المتنبي
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
غريبٌ روحُكَ العالي غريبُ | يناديه التّفرّدُ، يستجيبُ |
وما كنتَ الغريبَ لفَقْدِ أهل | ولا عافَتْكَ من ملَلٍ قلوبُ |
ولكنَّ الفضاءَ عليكَ قيدُ | ووحدَهُ أفقُ رؤياكَ الرَّحيب |
على قلقٍ تهاجر، لا إيابٌ، | وكيف يؤوبُ مَنْ فيه الدّروبُ؟ |
بنفسٍ نطفةُ الميلادِ فيها | يباركها ربيعٌ لا يشيبُ |
وفي عينيكَ أسرارٌ غَوافٍ | يضيءُ بنور مشرقها الغروبُ... |
حبيبي سوف تطوينا الفيافي | ويكتمُ نارَنا الصّمتُ الرّهيبُ |
((فليتَ هوى الأحبَّة كان عَدْلاً)) | إذنْ، لتساقطَتْ عنَّا الذّنوبُ |
((ولكنْ لا سبيلَ إلى وصالٍ)) | وأهلُ الوصل لَيْس لهمْ نصيبُ |
ويبقى الحبّ قدسيَّ الخطايا | يتوب المذنبون، ولا نتوبُ... |
يديكَ يديكَ يا جدّي أغثني | فذاكرتي تضجّ بها الحروب |
دماغي جُنَّ منشطراً... حبيبٌ | يلوّثُ طُهْرَ مخدعِهِ حبيبُ؟ |
هم الأعرابُ يا جدّي استجاروا | بجيش الروم... وابتدأ الهروبُ |
((ولكنّ الفتى العربيَّ)) فينا | غريبٌ، آه يا جدّي، غريبُ... |
وسيف الدّولة الذهبيّ أرخى | يديه للفراغِ... فما يُصيب |
وأرحامُ النّساء هنا كهوفٌ | فلا شمسٌ، ولا مطر خصيبُ |
فيا ربَّ القوافي شارداتٍ | أنادي... مَنْ أنادي؟ من يجيبُ؟ |
أنا الطفلُ العجوزُ أتاك يبكي | ويضحك من فجيعتِه المشيبُ |
يتيم الأرض، أُنْسَبُ للمنافي | وجذرُ الرّوح عن روحي يغيبُ |
تسلِّمني البلادُ إلى سواها | كأنّي كائنٌ هُجْنٌ عجيبُ |
يديكَ يديكَ يا جدّي أغثني | ووحدَك من متاهاتي قريبُ |
أنا بجلالكَ العربيِّ فَرعٌ | تطيبُ به السّلالةُ إذ يطيبُ |
نشيدُكَ عالِقٌ بدمي. كأنَّا | زواجُ الجمرِ يُذْكيه اللَّهيبُ |
قتلتُ هنا، انتفضتُ هنا، كأنِّي | شموعُ الوقتِ... لكن لا تذوبُ |
إذا ضاقت على سفَري بلادٌ | فإنّي بين أوردتي أجوبُ |
أجوب الأرضَ... من فوقي زمانٌ | ومِن تحتي... أنا الرّيحُ الهَبوبُ |
أتيه مع الضَّلال، ويشتهيني | هُدايَ، وليس مَنْ مثلي يثوبُ |
وأغنيتي بخمر الخلد نَشوى: | - أنا فردٌ ولكنّي شعوبُ... |