هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هي الأفلاكُ لا شمُّ القبابِ | ولا كالفلكِ تجري في العُبَابِ |
تدورُ بما تدورُ ونحنُ منها | مكانَ الظلِّ من فوقِ الترابِ |
ولو انَّ الورى كانوا عليها | لباتتْ كالسفينةِ في الضبابِ |
ولو أنَّ الملائكَ عاشرتهْ | لكنتَ ترى الحمامةَ كالغرابِ |
ضعيفٌ وهو أقوى من عليها | قويٌّ وهو أضعفُ من ذبابِ |
وليسَ الناسُ أجساماً تراأى | ولكن كلُّ نصلٍ في قرابِ |
تفاوتتِ النفوسُ فربَّ نفسٍ | على فلكٍ ونفسٍ في ثيابِ |
فلا عجباً إذا الإنسانُ أمسى | لدى الإنسانِ كالشيءِ العُجابِ |
فَذُو المالِ اسْتَبَدَّ بكلِّ نفسٍ | وذو الهلمِ استخفَّ وذو الكتابِ |
لدُنْ ركبوا سفينَ الدهرِ ظنواً | بني الدنيا متاعاً للركابِ |
وليسَ المالُ غيرَ العينِ أما | غدتْ سودُ الحوادثِ كالنقابِ |
فلا يفخرْ بصيرٌ عندَ أعمى | فما غيرُ المصابِ سوى المصابِ |
سلوا من ظنَّ أمرَ المالِ سهلاً | أكانَ السهلُ إلا بالصعابِ |
لعمركُ إنما الذهبُ المفدَّى | نفوسٌ لم تعدْ بعدَ الذهابِ |
همُ اكتسبوا لغيرهمُ فأمسى | عليمُ الاكتسابُ بالاكتئابِ |
وصيغَ شبابهم ذهباً أليستْ | على الدينارِ زخرفةُ الشبابِ |
يمنونَ السعادةَ وهيَ منهمْ | منالَ الماءِ في بحرِ السرابِ |
وإنَّ خزانةَ الآمالِ ملأى | لمن تلقاهُ مهزولَ الجرابِ |
ومن يغترَّ بالأقوى يجدهُ | كنصلِ السيفِ يغمدُ في الرقابِ |
متى صاحَ الدجاجُ بثُعلُبانٍ | فليسَ سواهُ من داعٍ مجابِ |
يظنُّ الأغنياءُ الفقرَ ضعفاً | وكم من حيةٍ تحتَ الخرابِ |
ولا يخشونَ ممن جاعَ بأساً | وليسَ أضرَّ من جوعِ الذئابِ |
ألم تكنِ السفينةُ من حديدٍ | فما للماءِ يخرقها بنابِ |
إذا شحتْ على الأمواجِ تعلو | فما بعدَ العلوِّ سوى انقلابِ |
أما للعلمِ سلطانٌ على من | يرى أنَّ الفضائلَ في الخلابِ |
وما ذو العلمِ بينَ الناسِ إلا | كَمَنْ كَبَحَ البهيمةَ لاحتلابِ |
يظلُّ بها يمارسُها شقياً | وحالبُها يمتَّعُ بالوطابِ |
وكم بينَ الطروبِ وذي شجونٍ | إذا أبصرتُ كلاً في اضطرابِ |
أرى العلماءَ إذ يشقونَ فينا | نعيماً كامناً تحتَ العذابِ |
كقطعةِ سكرٍ في كأسِ بنٍ | تذوبُ ليغتدي حلوَ الشرابِ |
ومن أخذَ العلومَ بغيرِ خُلقٍ | فقدْ وجدَ الجمالَ بغيرِ سابي |
وما معنى الخضابُ وأنتَ تدري | بأنَّ العيبَ من تحتِ الخضابِ |
إذا الأخلاقُ بعدَ العلمِ ساءتْ | فكلُّ الجهلِ في فصلٍ وبابِ |
ولولا العلمُ لم تسكنْ نفوسٌ | على غيِّ الحياةِ إلىالصوابِ |
ولولا الدينُ كانتْ كلُّ نفسٍ | كمثلِ الوحشِ تسكنُ للوثابِ |
رأيتُ الدينَ والأرواحَ فينا | كما صحبَ الغريبُ أخا اغترابِ |
فلا روحٌ بلا دينٍ ومن ذا | رأى راحاً تُصَبُّ بلا حبابِ |
ليجحدْ من يشاءُ فربَّ قشرٍ | يكونُ وراءهُ عجبُ اللبابِ |
وللهِ المآبُ فكيف يعمى | أخو الأسفارِ عن طرقِ المآبِ |
وما ظماءي وفي جنبيَّ نهرٌ | تدفقَ بينَ قلبي والحجابِ |