النبع المسحور
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بردك فوق الخصر جار الرؤى | فخلفه تطفر جنّيّتان |
شيطانتان اصطفتا جنّة | قد تؤنس الجنّة شيطانتان |
دارت على الظمأى حميّاهما | فاللهو في الجنّة طلق العنان |
يدنيهما الشوق و لم تدنوا | فهل هما نهدان أم نجمتان |
تموج ألحان الصبا فيهما | كأنّما نهداك أغرودتان |
عشّان لا للطّير بل للهوى | عشّان ، بل للمسك قاروتان |
عندي طيوب لك أعددتها | عطر لباناتي و عطر البيان |
رشّا على حسنك ريّاهما | فهل درى عطراي ما يفعلان |
حسنك عطر العطر في جنّتي | على غناها و لبان اللبان |
فاغدي على الرمل و روحي يضع | ورد و يفرش طيبه أقحوان |
عيناك بحر حين أغفى انحنت | فلملمت أحلامه الضفّتان |
تغفو بعينيك طيوف المنى | عيناك للأشواق أرجوحتان |
قلبي و قرطاك حليفا ضنى | ألم يئن أن يتعب الخافقان |
و خصلتان ارتاحتا في يدي | من الدجى المخمور مسكوبتان |
شذاهما باق و إن غابتا | كأنّما فرعاك ريحانتان |
تغامزين البدر في موعد | فغرت لمّا التقت الغمزتان |
ينمنم الأحلام فضّيّة | و تنسج الشمس لك الأرجوان |
و ملكك البدر و شمس الضحى | و ما يصوغان و ما يغزلان |
قد باح جفناك بسرّ الدجى | جفناك من سرّ الدجى مترعان |
تضحك عيناك و إن جدّتا | لا سحر في عينين لا تضحكان |
تنطق عيناك و لم تنطقي | و قد تطيلان و قد توجزان |
و لم تضيقا بمعاني الهوى | ألا تلومان ألا تتعبان |
*** | |
رشيقة الأحزان و القدّ . هل | ينبت في جمر الغضا غصن بان |
نزلت قلبي سدرة المنتهى | ما أرز لبنان و ما الغوطتان |
و بيننا قربى الشذى للشذى | ألحسن و الشعر رضيعا لبان |
ترشف من نهديك إغفاءتي | كأسين قد أترعتا بنت حان |
طافت بك الكأس فرنّحتها | و جنّ لمّا شمّك الزعفران |
نبع الصبا المسحور يشتفّه | قلبي و السمراء و الفرقدان |
نشتفّه حتّى ثمّالاته | فنحن لا نفنى و يفنى الزمان |
نشتفّه حتّى يعود الصبا | و اللّمّة السوداء و العنفوان |
و بيننا في ربوة سمحة | حلو السفوح الخضر ، حلو الرعان |
و غابة يغفو الضحى عندها | و شمسها تغرب قبل الأوان |
قبورنا فيها بلا وحشة | يؤنسها في الوحدة السنديان |
و قبّة تحرس كنز الدجى | كأنّها في الغابة الديدبان |
و النبع و القبّة في هدأة | يسرع دهر و هما وانيان |
ما هزّت الدنيا أناتيهما | فتغرب الدنيا و لا يدهشان |
و لوّحت من بعض أفيائنا | كفّان بالحنّاء مخضوبتان |
حضنت في السمراء دنيا المنى | حين التقينا كبّر العالمان |
جزنا حدودو الكون ، لا مشرقان | في جلوة النّور ، و لا مغربان |
جزنا حدود الكون ، حتّى التقى | كلّ مغيب عندنا بالعيان |
و عاد للأنجم ما ضاع من | أضوائها و اعتنق الأزهران |
و اختصر الدنيا شذا مسكر | أو لهفة عذراء أو قبلتان |
بحت بأسراري فعبّوا الشذى | فضّت عن الراح العتيق الدنان |
نا غاب عن أعراسنا أهلنا | ألشمس و الأنجم في المهرجان |
و الناس لا تعرف أحزاننا | يرثى لنا الشوق و يبكي الحنان |
يرفعني الموج . إلى شاهق | و حطّني .. لا تهدأ الكفّتان |
زلزلت الأمواج زلزالها | و احتضنتها دجنة من دخان |
قد رجّها العاصف حتى طغى | لؤلؤها – طوع يدي و الجمان |
و محنة طالت و أكرمتها | بالصبر حتّى ملّ دهر فلان |
لا يقنط الحرّ و لا يشتكي | لكلّ بحر هائج شاطئان |
فتّشت عن خوفي فلم ألفه | كيف أرى الخوف و أنت الأمان |
*** | |
قرّبنا الله ففوق الزمان | نحن مع النور و فوق المكان |
يضوّئ الظلمة إيماننا | و يسكر الفجر رحيق الأذان |
نحن و قلبانا و أسرارنا | شوق إلى الله و أغنيّتان |
أوجهها أم بيته قبلتي | أستغفر الله فلي قبلتان |
نريد جمرا لبخور الهوى | في النار هذا الجمر لا في الجنان |
صلاتنا النور فمن وهجها | شعّ الضحى و أتلق النيّران |
من وردنا الأفلاك تسبيحة | و الصبح و النجمة تكبيرتان |
تغمزني الشمس عناق الهوى | فلفّني من فرعها خصلتان |
وجهي – و لم تخدع أساريره - | و القلب مرآتان مجلوّتان |
كتبت ( بسم الله ) فالطرس من | عدن ( و بسم الله ) حوريّتان |
لم يعنني عسر و لا شدّة | الله و السمراء لي المستعان |
عرّيت فقري عند بابيهما | و تعذّب الشكوى و يحلو الهوان |