هَلِ الدَهرُ إِلّا ذا النَهارِ وَضِدُّهُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هَلِ الدَهرُ إِلّا ذا النَهارِ وَضِدُّهُ | يُعاوِدُ كُلّاً مِنهُما الدَهرُ نَدُّهُ |
يَدورُ فَمِن أَيِّ الجِهاتِ اِبتَدَرَتهُ | وَتابَعَتهُ تَبدا بِهِ وَتَحِدُّهُ |
وَلا خَيرَ في يَومٍ يَمُرُّ عَلى الفَتى | إِذا لَم يَنَل فيهِ ثَناً يَستَجِدُّهُ |
فَلَيسَت حَياةُ المَرءِ إِلّا شَهادَةً | عَلى فَضلِ مَولاهُ فَيَظهَرُ مَجدُهُ |
إِذا كانَ لا يَختارُ تَمجيدُ رَبِّهِ | فَإِنَّ الإِلَهَ اِختارَ ما فيهِ نَكدُهُ |
وَإِلّا فَفي دارِ الفَناءِ ثَناؤُهُ | مَقامٌ وَفي دارِ السَعادَةِ خُلدُهُ |
وَحَيِّ غَداً في ما سِوى الورحِ مَيتاً | لَقَد حَلَّ عِندي حَيثُما حَلَّ وَأدُهُ |
وَمَن كانَ لا يُؤتي الجَماعَةُ نَفعَهُ | فَإِغفالُهُ فيها سَواءُ وَعَدُّهُ |
لَعَمرَكَ لَيسَ العُمرُ في المَرءِ عَيشُهُ | وَلَكِن حَقُّ العُمرِ في المَرءِ حَمدُهُ |
فَأَحجى بِهِ إِجهادٌ ما باتَ فاقِداً | لا حَرازَ شَيءٌ لَيسَ يُحسِنُ فَقدُهُ |
فَيُغنيهِ عَن رَغَدِ المَعيشَةِ شُكرُهُ | وَلَيسَ بِمُغنيهِ عَنِ الحَمدِ رَغدُهُ |
كَذا السَيفُ مَعدومٌ وَقَد غابَ نَصلُهُ | وَلَيسَ بِمَعدومٍ وَغابَ فَرَندُهُ |
وَما الحَمدُ إِلّا الجِدُّ فَهوَ وَراءَهُ | وَما الجِدُّ إِلّا الجَدُّ فَهوَ مَعدُهُ |
وَهَل قيمَةُ الإِنسانِ إِلّا فِعالُهُ | وَهَل قُدرُهُ إِلّا عَناهُ وَجُهدُهُ |
وَلَولا اِشتِغالُ المَرءِ ما ذاعَ ذِكرُهُ | وَلَولا اِشتِعالُ العودِ ما ضاعَ نَدُّهُ |
فَأَجمَلَ مِن خَضبٍ بِكَفِّكَ شُغلُها | وَأَحسَنُ مِن كُحلٍ بِطَرفِكَ سُهدُهُ |
وَأَصلَحُ مِن ذُلٍّ بِنَفسِكَ مَوتُها | إِذا كُنتَ مِمَّن مَورِدُ العِزِّ وَردُهُ |
كَذا فَلتَكن تِلكَ الحَياةُ الَّتي أَرى | وَإِلّا فَكَم سَهلٌ عَلى الحَرِّ لَحدِهِ |
أَوَدُّ بِها خَلقاً كَثيراً وَإِنَّما | أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ ما لا تَوَدُّهُ |
لَقَد آثَرَ المَولى بِنُعماهُ آنِفاً | فَلا غَروَ أَن يُسعِدَ مُحَمَّد عَبدُه |
هُوَ البَدرُ لَكِنَّ المَعالي سَماؤُهُ | هُوَ النَجمُ لَكِنَّ الفَضيلَةَ سَعدُهُ |
هُوَ اللَيثُ لَكِنَّ المَحامِدَ غابُهُ | هُوَ السَيفُ لَكِنَّ المَكارِمَ غَمدُهُ |
هُوَ البَحرُ عَن كُلِّ النَقائِصِ جَزرُهُ | وَلَكِن إِلى كُلِّ الكَمائِلِ مَدُّهُ |
مُحيطٌ بِأَشتاتِ العُلومِ جَميعُها | فَفي أَيِّ عِلمٍ جِئتَ يَقدَحُ زَندُهُ |
مُجَدِّدٌ روحٌ صارَ في وَسطِ نَزعِهِ | وَمُوَضِّحٌ أَمرٌ أَقلَعَ اليَومَ رُشدُهُ |
حَكيمٌ فَلا تُلهيهِ إِلّا جَواهِرُ | غَداً عَبرَةً فيما سِواهُنَّ زُهدُهُ |
لَقَد ظَلَّ سُلطانِ الكَلامِ بِأَسرِهِ | فَاِعلامُهُ الأَقلامُ وَالكُتبُ جُندُهُ |
لَهُ قَلَمٌ يُزري بِكُلِّ مُهَنَّدِ | يَصولُ عَلى العادي بِهِ فَيَقِدُّهُ |
لَهُ في رِهانِ المَكرُماتِ مَآثِرٌ | كَبَت دونَها قَبُّ السِباقِ وَجُردُهُ |
إِلى كُلِّ ما يَسنى الثَناءَ صَباؤُهُ | وَعَن كُلِّ ما يُؤذي الكَرامَةَ صَدُّهُ |
أَيامَن وُرودي في البَيانِ مَعينُهُ | فَأَصبَحَت في مَدحي لَهُ أَستَمِدُّهُ |
تَباهى البَرايا مِصرَ أَنَّكَ نَجلُها | وَيَفخَرُ هَذا العَصرُ أَنَّكَ فَردُهُ |
لَدَيكَ رَقيقُ الشِعرِ يَحلو نَشيدُهُ | وَفيكَ دَقيقُ الفِكرِ يُحسِنُ نَشدُهُ |
وَيَفنى ممَدادَالمَرءِ فيكَ لَدى الثَنا | وَإِن يَكُنِ البَحرُ المُحيطُ يَمُدُّهُ |
وَمِثلُكَ مَن تَبَدّى المَواسِمَ فَضلُهُ | وَفيها مَعَ العَلياءِ يُجَدِّدُ عَهدَهُ |
فَهَنَّأَكَ الأَضحى وَلا زالَ عائِداً | عَلَيكَ سَعيداً دائِماً لَكَ شُكدُهُ |
عَلَيكَ مِنَ المَولى يَصُبُّ سَلامُهُ | وَفي قَلبِكَ الوَقّادُ يَنزِلُ بَردُهُ |