أرشيف الشعر العربي

البلبل الغريب

البلبل الغريب

مدة قراءة القصيدة : 10 دقائق .
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا كفرت به حتّى يشوق و يعذبا
و لا تحرميني جذوة بعد جذوة فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا
و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا
هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا
و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي على سرّه المكنون أن يتسرّبا
مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا
و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري لآلامه ما كان أقسى و أغربا
و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه و يرمقها نشوان هيمان معجبا
فما الحزن إلاّ كالجمال ، أحبّه و أترفه ، ما كان أنأى و أصعبا
خيالك يا سمراء ، مرّ بغربتي فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا
جلاك لعيني مقلتين و ناهدا و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا
فصانك حبّي في الخيال كرامة و همّ بما يهواه لكن تهيّبا
و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا
أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى وحدت و لكن لم أجد منه مهربا
سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة فيالك من طيف أراح و أتعبا
و خالط أجفاني على السّهد و الكرى فكان إلى عيني من الجفن أقربا
شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبا
و ناولني من أرز لبنان نفحة فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا
و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا
و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا
وسيما من الأطفال لولاه لم أخف _ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا
تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى ليختار منها المترفات و يلعبا
و عندي كنوز من حنان و رحمة نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا
يجور و بعض الجور حلو محبّب و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا
و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا
و إن ناله سقم تمنّيت أنّني فداء له كنت السقيم المعذّبا
و يوجز فيما يشتهي و كأنّه بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا
يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا
كزغب القطا لو أنّه راح صاديا سكبت له عيني و قلبي ليشربا
و أوثر أن يروى و يشبع ناعما و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا
و ألثم في داج من الخطب ثغره فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا
ينام على أشواف قلبي بمهده حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا
و أسدل أجفاني غطاء يظلّه و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا
و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا و أرغب تحنانا عليه و أرهبا
فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا
تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه زمان فراخى من جماح و أصحبا
تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا فدلّلته جدّا و أرضيته أبا
و تخفق في قلبي قلوب عديدة لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا

***

و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها أفض بركات السلم شرقا و مغربا
و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن كفورا و أحببه و إن كان مذنبا
و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا
و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا
و هيّئ له في كلّ قلب صبابة و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا
و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ رددت محيل القلب ريّان مخصبا

***

و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا
صليب على غمز الخطوب و عسفها و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا
و لي صاحب أعقيته من موّدتي و ما كان مجنون الغرور ليصحبا
غريبان لكنّي وفي و ما وفى و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا
و با ربّ هذي مهجتي و جراحها سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا
فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا
و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا
و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا

***

و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا
ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة و أشرف من عليائه و ترقّبا
فأرخيت آلاف الستور كأنّني أمدّ على حال من النّور غيهبا
فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا
و قد تبهر الأحزان و هي سوافر و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا

***

و يا ربّ : درب الحياة سلكته و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا
و لي وطن أكبرته عن ملامة و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا
و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا
تنكّر لي عند المشيب _ و لا قلى _ فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا
و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا
و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا
يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا
و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا
و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا
و أعشق برق الشام إن كان ممطرا حنونا بسقياه و إن كان خلّبا
و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا سنابله نشوى و أهواه مجدبا
مآرب لي في الرّبوتين و دمّر فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا

***

سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا
و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا
و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه على القبر من قلبي أريق و ذوّبا
و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا
و نضّر في حوران سهلا و شاهقا و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا
و جلجل في أرض الجزيرة صيّب يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا
سحائب من شرق و غرب يلمّها من الريح راع أهوج العنف مفضبا
له البرق سوط لا تندّ غمامة لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا
يؤلفها حينا و تطفر جفّلا و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا
أنخن على طول السماء و عرضها يزاحم منها المنكب الضخم منكبا
فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا
تبرّج للصحراء قبل انسكابه فلو كان للصحراء ريق تحلّبا
و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا
و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا و أن تتملاّه و أن تترقّبا
كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا
و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها إليه انثنى عن دربها و تجنّبا
تعدّ ليالي هجره و سجيّة بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا
و يبده بالسقيا على غير موعد فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا
كذلك لطف الله في كلّ محنة و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا
إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت لتحسد من أترابها أو لتخطبا

***

و مرّت على سمر الخيام غمامة تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا
نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا
حبت كلّ ذي روح كريم عطائها فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا
و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا
و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا
عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا
و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها سماء و أغناها و رشّ و كوكبا
و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا لترضع حملانا جياعا و تحلبا
و حرّك في البيد الحياة و سرّها فما هامد في البيد إلا توثّبا
و لا عب في حال من الرّمل ربربا و ضاحك في غال من الوشي ربربا
و جمّع ألوان الضياء و رشّها فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا
و أخضر بين الأيك و البحر حائرا و أبيض بالوهج السماوي مشربا
و لونا من السّمراء صيغت فتونه بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا
أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى
ألمّ بكفي النجوم و أنتقي مزرّرها في باقتي و المعصّبا
دياري و أهلي بارك الله فيهما و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا
و أقسم أنّي ما سألت بحبّها جزاء و لا أغليت جاها و منصبا
و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا

***

تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا
و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا
تحمّل جرحا داميا في فؤاده و غنّى على نأي فأشجى و أطربا

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (بدوي الجبل) .

أخا الجلّى ..

إيه حكيم الدّهر

تحية فيصل الصغير

شقراء

الدمية المحطّمة


ساهم - قرآن ١