أرشيف الشعر العربي

على حاجز السفينة

على حاجز السفينة

مدة قراءة القصيدة : 6 دقائق .
حنت على حاجز السّفينه ترنو إلى الرّغو و الزّبد
كأنّها الفتنة السّجينه تمضي بها لجّة الأبد
نبت بها ضجّة المكان يزينها الصّمت و الجلال
و البحر من حولها أغاني و السّحب و الرّيح و الجبال
ساهرة وحدها تطلّ بملتقى النّور و الظّلام
لا تسأم الصّمت أو تملّ تهامس الشّهب و الغمام
تصغي إلى الموج و الرّياح في معزل شاق كلّ عين
كأنّها نجمة الصّباح مطلّة من سحابتين
هفهافة الثّوب في بياض يكاد عن روحها يشفّ
لأيّ ذكرى و أيّ ماض يسري بها خاطر و يهفو
و ما وراء العباب تبغي و أيّ سرّ لها تبدّى
و أيّ لحن إليه تصغي بروحها الحالم استبدّا
عجبت للبحر ما عراه يودّ لو مسّ ناظريها
يتاخم النّجم في علاه و ينثني جاثيا لديها
و هائم في الفضاء صبّ مجنّح لا يبن طيفا
كم ودّ لو – من ضنى و حبّ هوى على صدرها و أغفى
كم بثّ من أنّة و ألقى بهمسة ضائع صداها
يا ويحه لا يحير نطقا فكيف تلقي له انتباها
أنفاسه عن جواه تغني عليلة خفقها اضطراب
كآهة في فم المغنّي جريحة لحنها العذاب
يدنو ، و يرتدّ في حياء يجاذب الثّوب و الشّعر
و كلّما كلّ من عياء أثاره الوجد فاستعر

***

يضمّها راعشا و يمضي مباعدا ، و هو ما ابتعد
كأنّه بالحنين يقضي لبانة الرّوح و الجسد
و القمر الطّالع الصّغير أزاح عن وجهه السّحابا
و قد جرى ضوؤه الغرير يستشرف الأفق و العبابا
المرح العابث الطّروب لمّا دعا بايمه الشّروق
نادت به موجة لعوب إليّ .. يا أيّها المشوق
طال على المنتأى طروقي و طال مسراك في السّماء
فنم على صدري الخفوق و احلم بما شئت من هناء
و انسني وحشة اللّيالي بقبلة منك يا حبيبي
لكنّه مرّ لا يبالي ولجّ في صمته العجيب
مذ أبصرته انثنى و مرّا قالت، و من دمعها مسيل:
لأنت مثل الرّجال طرّا يا أيها الخائن الجميل
و هبتك الغضّ من شبابي سكران من خمر أمسياتي
فأين تمضي على العباب من صوت حبّي و ذكرياتي
أعندها مثل فتنتي أم أنّني افترى عليها
إذهب إليها و دع ذمامي فديتك، اسلم على التنائي
إذبح على صدرها غرامي و املأ لها الكأس من شقائي
واله مع الغيد و العذارى وغنّ بالكأس و الوتر
و انقع من الغلّة الأوارا و اقطف من اللّذة الثّمر
أبوك ، و الطّبع لا يحول ، ورثته خلقة و خلقا
يا أيّها القلّب الملول من قبضتي لن تنال عتقا
مطارد أنت باشتياقي ما جبت أرضا و جزت بحرا
مقيّد أنت في وثاقي و إن رأتك العيون حرّا
لأنت مهما كبرت طفلي يا ابن الهوى البكر و الألم
خطاك مسبوقة بظلّي و إن تعلقّت بالقمم
سأحفظ العهد منك دوما و أقطع العمر في انتظارك
و سوف تأوى إليّ يوما تبكي ، و أبكي إلى جوارك
ضراعة من عذاب أنثى مشت على المائج الغضوب
صغا لها اللّيل و استحثّا سواكن الرّيح للهبوب
و حدّقت في الدّجى نجوم غيري ، تغامزن بالخبر
و غمغمت نجمة رؤوم أما يرى ضوءه القمر ! ؟
أما يرى ذلك الصّبيّا يؤلب البحر و الظّلاما ؟
فيا له فاتنا خليّا يزور العشق و الغراما !
كم ليلة الف ليله لم تروها عنه شهر زاد
و كم عناق له و قلبه في كذبة لفظها معاد
فاستوعب الضّوء ملء حسّه مفاتن النّاس و الطّبيعه
مردّدا في قرار نفسه ما أبشع الغيرة الوضيعه
و ارتعش الضّوء ثم اضفى من حوله الصّفو و السّكينه
و ابتسمت نفسه فألفى خطاه في جانب السّفينه
فراعه ذلك الجمال جمالها الصّامت الحزين
فشاقه الشّعر و الخيال و هزّه الوجد و الحنين
فقال: يا روعة المساء وفتنة اللّبّ و البصر
قد آذن اللّيل بانقضاء وأنت موصولى السّهر
أيتّها الملكة الكسيره أيّتها الرّبة الخجوله
أيّتها الطّفلة الكبيره لن تبرحي عالم الطّفوله !
أعلم ما تكتمين عنّي و إن تلثذمت بالخفاء
خمس ليال و أنت منّي متبوعة الظّلّ باشتهائي
قد كنت أزهى بما عرفت من فتن الحسن و الدّلال
لكنّني اللّيلة اكتشفت أروع ما شمت من جمال

عشقت فيك الهوى و دلّه – في زهوة الحسن و الشّباب

و ذلك الصّمت ، ما أجلّه في عالم اللّغو و الكذاب
هاربة انت يا فتاتي من ثورة الشكّ و الرّيب
هربت من ضجّة الحياة فكيف من نفسك الهرب !
بها ابدئي أولا فسلّي وردك من شوكه الأثيم
لا البعد يجدي و لا التّسلي كطعنك الغدر في الصّميم
هنية لم يطل مداها تروع بالصّمت و الشّحوب
لم يبلغ اللّيل منتهاها إلاّ على روعة المغيب
و التفت الضةء للوداع يهمس في رقّة و وجد
يا ربّة الحسن لا تراعي فلترعك الكائنات بعدي
يا ليل ، يا موج ، يا رياح أيّتها السّحب و الظّلال
أيّتها الغور و البطاح أيتها الشّهب و الجبال
في الجوّ في الماء ، في الثّرى صوني لها العهد و الوداد
ردّي على عينها الكرى و أبعدي الفكر و السّهادا
و أنقذيها من الجوى يا عاشقاتي على الزّمان
بكلّ ما فيك من قوى و كلّ ما فيّ من حنان !!

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (علي محمود طه) .

عودة المحارب ..

الفن الشهيد

من الأعماق

عاشقة

حافظ ابراهيم


فهرس موضوعات القرآن