غَادَاكِ مِنْ بَحْرِ الرَّوَاعِدِ مُسْبِلُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
غَادَاكِ مِنْ بَحْرِ الرَّوَاعِدِ مُسْبِلُ | وَسَقَتْكِ أَخْلاَفُ الْغُيُومِ الْحُفَّلُ |
وجرَتْ بلَيلِ الذَّيْلِ وانِيَة َ الخُطا | مِسْكِيّة َ النفَحاتِ فيكِ الشمْأَلُ |
للهِ ما حُمِّلْتِ من ثِقلِ الهوى | يومَ استقلَّ قَطينُكِ المُتحَمِّلُ |
وَلَطَالَمَا قَضَّى الشَّبَابُ مَآرِبِي | فيكِ اختِلاساً والحوادثُ غُفَّلُ |
أيامَ لا تُعصى الغَواية ُ في هوى | الْغِيدِ الْحِسَانِ وَلاَ تُطَاعُ الْعُذَّلُ |
والبِيضُ تَسْفِرُ لي فأصدِفُ مُعرِضاً | عَنْهَا وَتُنْجِزُنِي الْوُعُودَ فَأَمْطُلُ |
مَا خِلْتُ أَنَّ جَدِيدَ أَيَّامِ الصِّبَى | يَبْلَى وَلاَ أَنَّ الشَّبِيبَة َ تَنْصُلُ |
أَتَغَزُّلاً بَعْدَ الْمَشِيبِ وَصَبْوَة ً | سَفَهاً لِرَأْيِكَ شَائِباً يَتَغَزَّلُ |
هَيْهَاتَ مَا لِلْبِيضِ فِي وَدِّ کمْرِىء ٍ | إرْبٌ وَقَدْ وَلَّى الشَّبَابُ الْمُقْبِلُ |
أعرضْنَ لمّا أنْ رأَيْنَ بلِمَّتي | أمثالُهُنَّ وقُلنَ داءٌ مُعْضِلُ |
وَلَرُبَّ مَعْسُولِ الْمَرَاشِفِ وَاللِّمَى | مِنْ دُونِهِ سُمْرُ الذَّوَابِلِ تَعْسِلُ |
مُتقَلِّدٍ عَضْبَ المضاربِ خَصرُهُ | من حَدِّ مَضربِهِ أرَقُّ وأنحَلُ |
كالظبْيِ يومَ السِّلمِ وهْوَ لفَتْكِهِ | يَوْمَ الْوَغَى لَيْثُ الْعَرِينِ الْمُشْبِلُ |
نَادَمْتُهُ وَالصُّبْحُ مَا ذَعَرَ الدُّجَا | والليلُ في ثوبِ الشبيبة ِ يَرفُلُ |
وكأنَّ أَفرادَ النجومِ خَوامسٌ | تدنو لوِردٍ والمَجرَّة َ مَنهَلُ |
فأَدارَ خمرَ مراشفٍ ما زلتُ بالصَّهباءِ عن رَشَفاتِها أَتعَلَّلُ | ـصَّهْبَاءِ عَنْ رَشَفَاتِهَا أَتَعَلَّلُ |
مَشمولة ً ما فَضَّ طينَ خِتامِها | ساقٍ ولا أَنحى عليها مِبْزَلُ |
وَلَرُبَّ أَبْيَضَ صَارِمٍ مِنْ لَحْظِهِ | يُحْمَى بِهِ ثَغْرٌ لَهُ وَمُقَبَّلُ |
يُذْكي على قلبِ المُحبِّ رُضابُهُ | جمرَ الغَضا وهْوَ البَرُودُ السَّلْسَلُ |
لَقَدِ کسْتَرَقَّ لَهُ الْقُلُوبَ مُهَفْهَفٌ | من قَدِّهِ لَدْنٌ وطَرفٌ أكحَلُ |
يَا شَاكِي اللَّحَظَاتِ شَكْوى مُغْرَمٍ | يَلقاكَ وهْوَ من التجَلُّدِ أعزَلُ |
أَصْمَتْ لَوَاحِظُكَ الْمَقَاتِلَ رَامِياً | أَفَمَا يَدِقُّ عَلَى سِهَامِكَ مَقْتَلُ |
أغنَتْكَ عن حملِ السلاحِ ونَقلِهِ | نَجْلاَءُ أَمْضَى مِنْ ظُبَاكَ وَأَقْتَلُ |
لَوْلاَ نُصُولُ ذَوَائِبِي لَمْ تَلْقَنِي | مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ فِي الْهَوَى أَتَنَصَّلُ |
أمسَتْ تَلومُ على القناعة ِ جارة ٌ | سَمعي بوَقعِ مَلامِها لا يَحفِلُ |
عَابَتْ عَلَيَّ خَصَاصَتِي فَأَجَبْتُها | مِنَنُ الرِّجَالِ مِنَ الْخَصَاصَة ِ أَثْقَلُ |
قالتْ تنَقَّلْ في البلادِ فقَلّما | فَاتَ الْغِنَى وَالْحَظُّ مَنْ يَتَنَقَّلُ |
فالمرءُ تَحْقُرُهُ العيونُ إذا بدا | إعْسَارُهُ وَيُهَابُ وَهْوَ مُمَوَّلُ |
يا هذه إنَّ السؤالَ مَذَلّة ٌ | وَوُلُوجُ أَبْوَابِ الْمُلُوكِ تَبَذُّلُ |
كُفِّي المَلاَمَ فَكُلُّ حَظٍّ مُعْرِضٍ | عنّي بإقبالِ الخليفة ِ مُقبِلُ |
أَلمُستَضيءُ المُستَضاءُ بهَديِهِ | والساجِدُ المُتَهَجِّدُ المُتَبَتِّلُ |
أَلْمُسْتَجَابُ دُعاؤُهُ فَالْغَيْثُ مَا | قَنِطَ الثَّرى بدُعائِهِ يَتنزَّلُ |
أَلمُستَقِرُّ من الخلافة ِ في ذُرى ً | شَمّاءَ لا يَسْطِيعُها المُتَرَقِّلُ |
قَرْمٌ إذَا غَشِيَ الْوَغَى فَعِتَادُهُ | مَدْروبة ٌ زُرقٌ وسُمْرٌ ذُبَّلُ |
ومُطَهَّمٌ في السَّرْجِ منهُ هضبة ٌ | ومثهنّدٌ في الغِمدِ منهُ جدوَلُ |
ما رَدَّ يوماً سائلاً ولهُ سُطا | بأسٍ يُرَدُّ بها الخَميسُ الجَحفَلُ |
جَذلانُ يَكثُرُ في النَّدى عُذَّالُهُ | إنَّ الكريمَ على السَّماحِ مُعَذَّلُ |
يَعْفُو عَنِ الْجَانِي فَيُوسِعُ ذَنْبَهُ | عَفْواً وَيُعْطِي سَائِلِيهِ فَيُجْزِلُ |
جَارٍ عَلَى سُنَنِ النَّبِيِّ وَسُنَّة ِ | الْخُلَفَاءِ مِنْ آبَائِهِ تُتَقَبَّلُ |
عن جُودِهمْ رُوِيَتْ أحاديثُ النَّوى | وبفضلِهمْ نطقَ الكتابُ المُنزَلُ |
لا يُرتَضى عملٌ بغيرِ وَلائهمْ | فيهمْ تَتِمُّ الصالحاتُ وتَكمَلُ |
إنْ كُنْتَ تُنْكِرُ مَأْثُرَاتِ قَدِيمِهِمْ | فاسأَلْ بها "يا أيها المُزَّمِلُ" |
شرَفاً بني العباسِ شادَ بناءَهُ | لَكُمُ فَأَعْلاَهُ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ |
مَا طَاوَلَتْكُمُ فِي الْفِخَارِ قَبِيلَة ٌ | إلاَّ وَمَجْدُكُمْ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ |
شَرَّفْتُمُ بَطْحَاءَ مَكَّة َ فَکغْتَدَتْ | بِكُمُ يُعَظَّمُ قَدْرُهَا وَيُبَجَّلُ |
أنتمْ مصابيحُ الهُدى والناسُ في | طرُقِ الجهالة ِ حائرُ ومُضَلَّلُ |
فَکسْلَمْ أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ مُشَيِّداً | مَا شَيَّدُوا وَمُؤَثِّلاً مَا أَثَّلُوا |
يَلْقَى الأَمَانَ عَلَى حِيَاضِكَ وَالأَمَا | ني في جَنابِكَ خائفٌ ومُؤَمِّلُ |
إنْ فَاضَ سَيْبُكَ فَالْبُحُورُ جَدَاوِلٌ | أَوْ صَابَ غَيْثُكَ فَالْغَمَامُ مُبَخَّلُ |
أو راعَنا جَدبٌ فجُودُكَ مَورِدٌ | أو غالَنا خَطبٌ فبأسُكَ مَعقِلُ |
سُسْتَ الأنامَ بسِيرة ٍ ما سارَها | فِي النَّاسِ إلاَّ جَدُّكَ الْمُتَوَكِّلُ |
لا حُرمة ُ الدينِ الحنيفِ مُضاعة ٌ | كلاّ ولا حقُّ الرعايا مُهمَلُ |
هذَّبْتَ أخلاقَ الزمانِ وطالما | كَانَتْ حَوَادِثُهُ تُسِيءُ وَتَجْهَلُ |
وعمَمْتَ وغَمامُ جُودِكَ مُسْبِلٌ | أنْ لا يَصوبَ بها الغَمامُ المُسبِلُ |
وبمدحِهِ مِيزانُ أعمالي إذا | خفَّتْ موازينُ القيامة ِ تَثْقُلُ |
كُنْ لي بطَرفِكَ راعياً يا من لهُ | طَرْفٌ بِرَعْيِ الْعَالَمِينَ مُوَكَّلُ |
فَاللَّهُ نَاصِرُ مَنْ نَصَرْتَ وَذَائِدٌ | عمَّنْ تَذُودُ وخاذلٌ من تَخذُلُ |
حَلَّلْتَنِي مِنْ جُودِ كَفِّكَ أَنْعُماً | تَضفو ملابِسُها عليَّ وتَفْضُلُ |
وفتحْتَ بابَ مكارمٍ ألفَيْتُهُ | في عصرِ غيرِكَ وهْوَ دوني مُقفَلُ |
وَوَقَفْتَ مِنْ شَرَفِ الْخِلاَفَة ِ مَوْقِفاً | مِنْ دُونِهِ سِتْرُ النُّبُوَّة ِ مُسْبَلُ |
وَرَأَيْتُ مِنْ حُسْنِ کخْتِيَارِكَ مَنْظَراً | عجَباً تَحارُ لهُ العقولُ وتَذهَلُ |
دَارَاً رَفَعْتَ بِنَاءَهَا وَوَضَعْتَهَا | لِلْجُودِ فَهْيَ لِكُلِّ رَاجٍ مَؤْئِلُ |
دَاراً أَقَامَ بِهَا السُّرُورُ فَمَا لَهُ | عن أهلِها عمْرَ الزمانِ تَرَحُّلُ |
يُغْضي لعِزَّتِها النواظرَ هَيبة ً | فيَرُدُّ عنها طرفَهُ المُتَأَمِّلُ |
حَسَدَتْ مَحَلَّتَهَا النُّجُومُ فَوَدَّ لَوْ | أَمسى يُجاوِرُها السِّماكُ الأعزَلُ |
ورفَعْتَها عن أنْ تُقبِّلَ منْ بها | شَفَة ٌ فَأَضْحَتْ بِالْجِبَاهِ تُقَبَّلُ |
هيَ ملجَأٌ للخائفينَ وعِصمة ٌ | ومُعَرَّسٌ للطالبينَ ومَنزِلُ |
غَنِيَتْ عَنِ الأَنْوَاءِ أَنْ تَغْشَى لَهَا | رَبْعاً وَفِيهَا الْعَارِضُ الْمُتَهَلِّلُ |
تُزهى على أخَواتِها فكأنّها | أَدْمَاءُ مِنْ ظَبَيَاتِ وَجْرَة َ مُغْزِلُ |
فَاتَ الأَوَائِلَ شَأْوُهَا فَلَوِ کحْتَبَتْ | في آلِ حربٍ لادَّعاها الأخطَلُ |
تَمْشِي وَلِلأَغْرَاضِ مِنْهَا صَارِمٌ | عَضْبٌ وللأحسابِ منها صَيْقَلُ |
مِدَحاً يُخَيِّرُهَا لِعِزِّ جَلاَلِكُمْ | عَبْدٌ لَهُ حُرُّ الْكَلاَمِ مُذَلَّلُ |
إنْ كانَ للشُّعراءِ من تَيّارِها | وَشَلٌ فَلِي مِنْهَا سَحَائِبُ هُطَّلُ |