بِفَيض فَضلِكَ يَحيى العلمُ وَالأَدَبُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
بِفَيض فَضلِكَ يَحيى العلمُ وَالأَدَبُ | وَبِإِسمكَ اليَوم أَضحتَ تَفخرُ الكُتُبُ |
فَمِن سَنى فَكرِكَ التَهذيبُ مُنتَشِرٌ | وَمِن ضَيا فَهمِكَ الإِرشادُ مُنسَكِبُ |
يا أَيُّها الكَوكَبُ العالي الَّذي رَقَصت | لَهُ المَعالي وَخَرَّت دونَهُ الشُهُبُ |
ما زالَ يَكسبُ مِنَ الشَرقُ رَونَقَهُ | حَتّى إِنجَلى وَاِنجَلَت عَن وَجهِهِ السُحُبُ |
لَو لَم يَكُن رَشف الأَفراح مِنكَ لَما | أَهدى الصَباح ضَحوكاً وَهُوَ يَلتَهِبُ |
يا صَدر دَولَتِنا الفَرد الَّذي سَطَعَت | أَنوارُ حَكمَتِهِ في الكَونِ تَنسَكِبُ |
أَبصارُنا مَحدقاتٌ فيكَ شاخِصَةٌ | إِلَيكَ تَنظُرُ مَعنى كُلهُ عَجَبُ |
قُلوبَنا بِحِما عَلياكَ لائِذَةٌ | سَلَبتَها فَسرت بِالطَوعِ تَنسَلِبُ |
أَنتَ الأَمينُ عَلى الدُنيا فَكَيفَ غَدَت | بِلُطفِكَ الساحر الأَرواحُ تَنتَهِبُ |
عَلَيكَ آمالُ أَهل الأَرضِ دائِرَةٌ | وَأَنتَ تَحيي رَجاها أَيُّها القُطُبُ |
غَنَّت بِمَدحك اَفواهُ العِبادِ كَما | رَنَّت بِأَوصافِكَ الأَشعارُ وَالخُطبُ |
أَنتَ البَليغُ الَّذي أَلفاظُهُ دُرَرٌ | تَهدى فَتحفظها في جيدِها الحِقَبُ |
لَقَد رَأَيتَ لِلآداب خَير حِماً | تَهدي القَريض فَخاراً مِنكَ يَكتَسِبُ |
فَجئتُ أَهديكَ مِن رَوضاتِهِ ثَمَراً | إِذا نَظَرتَ إِلَيهِ يَحصل الأَرَبُ |
هُوَ الكِتابُ الَّذي قَدَمتهُ سَنَداً | عَلى التَعلُقِ مثل العَهدِ يُكتَتَبُ |
شَرَّفتهُ بِاسمكَ العالي فَكانَ لَهُ | هَذا السَميرُ الأَمينُ الأنَ يَنتَسِبُ |
يَرجو القُبول فَقَد وافى عَلى خَجَلٍ | يَرى المَهابَةَ تَعلوهُ فَيَضطَرِبُ |
ما لِلغُرابِ عَلى الأَطلالِ قَد نَعبا | صُبحاً فَأَحَّجَ في أَحشائِنا اللَهَبا |
نَعى فَقُلنا لَهُ المَوت المُريع تَرى | سَطا فَقالَ نَعَم قَد صالَ وَأَحرَبا |
حَمامَةٌ في رِياضِ الأُنس آمِنَةٌ | أَراعَها ثُمَ شاءَ القَنصَ فَاغِتَصَبا |
لَكِنَّها مانَعَتهُ وَهُوَ مُندَهِشٌ | بِما أَصابَ فَرامَ الحِرصَ فَاِنغَلَبا |
قَد هالَهُ تاجُ نورٍ وَهُوَ مُنَحَدِرٌ | عَلى قَنيصَتِهِ الغَراءِ فَاِضطَربا |
فَاِستَخلَصت مِن يَديهِ وَهِيَ باسِمَةٌ | تَعلو لِرَوضٍ أَنيقِ في العُلى خَصبا |
فَما نَعبتُ عَلَيها أَنَّها سَعدت | لَكن بَكيتُ لِمَن في بُعدِها اِنتَكَبا |
فَتى أَرَقُّ مِن الماءِ الزُلالِ عَلى | قَلبِ الجَريح دَهاهُ البينُ فَالتَهَبا |
غُصنٌ زَها يَسلُبُ الأَلبابِ قَد عَبَثَت | بِزَهرِهِ عاصِفاتُ الدَهر فَاِنسَلَبا |
غُصنٌ عَلى غُصنِهِ المَقصوف مُنَكَسِرٌ | لَذا اِنحَنى في رَبيع العُمرِ مُنتَحِبا |
يُسراهُ أَضحَت عَلى خَديهِ لاطِمَةً | لِأَنَّ يُمناهُ سارَت تَبلغُ الأَرَبا |
لَم يَخلَع الأَمس ثَوبَ الحُزن مُبتَهِجاً | حَتّى تَجدَّدَ في أَحشاهُ مُنتَشِيا |
سارَت اليَفتهُ وَالعُرس مُختَتِمٌ | فَجَدد الرَقص في رَوضاتِهِ طَرَبا |
وَلَم تَتمَّ عَلى أَفراحِهِ سَنةٌ | كَأَنَّها سَنَةٌ وَالعَيش حلم هبا |
حَتّى اِستَفاقَ بَصُبح العُمرِ في ظُلمٍ | كَأَنَّما اللَيل أَضحى لِلصَباح قبا |
يَدعو أَباهُ وَيَشكو سَلبَ دُرَّتِهِ | وَيَستشيط لَما مِن حَظِّهِ نُهِبا |
يَبكي وَطفلَتَهُ تَبكي فَيُرضِعُها | دَمعاً تَهيج لَهُ أَصواتُ مَن نَدَبا |
دَمع الصِبا قَد صَبا لِلصَبِّ مُنهَمِلاً | يَزيد ذا الصَبَّ في أَحزانِهِ وَصَبا |
وَيحي عَلَيهِ فَإِنَّ الدَهر قَلَّبهُ | كَما تَقَلب يُحصي العلم وَالأَدَبا |
رَأَيتَهُ غارِقاً بِالحُزنِ مُحتَرِقاً | حَتّى تَوَهَمَت مِن حالاتِهِ العَجَبا |
أَباً يَتيماً عَريساً أَرمَلاً وَلَهاً | شَيخ الخَطوب صَبياً لِلصِبا غَلبا |
هَذِهِ صِفاتكَ يا خضلي عَرَفتَ بِها | كُل الأُمور بَعَصرٍ عَهدُهُ قَرُبا |
وَفي طِباعك يااِسكَندَر اِنطَبَعَت | رَقائق اللُطف تَنفي الغَيظ وَالغَضَبا |
فَاطفِ اللَهيبَ بِحُلمٍ فيكَ مُنغَرِسٍ | وَاقصر عَناكَ فَلا رَدٌّ لَما ذَهَبا |
قَد هاجَمَتكَ خُطوبُ الدَهر عابِسَةً | فَلا تَكُن لِسُقوط القَلبِ مُنتَسِبا |
أَنتَ الشُجاع شُجاع العَقل في فَطنٍ | تَسطو عَلى الجَهل حَيثُ النور قَد سَكَبا |
مَصائِبُ الدَهر لا تَبقي عَلى أَحَدٍ | وَمِن تَجَلَّدَ في الدُنيا فَما نُكِبا |