جوعان في القبر بلا غذاء |
عريان في الثلج بلا رداء |
صرخت في الشتاء |
أقضّ يا مطر |
مضاجع العظام و الثلوج و الهباء |
مضاجع الحجر |
و أنبت البذور و لتفتح الزّهر |
و أحرق البيادر العقيم بالبروق |
و فجّر العروق |
و أثقل الشجر |
و جئت يا مطر |
تفجّرت تنثك السماء و الغيوم |
و شقّق الصخر |
و فاض من هباتك الفرات و اعتكر |
و هبّت القبور هزّ موتها و قام |
و صاحت العظام |
تبارك الإله واهب الدّم المطر |
فآه يا مطر |
نودّ لو ننام من جديد |
نودّ لو نموت من جديد |
فنومنا براعم انتباه |
و موتنا يخبّئ الحياة |
نود لو أعادنا الإله |
إلى ضمير غيبة الملبّد العميق |
نود لو سعى بنا الطريق |
إلى الوراء حيث بدؤه البعيد |
من أيقظ العازر من رقاده الطويل |
ليعرف الصباح و الأصيل |
و الصيف و الشتاء |
لكي يجوع أو يحسّ جمرة الصدى |
و يحذر الردى |
و يحسب الدقائق الثّقال و السّراع |
و يمدح الرعاع |
و يسفك الدماء |
من الذي أعادنا أعاد ما نخاف |
من الإله في ربوعنا |
تعيش ناره على شموعنا |
يعيش حقده على دموعنا |
-2- |
أهذا أدونيس هذا الحواء |
و هذا الشحوب و هذا الجفاف |
أهذا أودنيس أين الضياء |
و أين القطاف |
مناجل لا تحصد |
أزاهر لا تعقد |
مزارع سوداء من غير ماء |
أهذا انتظار السنين الطويلة |
أهذا صراخ الرجولة |
أهذا أنين النساء |
أودنيس يا لاندحار البطولة |
لقد حطم الموت فيك الرجاء |
و أقبلت بالنظرة الزائغة |
و بالقبضة الفارغة |
بقبضة تهدّد |
و منجل لا يحصد |
سوى العظام و الدم |
اليوم و الغد |
متى سيولد |
متى سنولد |
-3- |
الموت في الشوارع |
و العقم في المزارع |
و كل ما نحبّه يموت |
الماء قيّدوه في البيوت |
و ألهث الجداول الجفاف |
هم التتار أقبلوا ففي المدى رعاف |
و شمسنا دم و زادنا دم على الصّحاف |
محمد اليتيم أحرقوه فالمساء |
يضيء من حريقه و فارت الدماء |
من قدميه من يديه من عيونه |
و أحرق الإله في جفونه |
محمّد النبيّ في حراء قيّدوه |
فسمّر النهار حيث سمّروه |
غدا سيصلب المسيح في العراق |
ستأكل الكلاب من دم البراق |
-4- |
يا أيها الربيع |
يا أيها الربيع ما الذي دهاك |
جئت بلا مطر |
جئت بلا زهر |
جئت بلا ثمر |
و كان منتهاك مثل مبتداك |
يلفه النجيع |
و أقبل الصيف علينا أسود الغيوم |
نهاره هموم |
و ليله نسهر فيه نحسب النجوم |
حتى إذا السنابل |
نضجن للحصاد |
و غنت المناجل |
و غطت البيادر الوهاد |
خيّل للجياع أنّ ربّة الزّهر |
عشتار قد أعادت الأسير للبشر |
و كللت جبينه الغضير بالثمر |
خيّل للجياع أنّ كاهل المسيح |
أزاح عن مدفنه الحجر |
فسار يبعث الحياة في الضّريح |
و يبرئ الأبرص أو يجدّد البصر |
من الذي أطلق من عقالها الذئاب |
من الذي سقى من السّراب |
و خبأ الوباء في المطر |
الموت في البيوت يولد |
يولد قابيل لكي ينتزع الحياة |
من رحم الأرض و من منابع المياه |
فيظلم الغد |
و تجهض النساء في المجازر |
و يرقص اللهيب في البيادر |
و يهلك المسيح قبل العازر |
دعوه يرقد |
دعوه فالمسيح ما دعاه |
ما تبتغون لحمه المقدّد |
يباع في مدينة الخطاة |
مدينة الحبال و الدماء و الخمور |
مدينة الرصاص و الصخور |
أمس أزيح من مداها فارس النّحاس |
أمس أزيح فارس الحجر |
فران في سمائها النعاس |
و رنق الضجر |
و جال في الدروب فارس من البشر |
يقتل النساء |
و يصبغ المهود بالدماء |
و يلعن القضاء و القدر |
-5- |
كأن بابل القديمة المسوّرة |
تعود من جديد |
قبابها الطوال من حديد |
يدق فيها جرس كأنّ مقبرة |
تئن فيه و السماء ساح مجزرة |
جنانها المعلقات زرعها الرؤوس |
تجرها قواطع الفؤوس |
و تنقر الغربان من عيونها |
و تغرب الشموس |
وراء شعرها الخصيب في غصونها |
أهذه مدينتي ؟ أهذه الطلول |
خطّ عليها عاشت الحياة |
من دم قتلاها فلا إله |
فيها و لا ماء و لا حقول |
أهذه مدينتي ؟ خناجر التتر |
تغمد فوق بابها و تلهث الفلاة |
حول دروبها و لا تزورها القمر |
أهذه مدينتي أهذه الحفر |
و هذه العظام |
يطلّ من بيوتها الظلام |
و تصبغ الدماء بالقتام |
لكي تضيع لا يراها قاطع الأثر |
أهذه مدينتي جريحة القباب |
فيها يهوذا أحمر الثياب |
يسلّط الكلاب |
على مهود إخوتي الصغار و البيوت |
تأكل من لحومهم و في القرى تموت |
عشتار عطشى ليس في جبينها زهر |
و في يديها سلة ثمارها حجر |
ترجم كل زوجة به و للنخيل |
في شطّها عويل |