أنشودةٌ للحبِّ
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
كان وراء البنت الطفلةِ | عشرةُ أعوامْ | حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ: | حنانك خذني | كن لي أنت الأبَ | كن لي الأمّ | وكن لي الأهلْ | وحدي أنا | لا شيء أنا | أنا ظلّ | وحدي في كون مهجور | فيه الحبُّ تجمّدْ | فيه الحسُّ تبلّدْ | وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو | للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ | للنطّ على الحبلِ | وللغوصِ بماءِ البركةِ | للّهو مع الأطفالْ | لتسلّق أشجارِ الدارْ | القمعُ يعذبني | والسطوة ترهبني | والجسم سقيمٌ منهار | أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ | أهتفُ | أرجُو | أتوسّل: | ظلّلني تحت جناحيكَ | أغثني | خذني من عشرة أعوامِي | من ظلمةِ أيامي خذنِي | وسّعْ لي حضنَك دَعْني | أتوسَّدُ صدرَك امنحني | أمنًا وسلام | يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ | وخلاص المنبوذين المحرومينْ | خذني! | خذني! | يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ | وراءَ العامِ وراءَ العامِ | الطفلةُ تكبَرُ والأنثى | وردةُ بستانْ | تتفتّح والأطيارُ تطوفْ | وتحوم رفوفًا حول الوردةِ | بعد رفوفْ | الزّمنُ الصعْبُ يصالحها | ومجالي الكوْن تضاحكها | والحبُّ يفيضُ عليها | من كلّ جهات الدنيا | ويطوّقها بتمائمه | ويباركها بشعائِرِه | ويساقيها من كوثرِهِ | ما أحلى الحبّ وما أبهاه! | الأنثى الوردةُ بعد سُراها | وتخبّطها في ليلِ متاههْ | تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ | تصير إلههْ | هالاتُ النورِ تتوّجُها | وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ | ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ! | فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي | تُمطر موسيقى وقصائدْ | وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ | الضوءَ على أملٍ واعدْ | ما أحلى الحبّْ! | تتفتح فيه عيون القلبْ | ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ | فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ | ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا | تبلغُهُ الأفهامْ | ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ! | كونٌ مكتملٌ ومعافى | لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ | يتناسق فيه العمرُ ويمسي | إيقاعًا كونيّ الأنغامْ | تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ) | تزهو بحوارٍ موصولٍ | حتى في الصمتْ | ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ! | يحيا بين يديْه رميمْ | تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ | فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ | بدقّاتِ القلبِ المبهورْ | لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا | بتوالي الأشهرِ والأعوامْ | ما أحلى الحبّْ! | |
اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (فدوى طوقان) .