يبيتُ أخو البلوى إذا الخِلوُ غمَّضا
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
يبيتُ أخو البلوى إذا الخِلوُ غمَّضا | وفي قلبه جمر من الوجد لا الغضا |
وأية بلوى كالبياض الذي بدا | وأيُّ فقيدٍ كالسَّواد الذي نضا |
خليليّ إني نادبٌ عهد صاحبٍ | سقتْني لياليه الزُّلال المرضرضا |
ولاح بديلٌ منه رذلٌ كأنما | سقتني لياليه الزُّعاف المخضخضا |
بعيشكما لا تُكثرا عذل مكثرٍ | ملامة َ دهرٍ قد أغصَّ وأجرضا |
شعارُ الفتى ذمُّ الزمان الذي أتى | ومن شأنه حمدُ الزمانِ الذي مضى |
ولمْ لا وفي الآتي أخو العيش يُجتوَى | وفي الزمن الماضي أخو العيش يرتَضى |
شبابٌ وشيبٌ ما استدار على الفتى | شبيهُهُما إلا أمر وأنقضا |
نهارٌ وليلٌ أكَّد الحلْفُ أنه | إذا بنيا مبنى فشاداه قوَّضا |
مضى زمنُ اللحظ الذي كان يستبي | قُلوبَ المها فاجعله دمعاً مُغيَّضا |
أرى مُطرياتي عِبنَني ورفَضْنني | وذو الشَّيب أهلٌ أن يُعاب ويرفضا |
وما انفكَّ موتوراً من ابيضّ رأسهُ | لقًى للهوى لا ينقُضُ الوترَ مَنْقضا |
وتلقى أخا الفرع البهيمِ مظفَّراً | إذا شاء أضْنى ذاتَ دلّ وأحْرضا |
كذا الجند منصورٌ بتسويد زيّه | وتلقاهُ مخذولا إذا هو بيَّضا |
لشتّان ما بين الشباب وضدّه | شبابُ الفتى يُصمي إذا الشيبُ أنبضا |
ينفِّرُ هذ كل صيدٍ محصَّلٍ | ويصطادُ هذا كل صيدٍ تعرّضا |
تحبَّب دهري بالشباب مُلاوة ً | فلما أحلّ الشيبَ رأسي تبغّضا |
كأن شباباً كان لي فسُلبتُهُ | كساني منه سالفُ الدهرِ مِعْرضا |
سأثني بآلاء الشبيبة ِ باسِطاً | لساني بها حتى أحينَ فأُقبضا |
وأعنى وأغرى بالخضابِ ممرّضا | شبابا مريضا حقُّه أن يمرَّضا |
وأُقسم أني لا أرى من شبيبتي | سوى قاسمٍ مستخلَفا متعوَّضا |
هو المرء نعماهُ شبابٌ مجدَّدٌ | وإن حثّ شيبي بالشباب فأوفضا |
فتًى لم يزل مذ عدَّ عشراً وأربعاً | لكل جليلٍ مرتضًى أو مُربَّضا |
لو امتحنَ الله البحارَ بجودِه | لأضحتْ وأمست من عطاياه غُيَّضا |
ولو لمستْ صُمَّ الصخورِ يمينُهُ | لأضحَتْ بسلسالٍ من الماء فيَّضا |
وإن راض للسلطان خشناءَ صعبة ً | فناهيكَ روّاضا به ومروّضا |
متى سلَّ سيفا مارقٌ سل رأيه | فقطّعه والسيفُ للسيف يُنتضى |
وأحسنُ من روضِ الربيعِ خلائقاً | إذا ذهّبَ النَّوْرَ الربيعُ وفضَّضا |
إذا الناس أضحوا ظاعنين عن امرىء ٍ | نبابهم أضحوا ببابيه خُفَّضا |
أقاسمُ يا من يقسمُ الجودُ ماله | أثِبْ مِدَحاً غُرَّاً وودّا مُمحضا |
ألم ترني أقرضْتُك الودّ طائِعاً | ولم تر قبلي مُعسراً قطُّ أقرضا |
فلم برتُ حتى قيل في ظل سخطة ٍ | وأصبحتُ للتَّرحيم نَصْباً معرَّضا |
ولِمْ لَمْ تُخيّب ظن من قال خائبٌ | وهزَّ لظنّي فيك رأساً وأنغضا |
إذا ما أشاعَ الناسُ أنْ قد حبسْتني | ولم أتدرّع بينهم خِلعة َ الرضا |
فقد نالني بعضُ الذي رضخُوا به | فهل لك في أن تُرحضَ الشك مرحضا |
وما ذاك إلا بالذي أنتَ أهلهُ | وإن لم يُطق شُكري بنعماك مَنْهضا |
لعمري لقد صُوِّرتَ أبيضَ مُشرقاً | فلم لا تُريني وجه نُعماك أبيضا |
أُعيذ نَدى كفَّيك من أن يعوقه | لجاجٌ ومن قيل العدى كان فانقضى |
تذكَّر مديحاً لو هززتُ لبعضِه | صفاً قاسياً لاهتزَّ منه وروّضا |
يُمخّضُ ودّي كل يومٍ وليلة ٍ | بذلك صدراً لا يزال ممخّضا |
وألقاك مهزوزاً به وكأنما | ألاقيكَ مشحُوذاً عليَّ مُحرضا |
لقد خابَ من أضحى إليك مُبغَّضاً | وأمسى إلى الأعداء فيك مُبغَّضا |
أحاط به شرّان والفقرُ ثالثٌ | وفي واحدٍ ما شفّ قلباً وأرمضا |
على أنني ما كنتُ عند ذوي النُّهى | مقيتاً ولا بين الكرام مُرفّضا |
وقد كاد قلبي من جفائكَ ينْتزي | ولكنني خفّضتُ جأشاً مخفَّضا |
ولم لا وقد جرّأتَ كلّ مُضاغنٍ | عليَّ فأضحى سيفُهُ ليَ مُنتضى |
وأوهنْتَ ركني للعدي فتركْتَني | لمن رامني بالضَّيمِ عظماً مُرضَّضا |
وقد كنتُ للأعداء قبلك مِقمعا | إذا الحية ُ النضناضُ يوماً تَنْضنضا |
وكانوا يدبُّون الضّراء فأصبحوا | وكلُّ مبادٍ يركضُ الغيَّ مَرْكضا |
فأصبحتُ مفروضاً عليّ اتقاؤهم | وما كان لو أعززت نصري ليُفرَضا |
فيا ويح مولاك استغاث بمشربٍ | فأشرقَ واستشفى شفاء فأمْرضا |
ولولا اعتقادي أنك الخيرُ كله | لأجمعتُ توديعاً قضى الله ما قضى |
وإني وإن دارتْ عليّ دوائرٌ | لأعرضُ عمَّن صدّ عنّي وأعرَضا |
وما زلتُ عزّافاً إذا الزادُ رابني | بخبثٍ وعيّافاً إذا الماءُ عَرْمضا |
ومن عجبٍ أني بسطتُ بمنطقي | عليك لساناً في الإسارِ مقبّضا |
ولولا رجاءٌ فيك حيٌّ لما غدتْ | عروقي ولا راحت من الخوفِ نُبَّضا |
بل العجبُ الوحشيُّ خوفيك بعدما | غدوتَ غياثاً للّهيفِ مُقَيَّضا |
وماليَ أخشى من عدِمتُ مَراضعي | من العيش إلا فضلَه المتبرَّضا |
لأقربُ من إصعاق غيثٍ غياثُهُ | وإن رجّع الغيثُ الرُّعودَ وأومضا |
ومن عجب أني اقتضيْتُك نائلاً | ووجهُك أولى أن يُعانى ويقتضَى |
نظرتُ فلو ملّكتني ما ملكته | لما كنتُ من ذاك اللقاء معوّضا |
ومن عجب أني أطيلُ تعتُّبي | عليك وقد أصبحتَ في الخلق مُرتَضى |
ظلمتُك بالشكوى وأنت انتعشتني | وألبستني ثوبَ الحياة مفضفضا |
وكم رمتُ حدّ السيف منك تسلُّطاً | عليك فلم تنقُضْ بيَ الكف مَنْقضا |
حياءً وحلماً واعتلاءً عن التي | يكون الجنى منها بناناً معضّضا |
وها أنا من ذنبي وعتبي تائبٌ | إلى سيدٍ كم غضَّ عني وغمّضا |
سأسْلم تفويضي إليك بأسره | ومثلي إلى عدلٍ كعدلك فوّضا |
وما زلتَ تسمو للعلا منك نظرة ٌ | إذا شئتَ كانت منك طرفاً مغضَّضا |
ودُونَكها من شاعرٍ لك شاكرٍ | وإن حرّك الخِيمَ الكريم وحضَّضا |
قديرٍ متى شاء الإبانَة نالها | وإن شاء تدقيقاً أدقّ وأغمضا |
إذا سُمته هجراً رأى بك راعياً | بصيراً بما يرعى أخلَّ وأحمضا |
وإن سُمته مطلاً رأى بك عارضاً | من الغيثِ ألقى بَرْكه وتمخَّضا |
وما ازدادَ فضلٌ فيك بالمدح شهرة ً | بل كان مثل المسك صادفَ مِخْوَضَا |
لك الذّكَرُ اللاتي هي الظُّهرُ كله | إذا ما فمٌ يوم بهنّ تمضمضا |
إذا حاضت الأفواه من مدح جاهلٍ | لئيمٍ فما أضحت بمدحك حُيَّضا |