دمعة على الشاعر عبد الحميد الرافعي
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي | جلّ ذاك الهوى عن التقليد |
نعم البلبل الأسير فقد عاد | إلى أفقه الفسيح المديد |
شاعر لا يحدّه الكون ملّت | نفسه ضيق عالم محدود |
و رأت جسمه على كرم العنصر | سجّان كنزها المرصود |
فهي تقسو عليه ، تمعن في الهدم | و تأسى لركنه المهدود |
فإذا هدّها الصراع اطمأنّت | و نجت في خيالها المصفود |
لم يكن موته فراقا و لكن | هذه أوبة الخيال البعيد |
عاد للفن ذلك النغم العذب | و آبت حنّانة التغريد |
و انطوى في شذى الرّبيع و قد | ضمّ فنون العبير عطر الورد |
قوّة من هوى و سحر رمتها | ربّة الشعر في يدي (كوبيد) |
كلّما آذن الفناء تنادت | بوجود يطلّ خلف وجود |
ملهم الشعر من هوى كلّ نفس | و لبنات كلّ قلب عميد : |
يتمت بعدك القوافي و ضجّت | باكيات بيومك المشهود |
بعض نجواك للمشيب و إن | نزّهت نجواك عن أذى و حقود |
يجمع الدّهر من غدائر بيض | حين يسطو و من غدائر سود |
و لعلّ الردى أحنّ على الشعر | و أحنى على الصّريع الشهيد |
*** | |
رزئ الشعر فيك عبد الحميد | عبقري القديم عذب الجديد |
غزل يسكر النفوس و يدني | ما نأى من خيالها المنشود |
و أغان تعيد حبّا و عطرا | ما روته العصور عن داوود |
فترشّف منهنّ خمر ثغور | و تنشّق فيهنّ عطر خدود |
من قواف كأنّها بسمات | حاليات على شفاه اللغيد |
قيّدت بالرويّ بعد انطلاق | نزوات الحنين و التّغريد |
كلّما ردّد المغنّون رقّت | و هفا السامعون للترديد |
و أطلّت منها فتون ثغور | و لبانات أعين و نهود |
و جراحات كلّ قلب ظمئ | و ابتسامات كلّ ثغر برود |
و المنى العاريات ألهبها | الشوق فجنّت و لوّحت بالبرود |
و حنت تنشد الخلود ليغفو | بين أحضانها إله الخلود |
عمر في القصيد من آل نعم | و سليمان قبله في النشيد |
و المحبّون بسمة عند ثغر | يتملّى و معصم عند جيد |
طال عهدي بالشعر إلاّ لماما | زورة الطيف بعد طول الصدود |
و أنا شاعر الشباب و عندي | ما يشاؤون من منى و قصيد |
لم أخن عهدهم فحبّي على ما | ألفوه و ذمّتي و عهودي |
و الميامين آل جفنة و التّاج | عليهم أبوّتي و جدودي |
لا تغرّنك ضحكة من حزين | ضحكات البروق سرّ الرّعود |
*** | |
حبّذا عهدنا على الغوطة الخضراء | و الحسن دائم التجديد |
و ليال لنا على الرّبوة المئناف | سكرى نعيمها الموعود |
نتهادى على عيون الأقاحي | و نعفو على شفاه الورود |
أنشد الشعر و الشباب سكارى | من معيد منهم و من مستزيد |
لا أبالي و قد قسوت على الظالم | عسف الدجى و عضّ الحديد |
و لئن نالني الشباب بلوم | فبنعمى الشباب أورق عودي |