أرشيف الشعر العربي

سمـاء في خوذة

سمـاء في خوذة

مدة قراءة القصيدة : 3 دقائق .

اِرتبكتُ أمامَ الرصاصةِ

كنّا معاً

في العراءِ المسجّى على وَجْهِهِ،

خائِفَين من الموتِ

جَمّعتُ عُمْرَيَ في جَعْبَتي،..

ثم قسَّمتهُ:

بين طفلي..

ومكتبتي..

والخنادق

(للطفولةِ، يُتْمي..

ولامرأتي، الشِعرُ

والفقْرُ..

للحربِ، هذا النـزيفُ الطويلُ…

وللذكرياتِ.. الرمادْ)

وماذا تَبَقَّى لكَ الآن من عُمرٍ

كنتَ تَحْمِلُهُ - قَلِقاً - وتهرولُ بين الملاجيءِ والأمنياتِ

تخافُ عليه شظايا الزمان

قالَ العريفُ:

هو الموتُ

لا يقبلُ الطرحَ والجمعَ

فاخترْ لرأسكَ ثقْباً بحجمِ أمانيكَ

هذا زمانُ الثُقوبْ…

أو…

فاهْرُبِ

الآنَ..

من موتكَ المستحيلْ

(- لا مهربٌ…

هي الأرضُ أَضيَقُ مِمَّا تصوّرتُ

… أَضيَقُ من كفِّ كهلٍ بخيلٍ…

فمَنْ ذا يدلُّ اليتيمَ على موضعٍ آمنٍ

وقد أَظلَمَ الأفقُ..

واسودَّ وَجْهُ الصباحْ)

…………………

ولا بأسَ..

كوّمتُ ما قد تَبَقَّى من السنواتِ البخيلةِ

ثم اندفعتُ…

- إلى أينَ…؟!

بينكَ والموتِ، فوَّهةٌ لا تُرى

وتساؤلُ طفلين:

- "بابا، متى ستعودُ..؟"

انكفأتُ،…

فصاحَ عريفي: هو الوطنُ الآنَ……

فأرتجفَ القلبُ من وَهَنٍ أَبْيَضٍ

واختنقتُ بدمعةِ ذُلِّي:

- يا سماءَ العراقِ..

أما مِنْ هواءٍ

تَلَفَّتُ..

كانتْ سماءُ العراقِ مُثقَّبةً بالشظايا

وكانتْ…………

........

تعثَّرتُ في صخرةٍ

فرأيتُ حذائي الممزَّقَ يسخرُ منِّي…

(- لا بأسَ…

فليَكتُبِ المتخمون وراءَ مكاتبهم

… عن لحومِ الوطن)

…………………

في غرفةٍ، قبلَ عشرين

كانتْ ترتّقُ - في وجلٍ – بنطلوني العتيقَ

وتمسحُ ذِلَّتَها بالدموع

…………………

- أبي، أين يوميتي…؟!

الصحابُ مضوا لمدارسِهم…

……………………

(الصحابُ مضوا للرصاص

والزمانُ أصمْ…)

الصحابُ…

الصحابُ…

الصـ...

سقطتُ…

فلملمني وطني…

وركضنا إلى الساتر الأول

نَتَحَدَّى معا موتَنا

- أَيُّنا سيُخَبِّيءُ

يا وطني -

رأسَهُ…؟

ولنا خُوذَةٌ…

واحدة

* * *

1986 بغداد

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (عدنان الصائغ) .

دوار

أحزان عمود الكهرباء

دموع الشمع

قال أبي

العبور إلى المنـفى