مَنْ مُجِيرِي مِنْ حالِكات اللّيالِي
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
مَنْ مُجِيرِي مِنْ حالِكات اللّيالِي | نُوَبَ الدَّهْرِ مالكُن ومالِي |
قد طوَاني الظلامُ حتّى كأنِّي | في دَيَاجى الوجودِ طَيفُ خَيَال |
كلُّ ليلٍ لهُ زَوالٌ ولَيْلى | دقَّ أطنابَهُ لِغَيرِ زَوَال |
كلُّ ليلٍ لهُ نجومٌ ولكنْ | أينَ أمثالهُنَّ من أمثالي |
تّثِبُ الشّمسُ في السماءِ وشَمْسي | عُقِلَتْ دُونَها بألْفِ عِقَال |
لا أرَى حِينما أرَى غَيرُ حَظِّي | حَالِكَ اللَّونِ عَابِسَ الآمال |
هو جُبُّ أعِيشُ فيه حزيناً | كاسِفَ النَّفسِ دائمَ الْبَلْبَالِ |
ما رأتْ بَسْمة َ الشُّموسِ زَوَايا | هُ ولا دَاعَبتْ شُعَاعَ الْهِلال |
فإذا نِمْتُ فالظَّلامُ أمامِي | أَوْ تيقَّظْتُ فالسَّوَادُ حِيالي |
أتَقَرَّى الطّريقَ فيهِ بِكَفِّي | بين شَكٍّ وحَيْرَة ٍ وضَلال |
وأُحِسُّ الهواءَ فهْوَ دَليلِي | عن يَميني أَسِيرُ أوْ عَنِ شِمالي |
كُلّما رُمْتُ منه يَوْمًا خَلاصًا | عَجَزتْ حِيلَتي ورَثَّتْ حِبالي |
عَبَثًا أُرْسِلُ الأنِينَ مِن الجُبِّ | إلى سَاكِني القُصُورِ العَوالي |
مَنْ لسَارٍ بِلَيْلة ٍ طولُهاالعُمْ | رُيَجُوبُ اْلأَوْجالَ لِلأَوْجالِ |
مُتَرَدٍّ في هَاوياَت وِهادٍ | لاهِثٍ فوقَ شامِخاَتِ جِبال |
عند صَحْراءَ للأعاصيرِ فِيها | ضَحِكُ الْجِنِّ أو نَحيبُ السَّعالي |
لم يَزُرْها وشْيُ الرّبيعِ ولكنْ | لك ما شئْتَ من نسيجِ الرِّمال |
لَيْس للطيرِ فوقَها من مَطارٍ | أوْ بَنِي الإنْسِ حَوْلَها من مَجال |
خَلَقِ اللّه قَفْرَها ثم سَوَّى | من ثَراهُ أنامِلَ البُخَّال |
رَهْبة ٌ تَملأُ الْجَوانِحَ رُعْبًا | وأَدِيمٌ وَعْرٌ كحدِّ النِّصال |
وامتدادٌ كأنَّه الأَمَلُ الطَّا | ئشُ مَا ضاقَ ذَرْعُهُ بمُحَالِ |
سارَ فيها الأعمَى وَحِيداً شريداً | حائراً بينَ وَقْفَة ٍ وارْتحالِ |
في هَجِيرٍ ماخَفَّ حَرُّ لَظَاه | بِنَسيمٍ ولا ببرْدِ ظِلاَلِ |
مَلَّ عُكّازُه من الضَّرْبِ في الأر | ضِ على خَيْبة ٍ ورِقَّة ِ حال |
يَرْفَعُ الصّوتَ لا يَرَى مِنْ مُجِيبٍ | أَقْفَرَ الكَوْنُ من قُلُوبِ الرّجال |
مَنْ لِهَاوٍ في لُجَّة ٍ هِيَ دُنْيا | هُ وأَيَّامُ بُؤسِه المُتَوَالي |
ظُلَمُ بَعضُها يُزاحِمُ بعْضًا | كَلَيالٍ كرَرنَ إِثْرَ لَيالي |
يَفْتَحُ الَمْوجُ ماضِغَيْهِ فَيَهْوِي | ثمّ يطْفُو مُحطَّمَ الأَوْصال |
لا تَرَى منه غيرَ كَفٍّ تُنادِي | حينما عَقَّه لسانُ المَقَالِ |
والرِّياحُ الرِّياحُ تَعْصِفُ بِالْمِسِ | كينِ عَصْفَ الأيّامِ بالآجال |
يَسْمَعُ السُّفْنَ حَوْلَه ماخِراتٍ | مَنْ يُبَالِي بِمِثْلِه مَنْ يُبَالِي |
يسمُع الرَّقْصَ والأهازيج تَشْدُو | بَيْنَ وصْلِ الْهَوَى وهَجْرِالدَّلاَل |
شُغِلَ الْقوْمُ عنه بالقَصْفِ والَّلهْ | وِ وهامُوا بِحُبِّ بِنْتِ الدَّوَالي |
ما لَهُمْ والصَّريعَ في غَمْرة ِ اللُّ | جِّ يَصُدُّ الأهْوَالَ بالأهْوَال |
لا يُريدُون أنْ يُشَابَ لهم صَفْوٌ | بِنَوْحٍ للبُؤْسِ أو إِعْوَال |
هكذا تُمْحلُ القُلوبُ وأَنْكَى | أن تُباَهِي بذلكَ الإِمْحال |
هكَذا تُقْبَرُ الُمرؤة ُ في النّا | س ويُقْضَى على كرِيمِ الْخِلال |
مَنْ لهذا الأعْمى يَمُدُّ عصَاه | عاصِبَ البَطْنِ لم يَبُحْ بسُؤَالِ |
مَنْ رآهُ يَرَى خَليطًا من البُؤ | سِ هَزيلاً يَسِيرُ في أسْمَال |
هو في مَيْعَة ِ الصِّبا وتَراهُ | مُطْرِقَ الرَّأسِ في خُشُوعِ الكِهَال |
ساكناً كالظَّلاَمِ يَحْسَبُهُ الرَّا | ءُونَ معْنًى لليأسِ فِي تِمْثَالِ |
فَقَد الضَّوْءَ والحياة َ وهل بَعْ | د ضِيَاءِ العَيْنَيْن سَلْوَى لِسال |
مَطَلَتْهُ الأيّامُ والناسُ حَقًا | فَقَضَى عَيْشَه شَهِيدَ المِطَال |
مارَأَى الرَّوْضَ في مَآزِرِهِ الْخُضْرِ | يُبَاهِي بحُسْنِها ويُغَالي |
ما رَأى صفحة َ السماءِ وَمَا | رُكِّبَ فيها مِنُ باهِرَاتِ الّلآلي |
ما رَأى النِّيلَ في الْخَمائلِ يَخْتَا | لُ بأذيالِهِ العِراضِ الطِوالِ |
ما رَأى فِضَّة َ الضُّحَى في سَنَاها | أوْ تَمَلَّى بعَسْجَدِ الآصال |
فدعوه يَشْهَدْ جَمَالاً من الإِحْسَ | انِإِنْ فاتَه شُهُودُ الْجَمال |
ودعوه يُبْصِرْ ذُبَالاً من الرَّحْمَة ِ | إِنْ عَقَّه ضِياءُ الذُّبَال |
قد خَبَرتُ الدُّنيا فلم أرَ أَزْكَى | مِنْ يَمينٍ تَفتَّحتْ عَنْ نَوَال |
أيُّها الوَادِعُون يَمْشُون زَهْواً | بَيْنَ جَبْرِيّة ٍ وبَيْنَ اخْتِيالَ |
يُنْفقُوِن القِنْطارَ في تَرَفِ العَيْ | شِ ولا يُحْسنون بالمِثقال |
ويَرْونَ الأَموالَ تُنْثرُ في الّلهْ | وِ فلا يَجْزَعون ِلْلأَمْوَال |
إِن في بَلْدَة ِ الُمُعِزِّ جُحُوراً | مُتْرَعاتٍ بأدْمُعِ الأَطْفَالِ |
كلُّ جُحْرٍ بالبُؤْسِ والفَقْرِ مملو | ءٌ ولكنّه من الزَّادِ خالي |
بَسَقَتْ فيه للجَرَاثيمِ أفْنا | نٌ تدلَّتْ بكلِّ داءٍ عُضاَل |
لوْ رأيتَ الأشباحِ مِنْ ساكنيه | لرَأيْتَ الأطْلاَلَ في الأطْلال |
يَرْهَبُ النُّورُ أنْ يمرَّ به مَ | رَّا وتَحْشَى أذَاهُ ريحُ الشَّمَال |
تَحْسِبُ الطفلَ فِيه في كَفَنِ الموْ | تَى وقَدْ ضمَّه الرِّدَاء البالي |
أيّها الأغنياءُ أين نَدَاكُمْ | بَلَغ السّيْلُ عالياتِ القِلال |
هُمْ عِيالُ الرَّحمنِ ماذا رأَيتُمْ | أو صَنَعْتُم لهؤلاءِ العِيالِ |
رُب أعمَى له بصيرة ُ كَشْفٍ | نفذَتْ من غَيَاهِبِ الأَسْدالِ |
أَخَذَ اللّه مِنهُ شيئًا وأَعْطَى | وأعَاضَ المِكْيالَ بالْمِكْيال |
يَلْمَحُ الْخَطْرة َ الْخَفِيَّة َ للنفْ | سِ لها في الصُّدورِ دَبُّ النمَال |
ويَرَى الحقَّ في جَلاَلة ِ معنا | هُ فيحيا في ضَوْءِ هذا الْجَلاَل |
كان شَيْخُ المَعَرَّة ِ الكَوْكَبَ السَّا | طِعَ في ظُلْمة ِ الْقُرُونِ الْخَوَالي |
فأتَى وهْوَ آخِرٌ مِثْلَما قا | ل بما نَدَّ عَنْ عُقُولِ اْلأَوَالي |
أنقِذُوا العَاجزَ الفَقِيرَ وصُونُوا | وَجْهَه عن مَذَلَّة ٍ وابْتِذَال |
علِّموهُ يَطْرُقْ مِنَ العَيْشِ بابًا | وامْنَحُوه مَفَاتِحَ الأَقْفَالِ |
لاتَضُمُّوا إلى أَسَاهُ عَمَى الْجَهْ | لِ فَيَلْقَى النكَالَ بَعْد النكَال |
كُلُّ شيءٍ يُطاقُ مِنَ نُوَبِ الأَيَّامِ | إِلاَّ عَمَاية َ الْجُهَّال |
علِّموه فالِعلْمُ مِصْباحُ دُنْيا | هُ ولا تَكْتَفُوا بصُنْعِ السِّلاَل |
إنْ جَفَاهُ الزّمانُ والآلُ والصّحْ | بُ فكونوا لِمِثْله خيرَ آلِ |
نَزلَ الوَحْيُ في التَّرَفُّقِ يالأع | مَى وبْسطِ اليديْنِ للسُّؤَال |
سوف تتلو الأجيالُ تاريخَ مِصْرٍ | فأعِدُّوا التاريخَ لِلأَجْيال |
بالأيادِي الحِسانِ يُمْحَي دُجَى البؤ | سِ وتَسْمُو الشعوبُ نَحَو الكَمال |
يَذْهبُ الفقرُ والثَّراءُ ويَبْقى | مابَنَى الخِّيرونَ من أَعْمال |