أرشيف الشعر العربي

المكابدات

المكابدات

مدة قراءة القصيدة : 33 دقائق .

1

ذاهب لترجمة الليــل

2

هل النص شهوة اللغة ،

هل المعنى شكل يفيض بالأبجدية .

3

من أنت ، من أنت ،

تبكي على أمة ،

أم تـراها ستبكي عليك.

غطيت شعباً بمرثية الماء ،

صحراؤك محزومة بالملوك ،

فمن أنت ،

حتى تسمي سماءاً بعينين مذعورتين

و تمدح أعداءنا بالسكوت.

يا أنت ، من أنت.

4

يتكاسر حوله الكلام

يتحشد مثل كتائب القتال،

يتأسس و يحاذي ،

يوازي و ينزاح ،

يتجاوز و يخرج ،

يصير المتن هامشاً له والحاشية شهوة النار .

لكنه لا يكترث ولا يهتم ،

مؤمناً أنـه النص .

5

أكتـبنا بهذا الشكل،

كي نبكي بشكل شاهق ،

و امنح قصيدتك الهواء

مغامراً بنشيجك المشحون ،

و ادفعنا معاً .. نبكي معك.

اكتب كما يملي هواك

تكون قنديلاً لنا بجنونك الأخاذ

خذنا في ظلام النص

للنص الذي لا ينتهي بالنوم

أكتب،

سيد شكل الذي لا ينحني للشكل .

6

ليل ،

كما لو أنه الليل كله .

7

ليس هذا صريخ الجسد ،

لكنه جنون الجثمان

وهذيان الروح .

8

وقف في حضرة القصب ،

وحوله طغاة مدججون بذخيرة القتل،

فأخرج نارةً من زنده

يكتب بها دفاتر التعب

و يقرأ الحقل .

9

قرأت دمي ،

مثلما يقرأ الليل وجه قاسم .

10

جسد ينتهي كلما اشتهى ،

ويبدأ حين يعلن الآخرون هدنةً بين موتين.

جسد اختبرته الجسور وامتحنه الحب ،

أجلته لأجلك ،

بذريعة المخطوطات،

و ها هو يدخل الحروب

كأن الأبجدية لم تعد تكفي.

11

سلام عليك يا حارس النبيذ،

تؤرخ لنا العنب وتـنساه،

وتبذل الترنح لأجسادنا ،

وعندما تشتعل السهرة

ويوشك زيت قنديلنا على النفاد ،

تسكب نبيذك الكثيف في القوارير،

بلا ترفق،

فيقوم اللهب من النوم ،

ويتصاعد الوهج معلناً هزيمة الليل .

12

وحيد في مكان بعيد،

أمتحن جاذبية الروح بكيمياء الجسد.

يأتي صوت ينقض الفيزياء بالولع،

مثل طفل يبتكر حلما

ويذهب فيه .

13

كأننا في جنـة الكتب ، نقرأ كلامها :

" في القيامة، عندما تجتازون الموت الأول، تفتح أمامكم أبواب الموت الثاني،

فكل من ارتكب خطيئة المكابرة في حضرة الحب، أو معصية الجسد في ليل الشهوة، تجوز عليه شهادة الغائب، ويكون عليه أن ينال فهرس العذاب

كانت تقول ،

ونحن نتوارى في أجساد مرتعشة، أرواحنا تكاد أن تذهب ،

كمن يسمع شيئاً

ويرى سواه.

14

المخفي... يخيف .

15

ثلة من الكهنة ينالون مثل كراكي الموعظة، ينامون ويتركون الفتنة في يقظة الجسد. أرديتهم تتأرجح لتطفئ ذبالات الشموع المرصوفة على حواف الطريق،

والجسد يتخبط في ظلامه،

لا يهجع ولا ينام.

16

كهنة يذرعون الممشى ويعبرون ليل الجسد.

موغلون في بهجة الناس.

يغمرون الأفئدة بالوهم كأنه الحلم.

لا الجسد يسمع ولا الناس.

وما إن تستلقي في مكان، متظاهراً بالغياب،

حتى يباغتونك بحضورهم الداهم،

يفتحون الكتاب ويشرعون في شرح النص.

تحت آباطهم بصيرة الملحدين

وذرائع الموغلين في الشك .

17

مشيت في قتلة يمرحون،

يحصون قرابينهم في رماد الليل،

يمدحون الله ويهجون خطيئة البشر.

بعضهم يفك الأبجدية ويتهجى الأسماء،

مثل ندوب في جثة تبطش بالناس.

بعضهم يضع الرقم وقرينه.

بعضهم يؤيد القتلى ليشجب الموت.

بعضهم موغل في غفلته الفادحة.

18

ناس الغابات

يعيثون فساداً في البيت .

19

رأيت قاسما

يدخر القتل لأسمائـه ،

رأيته ،

كأنما الكلام من مائـه.

قرأت تاريخا ، تـهجيتـه ،

مثل بكاء البيت في آلــه .

20

حين يسأم الناس مجد الجوع ،

يتفاقم مرح القتلة، فيبدأون في اقتسام الأوهام :

نصر هنا ، هزيمة هناك.

غنائم تتعثر بها أجساد مصابة بالجزع ومؤآمرات الخذلان.

يذهب في بكاء مكبوت،

ولا أحد يلتفت لشخص يفقد تاجه في بسالة الفرسان

ويعود مأخوذا كأنه لم يكن في مكان .

21

قال لهم :

"بيني وبين الغابة مسافة

بيني وبين الأسلحة مسافة

بيني وبين القطيع مسافة ،

وبيني وبين الله نص مكتوب

لا يخرج عنه ولا أخرج عليه"

وكانوا يسمعون ،

وكانوا يـرون .

22

الشمس وحدها ،

تستطيع أن تقلد شمساً مثلها .

23

أمـا أنت ،

فلك أن تحاولي تقليد النوم،

فيما تفقدين شهية المساء،

تنتابك رعشة المباغتة،

وأنت ترين الكائنات مبهورةً

تهرب إلى أحلامنا .

24

يظفر بك الملك

وتأخذك الطبيعة قهوة لسهرة الأسرى.

تتوهجين في غابة تحرس سريري وترصد أحلامي ،

مثل شمس تفضح الثلج.

25

أيتها الجنية ذات الوبر،

تلذ لك أكثر العروق توتراً وغروراً لاختباره،

فيما يلامس كنزك المكنون،

متصاعداً في شهيق الكبت.

لماذا تجلسين هناك في عرش المكابرة

وتتركين شخصاً هملاً في العشق،

ترتعد فرائصه كلما تذكـر مليكةً

تكنز فضتها في قصعة الجسد،

وتلهو بالذهب منهمراً تحت شرفتها.

26

هذا جسد ينتحب إليك ،

و روح تتفصد مثل ندم نافر،

وأنت في عفة الإسطرلاب،

تسألينه عن الطقس بروح ضائعة

وجسد يكاد أن يذهب.

27

لهن مجامر هناك،

ما عليك إلا أن تدس حديدتك الباردة

لكي تـنال السفود.

28

قلت له في تاسوع النص :

أجل جسدك لليل آخر ،

أجله ،

لئلا تصاب بالمراثي .

وكان قد حمل جسده وذهب في مديح فادح،

لم يكن يسمع ،

فللجسد سلطة على الشخص ذاهباً في حسرات الروح ،

كمن يلبس قميصاً ويضع الريشة في العروة

ويبالغ في التيه،

مثل كتيبة الفرسان،

تذهب إلى المبارزة بثقة القتل ،

وتؤثث الطريق لئلا تفقد أثر التيه.

29

قيل إنها مليكة من الجن

متماهية في قميص البشر.

تخلع طبيعتها مثلما ترفع العباءة عن الرأس

ليخرج الجسد من ليله.

30

قيل له :

لقد غرر بك أيها الذئب الوحيد.

فثمة من يلهو بكتابك، يضع لك الملح في الجرح

ويؤرجح بين الوهم والحلم .

قيل له :

لملم شظاياك وارجع إلى نفسك،

زين وجرك بوثير الوحشة وترف العزلة.

قيل له :

إرجع إلى قلب الكهف ، أرأف بك من وهم الحب .

قيل له :

إرجع إليك ،

تطمئن بأن أحداً لن يفسد عليك نفسك .

هناك .. حيث أنت وحدك ،

إرجع،

حلم مستحيل أكثر رأفة

من شبح مستفحل .

31

سماه جسدا

وبذله لمشارط النطاسين ،

لا يحيا ،

ولم يقدر عليه موت ، ولم يكن حكيما .

32

وحده في ليل النص ،

تتقاطر حوله مخلوقات ترفل في هودج اللغة.

يبتكر أحجارا كريمة ،

يصقلها نحاة يسهرون على كلام الجسد .

33

رأيت فيك الجنة الخفية

رأيت، مثل الماء في قميصك ،

مليكةً ترأف بالرعاة

كي تفتك بالرعية.

34

جنة الزجاج ،

جنـة أن تسكن خارجها .

35

أنظري كيف يطفر النحيب من جسدي مثل الحمم المذعورة،

فلتكن لديك البسالة والحكمة،

لكي تصدقي أن للشخص يوماً يموت فيه بهدوء العشب،

وهو يفصد الطين بغموض المصادفات،

فلا يتاح لك الوقت لترى أين يكمن الحب ،

في الحياة أم في الموت.

36

سيكون لطفلك أطفال ينحتون إسماً للجسد

ويصقلونه بالمعادن، جسد لا يهرم ولا يشيخ .

يصاب فجأة بالعطب ويمرض ويهلك،

وتظل الروح نشيطة في هيكل يئن.

وحين يموت،

تسمع لتصاعد روحه وقعاً

يشبه تقصف الذهب تحت حوافر الوقت.

فاعلم أن لطفلك أطفالاً يأتون من الكتب ،

و إلى الكتب يذهبون .

37

طفل متروك في البيت، تجرحت حنجرته ولم يسمعه أحد.

غيمة تطل عليه من النافذة. كف عن البكاء وطفق يرتب الوسائد للنوم، ليل نازل والأحلام في انتظاره، يجدل من حرير الستائر طريق الأعماق القصية. الليل نازل والأحلام في انتظاره.

38

غابة أم بشر،

الوجوه التي تأرجح أحداقها في زجاج الفضاء ،

بهجة أم كدر.

39

قيل جسد ،

وقيل إنه تركة أسلاف يطغون حتى منتهى البحر ،

أسلاف ادخروا إرثاً يحبس الدم،

وقيل إنه الحجر القديم،

ينهرون فيه زجاجاً مصقولاً بزفير الناس،

جسد يكتب جسداً

يقرأه جسد آخر .

40

تشهتك أعضائي و اشتهاك دمي

وتهدج بك القلب مثل بكاء الكواكب.

41

تذهب إلى شهوة الناس ويظل وحده،

فيضيع مفقود الجسد، مهدور الروح.

وفي الليل تبدأ الأحلام في العمل،

فتعود وحدها إلى بيت شاغر ،

لتعرف أخيراً أنها لـهـت به وضيعته.

42

يجهش كلما استدارت به المصادفات نحو بيته الأول.

حيث التجربة المشحونة بأخطاء الخلق وطفولة العمل.

يدس يده في عتمة الجسد، كمن يستعيد حياته بالحواس كلها،

لئلا تفلت الصور من عينيه .

هذا شخص يجهش في التجربة مثل خالق يهندس خلقه،

شخص يحتضن أخطاءه ويهدهدها لكي تنام وتحلم .

ثمة أخطاء تحلم مثل الشخص.

43

تلعبين بي كملكة ،

فيما أسأم مجد العبيد .

44

سميتك وردة الندم.

يضعك العاشق في قدح نبيذه وهو في عربة الوقت.

تضعك العاشقة عند وسادتها وهي في هودج الحلم.

يزين بك الفرسان عروة قمصانهم ذاهبين إلى المبارزة ،

و أضعك مكان الروح من جسد الجبان.

45

ثمة نحيب يقرأ فهرس الندم .

وغابة تمنح بكارتها لمن يفضح الشمس

في ليل كامل من العمر .

46

تارةً ممزوجة لي بالزبرجد والزبيب ،

وتارة يبكي على قلبي وحيد الفقد ،

والندماء ينتخبون أقداحاً معي .

أبكي كشخص غائب يمتد من شغف ،

ويرتجل الهواء .

47

جالس هناك،

يفرك حريته ببلور الصحراء، فتستيقظ حواسه كلها ،

وكلما سمع عن عبيد ينالون أحلامهم ،

يشغف بمن يضع يديه على حجر ويشعل به بركان الرفض .

جالس هناك ،

يرى المستقبل ، كما يلمح ضوءاً تحت عقب الليل ،

فيتحصن بنص يخذل الكلام.

48

سيكون عليهم تنظيف التاريخ من الدم

سيكون عليهم غسل كلامهم من الكذب

سيكون عليهم تأنيب القتلى في كفن مستعمل

سيكون عليهم تحرير الصمت من الأحجار

سيكون عليهم أن يعتذروا لبكاء امرأة مكبوت

سيكون عليهم سرد القصة من أولها،

منذ المتن والهامش و الحاشية ،

ويكون لنا حق الدرس .

49

يقف في بهو الكون وحيداً ،

ليس ثمة هواء،

عيناه محتقنتان لفرط الهلع و رئتـه تضطرب،

تكسوه زرقة الليل ،

وكلما حرك حرفاً إنتابته المعاجم وتبادله النحاة.

50

قيل .

فلما احتدمت حالة الاحتقان،

سألت الصخرة صمت الجبل وكادت أن تدفعه في تهلكة الكلام،

ولكنه أحجم واستجم في غيبوبة الكيمياء.

قيل ،

فلم يعبأ الأسلاف بأحفاد يعقون ويجحدون وتستحوذ عليهم شهوة الشمس. فاختلط على القاطن والمسافر مشهد الناس. أحجار تلبس القلانس وحيوانات تتقمص طبيعة البشر، يضطرب لهم ميزان الكتب،

فيجتهد الكسلى بتثاؤب المصدورين،

وتجود قريحتهم بالفاسد من الفتوى

والمعطوب من العقل والعاطل من طبيعة الجسد.

51

يخب في ثوبه قراصنة النوم،

فيسمي لهم الهبات ،

يؤجل يقظتهم، فتستفرد به الأحلام.

أولئك القراصنة المباركون،

نذروا زنودهم لمجدافه المصقول بالموج والملح.

يزعم لهم الاكتراث والتريث،

ويفسد عليهم نعمة المبادرات.

52

لماذا أنت متماهية مع الحلم

لماذا يصح للحلم أن يتحقق و أنت لا

لماذا يصح له أن يرأف بسعاته و أنت لا

لماذا يظل الحلم ماثلاً في طريق يطول،

وأنت تقدرين على إعلان الوهم في الوجه.

دون أن نـقوى على تبرئة الحلم منك .

53

وكلما وضعت يدك على حجر ، انتفض ،

وأخذ طبيعة الطير وشكله.

حجر يمتلك الفضاء ،

تارة في مهارة الريح ،

تارة في رشاقة الهواء

تارة في انحدار الصقر ،

تارة في هدأة اليمام ،

حجر في الفضاء ،

ملك عليه.

54

حجر دربته كبد في النواح.

مثل نجمة سأمت وحشة الليل

رأيتك وأنت في ضراعة الماضي تحت وطأة الغياب

رأيتك، لعلك تأتين في ريشة الريح.

رأيتك، لعلك ترين روحاً مأخوذةً بك وحجراً في بريد الجنون.

فها نحن نجلس في قرفصاء الطريق.

نتصاعد في زفير الحجر، لا الماضي يذهب،

ولا المستقبل يجئ.

55

رأيت النهارات تغفو ،

و الطين تحت العذاب .

أيها الفارس الرخو ،

هدهد لأبنائك المترفين بأشلائهم

علهم يصبرون قليلاً على الموت

باسم الكتاب.

56

لا تشبه أحدا سواك،

فالظلام الهائم في جهامة الحبر وزهر الخشخاش،

متصاعد في بياض ذاهل، أكثر كآبة مما تزعم ،

وحنين القصب ،

بناياته الصقيلة ،

أكثر بسالة من يديك المرهقتين لفرط العمل .

وزرقة النوم الزاخر بالكائنات،

ودهشة الحلم في همل الليل ،

أكثر فصاحة من نصك الأخير.

لا شيء يشبهك .. سواك،

ولا أحد.

57

لم يكن الحوذي غير شبح يذرع الغابة

مؤثثاً مواقع أقدامه بانتظارات فادحة.

يقود عربات الليل، عبر الحانات، نحو أكواخ الساحل ليغوي النساء برجال أصحاء يمنحونهن نسلاً من صغار الطغاة ،

يزخرفون السهرة بملهاة الحكمة، وبغتة يكبرون.

قيل إن الحوذي هو نفسه الحصان، وقيل إنه العربة والحانة والنساء وطغاتهن الصغار. وأحياناً يكون هو الرجل الغريب،

تصادفه الأشباح والساحرات في منعطفات الغابة،

تطير في وجهه حيوانات مجنحة بالمخطوطات،

يتقمصها ويعود في هيئة حوذي،

يزعم الحكمة وبلاغة البوح .

ثمة أخبار بأن الغابة لم تعرف عربةً أو حوذياً

قبل أن يشرع الشاعر في رسم هذا الكتاب.

58

يصغي معها للصمت وقرينه،

يهدي لها أحجاراً نادرة في هيئة المخطوطات ،

وما إن تقرأ الكلمة حتى تطير مثل شهوة الليل ،

تباغتها نار فاضحة .

59

هواء نادر،

تصطاده بشفتيك وحنجرتك،

شحن به غرف الصدر وشرفة الروح،

لكي تهمس الكلمة.

قليل ويكفيك.

تزرق أحداقك بعتمة الصمت لكنك ترى.

تلبس الجبل مثل خوذة وتهجو الحروب

متقمصاً موهبة النهر وطبيعة الشجر،

يتقصف في وجهك النص والطريق

لكنك ترى .

60

يجوز له أن يكف عن شهوة المرايا،

فقد سئم ثرثرة الزئبق .

61

وصف لها الحياة ، فقال :

(ضوء صغير بين ظلامين)

62

شمس تفتح عرشها للقتلى،

أجمل من يحكم هذه الأرض ،

قتلى مضرجون بالزرقة وشظايا الأكاذيب،

والشمس عرش لهم .

63

الأيائل أيضا،

تزخرف الذاكرة وتهب الطرائد موهبة النسيان

لكي تضع أظلافها في الفخ مرتين .

64

لإسمه دلالة الحكمة ،

وليس للغته فهرس ولا قاموس.

ترنح مرةً ، وقيل إنه تقمص ميزان الذهب ،

فاشتعلت الأقاصي بمعاصيه ،

ولم يعد قريناً لسواه .

65

هذا كتاب لـك ،

يقرأ عليك.

66

له عندها ذخيرة مـنسية منذ طفولة الذهب،

له القميص المهتوك من الكتف ،

وله الكتب، يؤلفها تفادياً لحشرات الضجر ،

وله النوم المكتظ بهيبة المعصية،

وله الخجل ونهضة الليل.

67

قيل لها : يا خديجة

يصير لك ولد يغرر به السجن والنساء،

تفقدينه مرتين،

مرةً في شهادة أقرانه،

ومرةً في شهوة شعره.

ويذهب عنك مرتين،

مرة في امرأة تفتح له هالة الكتابة،

ومرة في جنون يزج به في هذيان النص.

يخطئ انتحاره مرتين،

مرة في صديق يفضح الليل بعينين محتقنتين

ومرة في جنية تشك في جنس الناس.

68

قيل لها : يا خديجة

ينال منك فتاك الغريب وأنت في خبيئة انتظاره،

كأنك في حضرة احتضاره، ينال منك بموته الطويل.

قيل لها ،

وكانت في التجربة، تفقد الولد فتمنع زوجها عن الجسد

حداداً في المحنة.

قيل لها،

وكانت في حضرة القتلى كأنهم يسمعون.

تربط القميص في الضريح ،

وتبذل حلمها لزعفران المحو .

قيل لها ،

وكانت في مأتم الناس، تصب الدمع في الفناجين ،

لتوقظ في أكبادهم حسرة الفقد.

قيل لها : يا خديجة ،

ينحسر عن ولدك أخوته التسعة

ويظنون لك الظن بأن الذئب يسميهم شخصا شخصاً،

تنساهم الكتب

ويتذكرك الناس.

69

قيل لها : يا خديجة

تقرئين وجه قاسم ،

وترين يوسف ويونس وسليمان.

ترين فيهم الأسماء

مثلما تشمين الدم في القميص

والجسد في الحوت

وتسمعين سيد الكلام .

تغسلين المخطوطات بالقهوة وزفير الصلاة.

70

قيل لها ،

وكان كأنه يسمع ،

وكان كأنه يرى .

لا ينام إلا ويداه في الصلصال ،

ولا يصادف غير الكوابيس.

وفي الصباح

يخرج في صورة تتمجد به

و تـغتـر.

71

قال يصف لها المستقبل :

تفتحين قناديل جسدك لرموزي

وتقرئين الكتب

وتخطين المخطوطات

وتصيرين لائقةً بي .

72

قيل ،

فلما فرغ الخالق من سرد أحلامه على الخلق،

نهض رهط يريد أن يطرح تفسيره في الناس،

فطفق الخالق يشيح بيديه المتعبتين متثائباً ،

يهمس لمن حوله، لكي يصل الكلام للرهط وغيره :

" ليكن يوماً آخر ،

أما اليوم فقد أخذ مني التعب مأخذا ،

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (قاسم حداد) .

وضعت لك المحبة

تاريخ الماء

نخلة العذاب

جَمرةُ الفقدان

سجادة الماء