1 |
ذاهب لترجمة الليــل |
2 |
هل النص شهوة اللغة ، |
هل المعنى شكل يفيض بالأبجدية . |
3 |
من أنت ، من أنت ، |
تبكي على أمة ، |
أم تـراها ستبكي عليك. |
غطيت شعباً بمرثية الماء ، |
صحراؤك محزومة بالملوك ، |
فمن أنت ، |
حتى تسمي سماءاً بعينين مذعورتين |
و تمدح أعداءنا بالسكوت. |
يا أنت ، من أنت. |
4 |
يتكاسر حوله الكلام |
يتحشد مثل كتائب القتال، |
يتأسس و يحاذي ، |
يوازي و ينزاح ، |
يتجاوز و يخرج ، |
يصير المتن هامشاً له والحاشية شهوة النار . |
لكنه لا يكترث ولا يهتم ، |
مؤمناً أنـه النص . |
5 |
أكتـبنا بهذا الشكل، |
كي نبكي بشكل شاهق ، |
و امنح قصيدتك الهواء |
مغامراً بنشيجك المشحون ، |
و ادفعنا معاً .. نبكي معك. |
اكتب كما يملي هواك |
تكون قنديلاً لنا بجنونك الأخاذ |
خذنا في ظلام النص |
للنص الذي لا ينتهي بالنوم |
أكتب، |
سيد شكل الذي لا ينحني للشكل . |
6 |
ليل ، |
كما لو أنه الليل كله . |
7 |
ليس هذا صريخ الجسد ، |
لكنه جنون الجثمان |
وهذيان الروح . |
8 |
وقف في حضرة القصب ، |
وحوله طغاة مدججون بذخيرة القتل، |
فأخرج نارةً من زنده |
يكتب بها دفاتر التعب |
و يقرأ الحقل . |
9 |
قرأت دمي ، |
مثلما يقرأ الليل وجه قاسم . |
10 |
جسد ينتهي كلما اشتهى ، |
ويبدأ حين يعلن الآخرون هدنةً بين موتين. |
جسد اختبرته الجسور وامتحنه الحب ، |
أجلته لأجلك ، |
بذريعة المخطوطات، |
و ها هو يدخل الحروب |
كأن الأبجدية لم تعد تكفي. |
11 |
سلام عليك يا حارس النبيذ، |
تؤرخ لنا العنب وتـنساه، |
وتبذل الترنح لأجسادنا ، |
وعندما تشتعل السهرة |
ويوشك زيت قنديلنا على النفاد ، |
تسكب نبيذك الكثيف في القوارير، |
بلا ترفق، |
فيقوم اللهب من النوم ، |
ويتصاعد الوهج معلناً هزيمة الليل . |
12 |
وحيد في مكان بعيد، |
أمتحن جاذبية الروح بكيمياء الجسد. |
يأتي صوت ينقض الفيزياء بالولع، |
مثل طفل يبتكر حلما |
ويذهب فيه . |
13 |
كأننا في جنـة الكتب ، نقرأ كلامها : |
" في القيامة، عندما تجتازون الموت الأول، تفتح أمامكم أبواب الموت الثاني، |
فكل من ارتكب خطيئة المكابرة في حضرة الحب، أو معصية الجسد في ليل الشهوة، تجوز عليه شهادة الغائب، ويكون عليه أن ينال فهرس العذاب |
كانت تقول ، |
ونحن نتوارى في أجساد مرتعشة، أرواحنا تكاد أن تذهب ، |
كمن يسمع شيئاً |
ويرى سواه. |
14 |
المخفي... يخيف . |
15 |
ثلة من الكهنة ينالون مثل كراكي الموعظة، ينامون ويتركون الفتنة في يقظة الجسد. أرديتهم تتأرجح لتطفئ ذبالات الشموع المرصوفة على حواف الطريق، |
والجسد يتخبط في ظلامه، |
لا يهجع ولا ينام. |
16 |
كهنة يذرعون الممشى ويعبرون ليل الجسد. |
موغلون في بهجة الناس. |
يغمرون الأفئدة بالوهم كأنه الحلم. |
لا الجسد يسمع ولا الناس. |
وما إن تستلقي في مكان، متظاهراً بالغياب، |
حتى يباغتونك بحضورهم الداهم، |
يفتحون الكتاب ويشرعون في شرح النص. |
تحت آباطهم بصيرة الملحدين |
وذرائع الموغلين في الشك . |
17 |
مشيت في قتلة يمرحون، |
يحصون قرابينهم في رماد الليل، |
يمدحون الله ويهجون خطيئة البشر. |
بعضهم يفك الأبجدية ويتهجى الأسماء، |
مثل ندوب في جثة تبطش بالناس. |
بعضهم يضع الرقم وقرينه. |
بعضهم يؤيد القتلى ليشجب الموت. |
بعضهم موغل في غفلته الفادحة. |
18 |
ناس الغابات |
يعيثون فساداً في البيت . |
19 |
رأيت قاسما |
يدخر القتل لأسمائـه ، |
رأيته ، |
كأنما الكلام من مائـه. |
قرأت تاريخا ، تـهجيتـه ، |
مثل بكاء البيت في آلــه . |
20 |
حين يسأم الناس مجد الجوع ، |
يتفاقم مرح القتلة، فيبدأون في اقتسام الأوهام : |
نصر هنا ، هزيمة هناك. |
غنائم تتعثر بها أجساد مصابة بالجزع ومؤآمرات الخذلان. |
يذهب في بكاء مكبوت، |
ولا أحد يلتفت لشخص يفقد تاجه في بسالة الفرسان |
ويعود مأخوذا كأنه لم يكن في مكان . |
21 |
قال لهم : |
"بيني وبين الغابة مسافة |
بيني وبين الأسلحة مسافة |
بيني وبين القطيع مسافة ، |
وبيني وبين الله نص مكتوب |
لا يخرج عنه ولا أخرج عليه" |
وكانوا يسمعون ، |
وكانوا يـرون . |
22 |
الشمس وحدها ، |
تستطيع أن تقلد شمساً مثلها . |
23 |
أمـا أنت ، |
فلك أن تحاولي تقليد النوم، |
فيما تفقدين شهية المساء، |
تنتابك رعشة المباغتة، |
وأنت ترين الكائنات مبهورةً |
تهرب إلى أحلامنا . |
24 |
يظفر بك الملك |
وتأخذك الطبيعة قهوة لسهرة الأسرى. |
تتوهجين في غابة تحرس سريري وترصد أحلامي ، |
مثل شمس تفضح الثلج. |
25 |
أيتها الجنية ذات الوبر، |
تلذ لك أكثر العروق توتراً وغروراً لاختباره، |
فيما يلامس كنزك المكنون، |
متصاعداً في شهيق الكبت. |
لماذا تجلسين هناك في عرش المكابرة |
وتتركين شخصاً هملاً في العشق، |
ترتعد فرائصه كلما تذكـر مليكةً |
تكنز فضتها في قصعة الجسد، |
وتلهو بالذهب منهمراً تحت شرفتها. |
26 |
هذا جسد ينتحب إليك ، |
و روح تتفصد مثل ندم نافر، |
وأنت في عفة الإسطرلاب، |
تسألينه عن الطقس بروح ضائعة |
وجسد يكاد أن يذهب. |
27 |
لهن مجامر هناك، |
ما عليك إلا أن تدس حديدتك الباردة |
لكي تـنال السفود. |
28 |
قلت له في تاسوع النص : |
أجل جسدك لليل آخر ، |
أجله ، |
لئلا تصاب بالمراثي . |
وكان قد حمل جسده وذهب في مديح فادح، |
لم يكن يسمع ، |
فللجسد سلطة على الشخص ذاهباً في حسرات الروح ، |
كمن يلبس قميصاً ويضع الريشة في العروة |
ويبالغ في التيه، |
مثل كتيبة الفرسان، |
تذهب إلى المبارزة بثقة القتل ، |
وتؤثث الطريق لئلا تفقد أثر التيه. |
29 |
قيل إنها مليكة من الجن |
متماهية في قميص البشر. |
تخلع طبيعتها مثلما ترفع العباءة عن الرأس |
ليخرج الجسد من ليله. |
30 |
قيل له : |
لقد غرر بك أيها الذئب الوحيد. |
فثمة من يلهو بكتابك، يضع لك الملح في الجرح |
ويؤرجح بين الوهم والحلم . |
قيل له : |
لملم شظاياك وارجع إلى نفسك، |
زين وجرك بوثير الوحشة وترف العزلة. |
قيل له : |
إرجع إلى قلب الكهف ، أرأف بك من وهم الحب . |
قيل له : |
إرجع إليك ، |
تطمئن بأن أحداً لن يفسد عليك نفسك . |
هناك .. حيث أنت وحدك ، |
إرجع، |
حلم مستحيل أكثر رأفة |
من شبح مستفحل . |
31 |
سماه جسدا |
وبذله لمشارط النطاسين ، |
لا يحيا ، |
ولم يقدر عليه موت ، ولم يكن حكيما . |
32 |
وحده في ليل النص ، |
تتقاطر حوله مخلوقات ترفل في هودج اللغة. |
يبتكر أحجارا كريمة ، |
يصقلها نحاة يسهرون على كلام الجسد . |
33 |
رأيت فيك الجنة الخفية |
رأيت، مثل الماء في قميصك ، |
مليكةً ترأف بالرعاة |
كي تفتك بالرعية. |
34 |
جنة الزجاج ، |
جنـة أن تسكن خارجها . |
35 |
أنظري كيف يطفر النحيب من جسدي مثل الحمم المذعورة، |
فلتكن لديك البسالة والحكمة، |
لكي تصدقي أن للشخص يوماً يموت فيه بهدوء العشب، |
وهو يفصد الطين بغموض المصادفات، |
فلا يتاح لك الوقت لترى أين يكمن الحب ، |
في الحياة أم في الموت. |
36 |
سيكون لطفلك أطفال ينحتون إسماً للجسد |
ويصقلونه بالمعادن، جسد لا يهرم ولا يشيخ . |
يصاب فجأة بالعطب ويمرض ويهلك، |
وتظل الروح نشيطة في هيكل يئن. |
وحين يموت، |
تسمع لتصاعد روحه وقعاً |
يشبه تقصف الذهب تحت حوافر الوقت. |
فاعلم أن لطفلك أطفالاً يأتون من الكتب ، |
و إلى الكتب يذهبون . |
37 |
طفل متروك في البيت، تجرحت حنجرته ولم يسمعه أحد. |
غيمة تطل عليه من النافذة. كف عن البكاء وطفق يرتب الوسائد للنوم، ليل نازل والأحلام في انتظاره، يجدل من حرير الستائر طريق الأعماق القصية. الليل نازل والأحلام في انتظاره. |
38 |
غابة أم بشر، |
الوجوه التي تأرجح أحداقها في زجاج الفضاء ، |
بهجة أم كدر. |
39 |
قيل جسد ، |
وقيل إنه تركة أسلاف يطغون حتى منتهى البحر ، |
أسلاف ادخروا إرثاً يحبس الدم، |
وقيل إنه الحجر القديم، |
ينهرون فيه زجاجاً مصقولاً بزفير الناس، |
جسد يكتب جسداً |
يقرأه جسد آخر . |
40 |
تشهتك أعضائي و اشتهاك دمي |
وتهدج بك القلب مثل بكاء الكواكب. |
41 |
تذهب إلى شهوة الناس ويظل وحده، |
فيضيع مفقود الجسد، مهدور الروح. |
وفي الليل تبدأ الأحلام في العمل، |
فتعود وحدها إلى بيت شاغر ، |
لتعرف أخيراً أنها لـهـت به وضيعته. |
42 |
يجهش كلما استدارت به المصادفات نحو بيته الأول. |
حيث التجربة المشحونة بأخطاء الخلق وطفولة العمل. |
يدس يده في عتمة الجسد، كمن يستعيد حياته بالحواس كلها، |
لئلا تفلت الصور من عينيه . |
هذا شخص يجهش في التجربة مثل خالق يهندس خلقه، |
شخص يحتضن أخطاءه ويهدهدها لكي تنام وتحلم . |
ثمة أخطاء تحلم مثل الشخص. |
43 |
تلعبين بي كملكة ، |
فيما أسأم مجد العبيد . |
44 |
سميتك وردة الندم. |
يضعك العاشق في قدح نبيذه وهو في عربة الوقت. |
تضعك العاشقة عند وسادتها وهي في هودج الحلم. |
يزين بك الفرسان عروة قمصانهم ذاهبين إلى المبارزة ، |
و أضعك مكان الروح من جسد الجبان. |
45 |
ثمة نحيب يقرأ فهرس الندم . |
وغابة تمنح بكارتها لمن يفضح الشمس |
في ليل كامل من العمر . |
46 |
تارةً ممزوجة لي بالزبرجد والزبيب ، |
وتارة يبكي على قلبي وحيد الفقد ، |
والندماء ينتخبون أقداحاً معي . |
أبكي كشخص غائب يمتد من شغف ، |
ويرتجل الهواء . |
47 |
جالس هناك، |
يفرك حريته ببلور الصحراء، فتستيقظ حواسه كلها ، |
وكلما سمع عن عبيد ينالون أحلامهم ، |
يشغف بمن يضع يديه على حجر ويشعل به بركان الرفض . |
جالس هناك ، |
يرى المستقبل ، كما يلمح ضوءاً تحت عقب الليل ، |
فيتحصن بنص يخذل الكلام. |
48 |
سيكون عليهم تنظيف التاريخ من الدم |
سيكون عليهم غسل كلامهم من الكذب |
سيكون عليهم تأنيب القتلى في كفن مستعمل |
سيكون عليهم تحرير الصمت من الأحجار |
سيكون عليهم أن يعتذروا لبكاء امرأة مكبوت |
سيكون عليهم سرد القصة من أولها، |
منذ المتن والهامش و الحاشية ، |
ويكون لنا حق الدرس . |
49 |
يقف في بهو الكون وحيداً ، |
ليس ثمة هواء، |
عيناه محتقنتان لفرط الهلع و رئتـه تضطرب، |
تكسوه زرقة الليل ، |
وكلما حرك حرفاً إنتابته المعاجم وتبادله النحاة. |
50 |
قيل . |
فلما احتدمت حالة الاحتقان، |
سألت الصخرة صمت الجبل وكادت أن تدفعه في تهلكة الكلام، |
ولكنه أحجم واستجم في غيبوبة الكيمياء. |
قيل ، |
فلم يعبأ الأسلاف بأحفاد يعقون ويجحدون وتستحوذ عليهم شهوة الشمس. فاختلط على القاطن والمسافر مشهد الناس. أحجار تلبس القلانس وحيوانات تتقمص طبيعة البشر، يضطرب لهم ميزان الكتب، |
فيجتهد الكسلى بتثاؤب المصدورين، |
وتجود قريحتهم بالفاسد من الفتوى |
والمعطوب من العقل والعاطل من طبيعة الجسد. |
51 |
يخب في ثوبه قراصنة النوم، |
فيسمي لهم الهبات ، |
يؤجل يقظتهم، فتستفرد به الأحلام. |
أولئك القراصنة المباركون، |
نذروا زنودهم لمجدافه المصقول بالموج والملح. |
يزعم لهم الاكتراث والتريث، |
ويفسد عليهم نعمة المبادرات. |
52 |
لماذا أنت متماهية مع الحلم |
لماذا يصح للحلم أن يتحقق و أنت لا |
لماذا يصح له أن يرأف بسعاته و أنت لا |
لماذا يظل الحلم ماثلاً في طريق يطول، |
وأنت تقدرين على إعلان الوهم في الوجه. |
دون أن نـقوى على تبرئة الحلم منك . |
53 |
وكلما وضعت يدك على حجر ، انتفض ، |
وأخذ طبيعة الطير وشكله. |
حجر يمتلك الفضاء ، |
تارة في مهارة الريح ، |
تارة في رشاقة الهواء |
تارة في انحدار الصقر ، |
تارة في هدأة اليمام ، |
حجر في الفضاء ، |
ملك عليه. |
54 |
حجر دربته كبد في النواح. |
مثل نجمة سأمت وحشة الليل |
رأيتك وأنت في ضراعة الماضي تحت وطأة الغياب |
رأيتك، لعلك تأتين في ريشة الريح. |
رأيتك، لعلك ترين روحاً مأخوذةً بك وحجراً في بريد الجنون. |
فها نحن نجلس في قرفصاء الطريق. |
نتصاعد في زفير الحجر، لا الماضي يذهب، |
ولا المستقبل يجئ. |
55 |
رأيت النهارات تغفو ، |
و الطين تحت العذاب . |
أيها الفارس الرخو ، |
هدهد لأبنائك المترفين بأشلائهم |
علهم يصبرون قليلاً على الموت |
باسم الكتاب. |
56 |
لا تشبه أحدا سواك، |
فالظلام الهائم في جهامة الحبر وزهر الخشخاش، |
متصاعد في بياض ذاهل، أكثر كآبة مما تزعم ، |
وحنين القصب ، |
بناياته الصقيلة ، |
أكثر بسالة من يديك المرهقتين لفرط العمل . |
وزرقة النوم الزاخر بالكائنات، |
ودهشة الحلم في همل الليل ، |
أكثر فصاحة من نصك الأخير. |
لا شيء يشبهك .. سواك، |
ولا أحد. |
57 |
لم يكن الحوذي غير شبح يذرع الغابة |
مؤثثاً مواقع أقدامه بانتظارات فادحة. |
يقود عربات الليل، عبر الحانات، نحو أكواخ الساحل ليغوي النساء برجال أصحاء يمنحونهن نسلاً من صغار الطغاة ، |
يزخرفون السهرة بملهاة الحكمة، وبغتة يكبرون. |
قيل إن الحوذي هو نفسه الحصان، وقيل إنه العربة والحانة والنساء وطغاتهن الصغار. وأحياناً يكون هو الرجل الغريب، |
تصادفه الأشباح والساحرات في منعطفات الغابة، |
تطير في وجهه حيوانات مجنحة بالمخطوطات، |
يتقمصها ويعود في هيئة حوذي، |
يزعم الحكمة وبلاغة البوح . |
ثمة أخبار بأن الغابة لم تعرف عربةً أو حوذياً |
قبل أن يشرع الشاعر في رسم هذا الكتاب. |
58 |
يصغي معها للصمت وقرينه، |
يهدي لها أحجاراً نادرة في هيئة المخطوطات ، |
وما إن تقرأ الكلمة حتى تطير مثل شهوة الليل ، |
تباغتها نار فاضحة . |
59 |
هواء نادر، |
تصطاده بشفتيك وحنجرتك، |
شحن به غرف الصدر وشرفة الروح، |
لكي تهمس الكلمة. |
قليل ويكفيك. |
تزرق أحداقك بعتمة الصمت لكنك ترى. |
تلبس الجبل مثل خوذة وتهجو الحروب |
متقمصاً موهبة النهر وطبيعة الشجر، |
يتقصف في وجهك النص والطريق |
لكنك ترى . |
60 |
يجوز له أن يكف عن شهوة المرايا، |
فقد سئم ثرثرة الزئبق . |
61 |
وصف لها الحياة ، فقال : |
(ضوء صغير بين ظلامين) |
62 |
شمس تفتح عرشها للقتلى، |
أجمل من يحكم هذه الأرض ، |
قتلى مضرجون بالزرقة وشظايا الأكاذيب، |
والشمس عرش لهم . |
63 |
الأيائل أيضا، |
تزخرف الذاكرة وتهب الطرائد موهبة النسيان |
لكي تضع أظلافها في الفخ مرتين . |
64 |
لإسمه دلالة الحكمة ، |
وليس للغته فهرس ولا قاموس. |
ترنح مرةً ، وقيل إنه تقمص ميزان الذهب ، |
فاشتعلت الأقاصي بمعاصيه ، |
ولم يعد قريناً لسواه . |
65 |
هذا كتاب لـك ، |
يقرأ عليك. |
66 |
له عندها ذخيرة مـنسية منذ طفولة الذهب، |
له القميص المهتوك من الكتف ، |
وله الكتب، يؤلفها تفادياً لحشرات الضجر ، |
وله النوم المكتظ بهيبة المعصية، |
وله الخجل ونهضة الليل. |
67 |
قيل لها : يا خديجة |
يصير لك ولد يغرر به السجن والنساء، |
تفقدينه مرتين، |
مرةً في شهادة أقرانه، |
ومرةً في شهوة شعره. |
ويذهب عنك مرتين، |
مرة في امرأة تفتح له هالة الكتابة، |
ومرة في جنون يزج به في هذيان النص. |
يخطئ انتحاره مرتين، |
مرة في صديق يفضح الليل بعينين محتقنتين |
ومرة في جنية تشك في جنس الناس. |
68 |
قيل لها : يا خديجة |
ينال منك فتاك الغريب وأنت في خبيئة انتظاره، |
كأنك في حضرة احتضاره، ينال منك بموته الطويل. |
قيل لها ، |
وكانت في التجربة، تفقد الولد فتمنع زوجها عن الجسد |
حداداً في المحنة. |
قيل لها، |
وكانت في حضرة القتلى كأنهم يسمعون. |
تربط القميص في الضريح ، |
وتبذل حلمها لزعفران المحو . |
قيل لها ، |
وكانت في مأتم الناس، تصب الدمع في الفناجين ، |
لتوقظ في أكبادهم حسرة الفقد. |
قيل لها : يا خديجة ، |
ينحسر عن ولدك أخوته التسعة |
ويظنون لك الظن بأن الذئب يسميهم شخصا شخصاً، |
تنساهم الكتب |
ويتذكرك الناس. |
69 |
قيل لها : يا خديجة |
تقرئين وجه قاسم ، |
وترين يوسف ويونس وسليمان. |
ترين فيهم الأسماء |
مثلما تشمين الدم في القميص |
والجسد في الحوت |
وتسمعين سيد الكلام . |
تغسلين المخطوطات بالقهوة وزفير الصلاة. |
70 |
قيل لها ، |
وكان كأنه يسمع ، |
وكان كأنه يرى . |
لا ينام إلا ويداه في الصلصال ، |
ولا يصادف غير الكوابيس. |
وفي الصباح |
يخرج في صورة تتمجد به |
و تـغتـر. |
71 |
قال يصف لها المستقبل : |
تفتحين قناديل جسدك لرموزي |
وتقرئين الكتب |
وتخطين المخطوطات |
وتصيرين لائقةً بي . |
72 |
قيل ، |
فلما فرغ الخالق من سرد أحلامه على الخلق، |
نهض رهط يريد أن يطرح تفسيره في الناس، |
فطفق الخالق يشيح بيديه المتعبتين متثائباً ، |
يهمس لمن حوله، لكي يصل الكلام للرهط وغيره : |
" ليكن يوماً آخر ، |
أما اليوم فقد أخذ مني التعب مأخذا ، |
اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (قاسم حداد) .
|