وفَى ليَ فيكَ الدمعُ إذ خانني الصبرُ،
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
وفَى ليَ فيكَ الدمعُ إذ خانني الصبرُ، | وأنجَدَ فيكَ النّظمُ إذ خُذِلَ النّصرُ |
وأضحتْ تقولُ الناسُ والدستُ والعلى : | كذا فليجلّ الخطبُ وليفدحِ الأمرُ |
توفيتِ الآمالُ بعدَ محمدٍ، | وأصبحَ في شغلٍ عن السفرِ السفرُ |
وزالتْ حصاة ُ الحلمِ عن مستقرّها، | وأصبحَ كالخنساءِ في قلبهِ صخرُ |
وساوَى قلوبَ النّاسِ في الحُزنِ رزؤه | كأنّ صدورَ الناسِ في حزنِها صدرُ |
فإن أظلمتْ أرضُ الشآمِ لحزنهِ، | فلَم يَخلُ من ذاكَ الصّعيدُ ولا مصرُ |
قضَى الناصرُ السلطانُ من بعدِ ما قضَى | فروضَ العُلى طُرّاً، وسالمَهُ الدّهرُ |
ولم يُغنِ عنه الجأشُ والجيشُ واللُّهَى | وفرطُ النُّهَى والحكمُ والنّهيُ والأمرُ |
ولا الخَيلُ تَجري بينَ آذانِها القَنا، | لحربِ العدى والدُّهمُ من دمهم حمرُ |
لدى معركٍ خاضتْ به الخيلُ في الوغى | من الدّمِ فيما خاضتِ البيضُ والسمرُ |
كأنْ لم يَقُدها في الهِياجِ عَوابِساً، | بكلّ كَميٍّ ضمّ في قَلبِهِ الصّدرُ |
ولم ترجعِ البيضُ الصفاحُ من العدى | مُخَضَّبَة ً، والبَرّ من دَمِهمْ بحرُ |
ولم يتركِ الأبطالَ صرعَى ، وغسلُها | دماها، وأحشاءُ النسورِ لها قبرُ |
ولا صَنَعَتْ فيها ظُباهُ مآدِباً، | فأصبحَ من أضيافهِ الذئبُ والنسرُ |
ولا أخذَتْ منهُ الملوكُ لسلِمِه | زِمامَ الرّضَى ممّا يُقَلِقِلُها الذعرُ |
ولا مهدَ الإسلامُ عندَ أضطرابِهِ، | فأصبحَ مشدوداً بهِ ذلك الأزرُ |
ولا قلدَ الأعناقَ من فيضِ جودِه، | قلائدَ برٍّ لا يقومُ بها الشكرُ |
ولا جَبَرَتْ كَفّاهُ في كلّ بلدَة ٍ | كَبيرَ كِرامٍ ما لكَسرِهمُ جَبرُ |
ألا في سبيلِ المجدِ مهجة ُ ماجدٍ | يُشارِكُنا في حُزنِهِ المَجدُ والفَخرُ |
كَريمٌ أفادَ الدّهرُ منهُ خَلائِقاً، | فأيّامُهُ منهُ مُحَجَّلَة ٌ غُرّ |
يروعُ جيوشَ الحادثاتِ يراغُهُ، | ويُفني الأعادي قَبلَ أسيافِهِ الذّكرُ |
إلى بابهِ تسعَى الملوكُ، فإن عدتْ | تعدّى إليها القتلُ والنهبُ والأسرُ |
لقدْ شهدتْ أهلُ الممالكِ أنّهُ | مَليكٌ لهُ مِن فوْقِ قَدرِهمُ قَدْرُ |
قويُّ إذا لانوا، سريعٌ إذا ونوا، | صَؤولٌ إذا كَرّوا، ثَبوتٌ إذا فرّوا |
كأنّ أديمَ الرضِ قدَّ من اسمهِ، | فَما وُجِدتْ إلاّ وفيها لهُ ذِكرُ |
يجولُ ثناهُ في البلادِ كأنّه | وشاحٌ، ومجموع القاعِ له خصرُ |
وما كان يدري من تيممَ جودهُ | ونكبَ لجَّ البحرِ أيهما البحرُ |
مَفاتحُ أرزاقِ العِبادِ بكَفّهِ، | فيُمنى بها يُمنٌ، ويُسرَى بها يُسرُ |
فتًى كانَ مثلَ الدّهرِ بَطشاً وبَسطة ً، | يُرَجّى ويُخشَى عندَهُ النّفعُ والضّرّ |
فتًى طبقَ الأرضَ البسيطة َ جودهُ، | ففي كلّ قطرٍ من نداهُ بها قطرُ |
فتًى لَفظُهُ مع رأيِهِ ونَوالِهِ، | يجيءُ ارتجالاً لا يغلغلهُ الفكرُ |
فتًى يَكرَهُ التّقصِيرَ حتّى تظُنَهُ، | يكونُ حراماً عندهُ الجمعُ والقصرُ |
فتى ً ذخرَ الحسنى ، فأعقبَ فعلهُ | عواقبَهُ الحُسنى ، فقد نفَعَ الذّخرُ |
طواهُ الثّرى من بعدِ ما شَرُفَ الثّرَى | بوَطأتِهِ، والتّختُ والدّستُ والقصرُ |
لوم نرَ بدراً قبلهُ غابَ في الثّرى ، | ولم نَرَ طَوداً قَبلَهُ ضَمّهُ القَبرُ |
وقد كان بطنُ الأرضِ يغبطُ ظهرَها | عليه، فأمسَى البَطنُ يَحسدُهُ الظّهرُ |
أحاطَ بهِ الآسونَ يبغونَ طبّهُ، | وقد حارَتِ الأفهامُ واشتغَلَ السّرّ |
وراموا بأنواعِ العقاقيرِ برأهُ، | وهل يُصلحُ العطّارُ ما أفسدَ الدّهرُ |
وكيفَ يردّ الطّبُّ أمراً مُقَدَّراً، | إذا كانَ ذاكَ الأمرُ ممّنْ لهُ الأمرُ |
ومما يسلّي النفسَ حسنُ انتقالِه، | عفيفَ إزارٍ لا يناطُ بهِ وزرُ |
وإنّ لنا من بحدِهِ من سليلهِ | مليكاً بهِ عن فقدهِ يحسنُ الصبرُ |
فإنْ غابَ ذاكَ البَدرُ عن أُفقٍ مُلكِهِ | فقد أشرَقتْ من نجلِهِ أنجمٌ زُهرُ |
وسرّ العُلى ما أسمعَ الناسُ عنهمُ، | وقالَ الوَرى قد صَدّقَ الخبرَ الخُبرُ |
فإنْ فلتِ الأيامُ حدّ محمدٍ، | فقد جَرّدَتْ سَيفاً به يُدرَكُ الوِترُ |
وإن أحدثتْ بالناصرِ الملكِ زلَّة ً، | فبالملك المَنصورِ قامَ لها العُذرُ |
فيا دوحة َ المجدِ الذي عندما ذوتْ | سمَتْ ونمتْ في المجدِ أغصانُها لكَ |
لكَ اللهث كم قلدتنا طوقَ منة ٍ، | فتلكَ كعدّ القطرِ ليسَ لهُ حصرُ |
لقد عزّ فينا بعدَ وجدانِكَ الغنى ، | كما ذلّ فينا قبلَ فقدانِكَ الفقرُ |
ترتبتِ الأحزانُ فيكَ مراتباً | بقلبي، ورقمُ الصبرِ من بينِها صفرُ |
ولمّا نَظَمتُ الشّعرَ فيكَ قَلائِداً، | تمنتْ نجومُ الليلِ لو أنّها شعرُ |
سأبكيكَ بالأشعارِ، حتى إذا وهتْ | سلوكُ عقودِ النظمِ أنجدني النثرُ |
عليكَ سَلامُ اللَّهِ ما ذُكِرَ اسمُكم، | وذلكَ بَينَ النّاسِ آخرُهُ الحَشرُ |