نام المغنّي والقصيدةُ صاحيَهْ |
قطفت أصابعُها النّجومْ |
وهوت على أعتابها شهبٌ تعرِّيها، |
فأيقظني بريقُ العرْىِ، |
ألبستُ الهواءَ دمي |
وجاورتُ الجهات النّائيَهْ |
ما كان أعلى من سياج اللَّيل غيرُ يدٍ تفتِّشُ عن |
يدِ الأنثى، وكانَتْ عاليهْ |
منذ انبلاج الكون، كانت عاليَهْ |
منذ انفصال الأرض عن أطرافها |
منذ اقتتال الأنبياء على دم الشُّعراء، |
كانت عاليَهْ |
فتأَّملي منفايَ يا أنثايَ، لولايَ استقالَ الأنبياءْ |
وتفرّقَ الحكماءُ عن محرابهم لولايَ، |
لولا أنّ خلفَ نوافذي جسداً يشّق الرّيحَ بالشَّهواتِ، |
في جنبيه نارٌ حاميَهْ |
يَصْلى بها يومَ الإناثِ العابراتِ على ضلوع لذائذي |
لولاي أقفرتِ الكؤونسُ من الرَّنين المخمليِّ، |
أنا اكتشاف العاشقينْ |
ينمو على أسوار قلبي حبّ كلِّ العالمينْ |
لكنّها أسوار قلبي صدَّعتْها الرّيحُ في فصل الجليدِ، |
فنمتُ... لكنّ القصيدةَ صاحيَهْ |
... |
حنَّ الهواءُ إلى خطاكِ... فلا تغيبي |
يا لعنةَ الذّكرى تطاردني خيالاتٌ |
وينقبض الفؤاد مع المغيبِ |
وتكون ذاكرةٌ معبَّأة بأجيالٍ من العشّاقِ |
ترتعش الخلايا عندما أفقُ النَّهارِ |
يردّ شبّاكَ العذارى |
ويخبّئُ الخوفُ القديم أصابعي في زهرة الأحزان |
يا... يا لعنة الذّكرى تلينُ حجارةُ الوادي عليَّ، |
وأنتِ في حجرٍ تدقّين الضّلوع الخاويَهْ |
كم كنتُ خالقكِ الرَّحيمَ، |
وكنتُ شيطاناً سأُغوى جوقَة الإيقاع في |
الأجساد تغزو جنّةَ الشَّهوات، |
يا... يا لعنة الذِّكرى |
يطلّ الوجه من عشب الغيوبِ |
ويشدّني وجعٌ فأشرب خمرتي وأنام في وجه الحبيبِ. |
أنامُ... لكنَّ القصيدةَ صاحيَهْ. |
... |
عُودي إلى أهداب أمِّكِ واحرسيها |
واتركي قلبي على كفّيكِ مشتعل الحضورِ |
سأشتهي نهديكِ حتَّى آخر العمر القصيرِ |
ولو طواك الموتُ أطلقُ رقصتي من قمقمي |
وأقول للكفن المشيِّع: أشتهيها أشتهيها... |
هي قبَّتي العليا، بها رمّمتُ أشلائي، ترفّقْ بالحبيبة يا كَفَنْ |
أنا والحبيبة كائنان يحلّقان ويهربان من الزّمنْ |
عُودي إلى أهداب أمّك، إذ أعودُ لوحدة الرُّؤيا، |
أعرِّي صَدْرَ أغنيتي وألهجُ: |
زِّمليني زمِّليني يا فروض الأغنيَهْ |
وأنامُ... لكنَّ القصيدة صاحيَهْ. |
ويشدّني وجعُ القصيدهْ |
وتراً من الرَّغبات قبل النَّوم... |
يا ربَّ الفراغ أعنْ بصيرتيَ الوحيدَهْ |
وحدي، وأهلُ القلب ناموا |
ناموا لتنهشني الوسائدُ والظَّلامُ |
والظّلمُ يأكلُ خبزَ قلبي حين يوقدُ وجهُكِ الأقصى |
كواكب غرفتي |
ما كنتِ قربي عندما بكت السَّماءُ الدَّاخليةْ |
من ضعفيَ الكونيّ، أرمي كلَّ أسلحتي وأفتح نبضتي |
لشعاع وجهكِ... يا قصيدة، يا غنائي البكرَ، |
يا امرأةً شهيّهْ |
وأنام... لكن القصيدة صاحيَهْ. |
... |
باركتُ من سمَّيتها جبلَ الدُّعاء، وباركَتْني |
أسريتُ في وديانها العذراء شاهدتُ السّرائرَ |
تنجلي وتشعّ مني |
هذا براق دمي يطيّرهُ الهواء الأنثويُّ السَّاحرُ |
يطوي مداراتِ المدى فأرى مكامنَ كلِّ شيءْ |
وأذوب في شلاَّل ضوءْ |
تتواثبُ النيّران في رئتيَّ، حين أمرّ قرب ديار سيِّدتي، |
... |
وأسهرُ تحت دالية المواجد، أقطفُ العنقود من نهدٍ، |
وأسكرُ في ذرى نجدٍ ويصحو في دمائي الشَّاعرُ |
يا وجهيَ الثّاني أغثني |
غرقتْ ثنايا موجتي في قاع أنثى فاجأَتْني |
وأنا أهرّبُ دمعتي، قالتْ: وجدتك يا مغنّي |
فارقصْ معي... |
رتَّبتُ إيقاعي وقلتُ لها: ارضعي |
من غصنيَ المطريِّ ينهضُ سّركِ الشّجريُّ... |
قالت: آه منكَ وآه منّي. |
كلّمتُها سرّاً وسرّاً كلَّمتْني |
ثمّ نمتُ... |
ولم تزلْ تلك القصيدةُ صاحيهْ. |
سأعودُ من حيث انتهى الجسدُ الجديدُ |
جسدٌ: كتابٌ، أم |
لطائفُ، أم |
يمامٌ، أم |
منامٌ، أم |
هواءٌ ينحني فيه النَّشيدُ |
جسد يثقِّفُ صدرَهُ |
تتلو قصائديَ الأثيمةُ طهرَهُ |
يصحو، ويصحو ما كتبتُ، يعيدُ |
ترتيبَ الجنون، وينتشي قُرْبي، |
فأشهقُ حين شيطان الرّؤى يكتظُّ بي |
ويقول: يا ليت القصيدة مرأةٌ بعرائها |
الفِّضِّي أعبَثُ، |
يستفيض الدّمعُ من شبقٍ وينفطرُ الوريدُ |
يا وجهها النَّائي ألا تدنو بمطلعك البهيِّ؟ |
غداً ستذكُرنا الطّفولة والورود |
فتعال يا شيطانُ راودْني تلبَّسْني، |
سأصعدُ في العراء وبالعراءِ، |
وسوف يُسقطني الصّعودُ |
وأنامُ... لكنّ القصيدة صاحيهْ. |
___________ |
28/3/1992. |