنْدُ ذِلكَ العَهْدُ لَكِنْ كُلُّ شَيءٍ إِلَى الرَّدَى وَالبَوَارِ
هَدَّ عَزْمِي النَّوَى وَقَوَّضَ جِسْمِي فَدَمَارٌ يَمْشِي بِدَارِ دَمَارِ
خِرَبٌ حَارَتِ الْبَرِيَّةُ فِيهَا فتْنة السَّامِعِينَ وَالنُّظارِ
مُعْجِزَاتٌ مِنَ البِنَاءِ كِبَارٌ لأُنَاسٍ مِلْءَ الزَّمَانِ كِبَارِ
أَلْبَسَتْهَا الشُّموسُ تَفْوِيفَ دُرٍ وَعَقِيقٍ عَلَى رِدَاءِ نُضَارِ
وَتَحَلَّتْ مِنَ اللَّيالِي بِشَامَا تٍ كَتَنْقِيطِ عَنْبَرٍ فِي بَهَارِ
وَسَقاهَا النَّدَى رَشَاشَ دُمُوعٍ شَرِبَتْهَا ظَوَامِيءَ الأَنْوَارِ
زَادَهَا الشَّيْبُ حُرْمَةً وَجَلاَلاً تَوَّجَتْهَا بِهِ يَدُ الأَعْصَارِ
رُبَّ شَيْبٍ أَتَمَّ حُسْناً وَأَوْلَى وَاهِنَ العَزْمِ صَوْلَةَ الْجَبَّارِ
مَعْبَدٌ لِلأَسْرَارِ قَامَ وَلَكِنْ صُنْعُهُ كَانَ أَعْظَمَ الأَسْرَارِ
مِثَّلَ القَوْمُ كُلَّ شَيءٍ عَجِيبٍ فِيهِ تَمْثِيلَ حِكْمَةٍ وَاقْتِدَارِ
صَنَعُوا مِنْ جَمَادِهِ ثَمَراً يُجْنَى وَلَكِنْ بِالعَقْلِ وَالأَبْصَارِ
وَضُرُوباً مِنْ كُلِّ زَهْرٍ أَنِيقٍ لَمْ تَفُتْهَا نَضَارَةُ الأَزْهَارِ
وَشُمُوساً مُضِيئَةً وَشِعَاعاً بَاهِرَاتٍ لَكِنَّهَا مِنْ حِجَارِ
وَطُيُوراً ذَوَاهِباً آيِبَاتٍ خَالِدَاتِ الغَدُوِّ وَالإِبْكَارِ
فِي جِنَانٍ مُعَلَّقَاتٍ زَوَاهٍ بِصُنُوفِ النُّجُومِ وَالأَنْوَارِ
وَأُسُوداً يُخْشَى التَّحَفزُ مِنْهَا وَيَرُوعُ السَّكُوتُ كَالتَّزْآرِ
عَابِسَاتِ الوُجُوهِ غَيْرَ غِضَابٍ بَادِيَاتِ الأَنْيَابِ غَيْرَ ضَوَارِي
فِي عَرَانِينِهَا دُخَانٌ مُثَارٌ وَبِأَلْحَاظِهَا سُيُولُ شَرَارِ
تِلْكَ آيَاتُهُمْ وَمَا بَرِحَتْ فِي كُلِّ آنٍ رَوَائِعَ الزُّوَّارِ
ضَمَّهَا كُلَّهَا بَدِيعُ نِظَامٍ دَقَّ حَتَّى كَأَنَّهَا فِي انْتِثَارِ
فِي مَقَامٍ لِلحُسْنِ يُعْبَدُ بَعْدَ العَقْلِ فِيهِ وَالعَقْلُ بَعْدَ الْبَارِي
مُنْتَهَى مَا يُجَادُ رَسْماً وَأَبْهَى مَا تَحُجُّ الْقُلُوبُ فِي الأَنْظَارِ
أَهْلَ فِينيقِيا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ يَوْمَ تَفْنَى بَقِيَّةُ الأَدْهَارِ
لَكُمُ الأَرْضُ خَالِدِينَ عَلَيْهَا بِعَظِيمِ الأَعْمَالِ وَالآثَارِ
خُضْتُمُ البَحْرَ يَوْمَ كَانَ عَصِيّاً لَمْ يُسَخَّرْ لِقُوَّةٍ مِنْ بُخَارِ
وَرَكِبْتُمْ مِنْهُ جَوَاداً حَرُوناً قَلِقاً بِالمُمَرَّسِ المِغْوَارِ
إِنْ تَمَادَى عَدْواً بِهِمْ كَبَحُوهُ وَأَقَالُوهُ إِنْ كَبَا مِنْ عِثَارِ
وَإِذَا مَا طَغَى بِهِمْ أَوْشَكُوا أَنْ يَأْخُذُوا لاَعبِينَ بِالأَقْمَارِ
غَيْرُ صَعْبٍ تَخْلِيدُ ذِكْرٍ عَلَى الأَرْ ضِ لِمَنْ خَلَّدُوهُ فَوْقَ البِحَارِ
شَيَّدُوهَا لِلشَّمْسِ دَارَ صَلاَةٍ وَأَتَمِّ الرُّومَانُ حَلْيَ الدَّارِ
هُمْ دُعَاةُ الفَلاَحِ فِي ذلِكَ العَصْرِ وَأَهْلُ العُمْرَانِ فِي الأَمْصَارِ
نَحَتُوا الرَّاسِيَاتِ تَحْتَ صُخُورٍ وَأَبَانُوا دَقَائِقَ الأَفْكَارِ
وَأَجَادُوا الدمَى فَجَازَ عَلَيْهِمْ أَنَّهَا الآمِرَاتُ فِي الأَقْدَارِ
سَجَدُوا لِلَّذِي هُمُ صَنَعُوهُ سَجَدَاتِ الإِجْلاَلِ وَالإِكْبَارِ
بَعْدَ هَذَا أَغَايَةٌ فَتُرَجَّى لِتَمَامٍ أَمْ مَطْمَعٌ فِي افْتِخارِ
نَظَرَتْ هِنْدُ حُسْنَهُنَّ فَغَارَتْ أَنْتِ أَبْهَى يَا هِنْدُ مِنْ أَنْ تَغَارِي
كُلُّ هَذِي الدُّمَى الَّتِي عَبَدُوهَا لَكِ يَا رَبَّةَ الجَمَالِ جَوَارِي

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (خليل مطران) .

يَدُ الأَمِيرِ وَقَدْ أَوْلاَكَ نِعْمَتَهُ

رزئت أباً لو طالب الدهر نفسه

أَكْمَلْتَ لِلعُقْبَى جِهَادَكْ

تُعَجِّلُ نَفْسِي مَا تَشْتَهِي

الضَّاحِكُ اللاَّعِبُ بِالأَمْسِ


ساهم - قرآن ١