صخرة الملتقى
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
صخرة لا تجل في الكائنات | غشيها جلالة الآبدات |
جاورتها الصحراء تستشرف اليمّ | و قرّ المحيط جنب الفلاوة |
أبديّان قد أفاءا إليها | لم تجمّعها يد الحادثات |
و جدا الملتقى عليها فقرّا | بعد آباد فرقة و شتات |
ليلة غوّرت بها الأنجم الزهـ | ـر و أضفت سوادف الظّلمات |
لو تلفّتّ في دجاها لراعتـ | ـك خوالي الأبراج و الهالات |
و كأنّ الزّمان خالجه الرّو | ع ولجّ الوجود في الشّبهات |
و كأنّ الوجود لم يحو إلاّ | ذلك الصّخر رائع الجنبات |
عقدة الإتّصال بين جلاليـ | ـن أجدّا به وثيق الصّلات |
برزخ تعبر اللّيالي عليه | بين عبرين من بلى و حياة |
ركزتها الآباد بينهما رمـ | ـزا على صولة الدّهور العواتي |
فأقامت تسر للفقر و اليمّ | أحاديث أعصر خاليات |
و احتوت سرّ كائنين كأن لم | يبعثا سيرة مع الكائنات |
و كشفت لي الصّحراء من دوّها الوا | سع ما لا تحدّه نظراتي |
و بساطا من الرّمال تراءى | ككتاب مموّه الصّفحات |
هو مهد السّحر الخفيّ و مثوى | ما تجنّ الصّحراء من معجزات |
ربّ ليل مكوكب خطرت فيـ | ـه الدّراري و ضيئة القسمات |
و رمى البدر بالأشعّة تبدو | فوق وجه الرّمال منعكسات |
و سرت نسمة من اللّيل حيرى | و غناء الصّوادح الطّائرات |
فإذا اللّيل روعة و جلال | و إذا القفر غرق في سبات |
غير ذاك الغريب في تيهه النّا | ئي كئيب الفؤاد و النّظرات |
أرّقته صبابة حملتها | نفسه من ربوعه النّائيات |
قد شجاه هوى اقتحام الصّحارى | و الصّحارى مثارة الصّبوات |
ربّ ناء مدّت إليه هواها | فهوى في شراكها القاتلات |
يقطع الدّو باردات اللّيالي | و يجوب الحزون ملتهبات |
قتلته سمومها و براه | ظمأ من عيونها المجدبات |
حرمته الصّحراء ظلاّ و ريفا | في حواشي واحاتها النّضرات |
فسل القفر هل له فيه قبر | ضمّ من جسمه نحيل رفات؟ |
أترى غير أعظم نخرات | في ثنايا الرّمال منتثرات؟ |
*** | |
صحراء الحياة كم همت فيها | شارد الفكر تائه الخطوات |
سرت فيها وحدي و قد حطم المقـ | ـدار في جنح ليلها مشكاتي |
و لكم أرمد الهجير جفوني | و رمتني الحرور باللّفحات |
لم أجد لي في واحة العيش ظلاّ | أو غدير يبلّ حرّ لهاتي |
أسفا للحياة أصلى لظاها | و أراها و ريفة العذبات |
بعدت عني الحقيقة فيها | و أضلّت مسعاي للغايات |
كلّما هاجت الرّياح صراخي | هدّجت في هزيمها صرخاتي |
غير ذاك الصّخر العتيد الذي ضجّ | عليه العباب من أنّاتي |
ظلّلتني ذراه منفرد النّفـ | ـس أبثّ المحيط حرّ شكاتي |
*** | |
أنا فوق المحيط كالطّائر التّا | ئه يعلو موائج اللجّات |
ناشرا فوق عرضه من جنا | حيّ ظلال الهموم و الحسرات |
ممعنا في سمائه أتغّنى | بنشي الخلود من صدحاتي |
للإله العظيم من لجّه السّا | كن أتلو الجميل من صلواتي |
و أناجيه طائرا رفّ في اللّيل | يغنّي خمائل الجنّات |
*** | |
صخرة الملتقى أتيتك بعد الأ | ين أشكو من الحياة أذاتي |
أنا ذاك الشادي الذي نسلت ريـ | ـش جناحيه هبّة العاصفات |
أنا ذاك الشّريد في صحراء الـ | ـعيش ضلّ السّبيل في الفلوات |
في ثراها الغبيّ و سّدت أحلا | مي و ماضي الهنيّ من أوقاتي |
أنا قيثارة جفتها اللّيالي | من زوايا النّسيان و الغفلات |
و أرثّت أوتارها فهي تبكي | من شجاها حبيسة النّغمات |
أنا طيف الماضي على صخره الآ | باد ، أستشرف الزّمان الآتي |
و ورائي الصّحراء وادي المنايا | و أمامي المحيط لجّ الحياة |
بين عبريهما ثوت غرّ أياّ | مي و حال الوضيء من ليلاتي |
لا أسمّيك صخرة الملتقى لـ | ـكن أسّميك صخرة المأساة !! |
*** |