الدربُ طويلٌ، يا بنتَ حميدِ المرعب، يبدأُ من نقطةِ حِبْرٍ سقطتْ فوق قميصكِ - هذا المترفِ، كالثلجِ، كزهرةِ قدّاحٍ لمْ تتفتّحْ – ذاتَ صباحٍ تشرينيٍّ، في الصفِّ.. ويبدأُ من سحبٍ ماطرةٍ، رحلتْ من بين أصابعِ كفّي، وهي تَمُدُّ إليكِ بأُولى أشعاري، المسكونةِ بال |
كانتْ أشجارُ الرُمَّانِ ببستانِ أبيكِ، توشوشُ للحارسِ عمّا نفعلهُ تحتَ الأغصانِ! وتَحْفَظُ أشعاري |
وأنا أَذكُرُ – ما زلتُ – خطانا الحَيْرى في "حَيِّ الأنصار"، وخفقَ نوارسِ قلبي حين تَحُطُّ على جسرِ الكوفةِ قبل ذبولِ الشفقِ الورديِّ، وهمسَ الجاراتِ أمامَ بيوتِ الحارة، حين أمرُّ غريباً مُتَّشِحاً بالوجدِ |
أرقبُ شُبّاكَكِ - من بُعدٍ - وأُحدِّثُ قلبي: |
يا هذا المتشرّدُ تحتَ نثيثِ الأمطارِ.. تَمهَّلْ |
هل ما زالَ بصدرِ العالمِ مُتَّسعٌ للحبْ..؟ |
* |
الدربُ طويلٌ.. |
يا نفسي الصاعدَ والنازلَ.. |
والعُمرُ قصيرٌ.. أقصرُ من فُسْتَانِ مراهقةٍ، عَبَرَتْ واجهةَ المقهى، تتبعها النظراتُ الولهى.. |
وأنا أتبعُ خيطَ دمي... ينسابُ على الأوراقِ البيضاء ببطءٍ أَخَّاذٍ |
وأنا ما لي، ومراهقةٍ عَبَرَتْ - قبلَ قليلٍ - واجهةَ المقهى |
أوشكَ أنْ يفرغَ كيسُ العُمرِ |
ولمْ أَكْتُبْ للآنَ قصيدةَ شِعرٍ تَسَعُ الحُزنَ البشريَّ، وجوعَ العالمِ.. |
لكنَّ العالمَ |
ينسى في زحمتهِ المنكودةِ، أحزانَ الإنسانِ المنكودِ |
وينساني... |
وأنا أَعْرِفُ أنَّ الوردةَ حين تموتُ |
ستسحقها الأقدامْ!! |
لكنَّ العِطْرَ سيبقى يملأُ قارورةَ قلبي... |
* |
الدربُ طويلٌ، يا بنتَ المرعبِ، يا شجرَ الحُزنِ المورقَ في روحي |
فضعي كفَّكِ في كفّي.. نمضِ تحت الأمطارِ المجنونةِ، مرتعشين من الوجدِ، وبوحِ اللمساتِ الأولى... |
نَدخُلُ سوقَ "السراي" |
نُفتِّشُ بين رفوفِ الكتبِ المصفرّةِ.. |
عن حُزنِ العالمْ.. |
عن أشعارٍ لمْ تُنشرْ للسيّابْ |
وعن موتِ الكلماتِ بهذا العصر.. |
فتغيمُ الأمطارُ المنسيَّةُ في عينيها،.. وهي تقلّبُ بؤسَ العالمِ في الأوراقِ المصفرّةِ |
هل تَعِبَتْ سيِّدتي..؟ |
هل تَعرفُ أنَّ حضارةَ هذا العالم يحكمها السكِّين..؟! |
لكنَّا نختارُ ـ قريباً من جسرِ الصرّافية ـ مصطبةً فارغةً، نَجلِسُ - تحت رَذَاذِ الحبِّ الناعمِ – ملتصقين |
تتماوجُ دجلة... خيطاً أزرقَ |
يمتدُّ - وديعاً - من عينيها الصافيتين |
..... حتى قلبي |
* * * |
8/10/1983 الكوفة |