قد خُصَّ بالفضلِ قطليجا وأيدمرُ
مدة
قراءة القصيدة :
11 دقائق
.
قد خُصَّ بالفضلِ قطليجا وأيدمرُ | وطابَ منه ومنكَ الأصْلُ والثَّمَرُ |
بحرانِ لو جادَبحرٌ مثل جودهما | بيعتْ بأرخصَ من أصدافها الدررُ |
لله دَرُّكَ عِزَّ الدِّين لَيْثَ وَغًى | لهُ من البيضِ نابٌ والقنا ظفرُ |
ألقى الإلهُ على الدنيا مهابتهُ | فالبِيضُ تَرْعُدُ خوفاً منه والسُّمُرُ |
أريتنا فضل شمس الدين منتقلاً | إليكَ منه وصحَّ الخُبْرُ والخَبَرُ |
إنْ تُحْي آثارَهُ مِنْ بعْدِ ما درسَتْ | فإنَّكَ النِّيلُ تُحْيِي الأرضَ والمَطرُ |
وإنْ تَكُنْ أنتَ خيرَ الوارثينَ لهُ | فما يُنازِعْكَ في ميراثِهِ بَشَرُ |
وإنْ تَكُنْ في العُلا والفَضْلِ تَخْلُفُهُ | فالشمسُ يَخْلُفُها إنْ غابَتِ القَمَرُ |
أخجلتَ بالحلمِ ساداتِالزمانِ فلمْ | يَعْفُوا كَعَفْوِكَ عَنْ ذَنْبٍ إذا قَدرُوا |
وَلمْ تَزَلْ تَسْتُرُ العَيْبَ الذي كَشَفُوا | ولم تَزَلْ تَجْبُرُ العَظْمَ الذي كَسَرُوا |
لوْ أنَّ ألْسِنَة َ الأيامِ ناطِقَة ٌ | أثْنَتْ علَى فَضْلِكَ الآصالُ والبُكَرُ |
شَرَعْتَ للنَّاسِ طُرْقاً ما بها عَجَرٌ | يخافُ سالكها فيها ولا بُجَرُ |
لو يستقيمُ عليها السالكون بها | كما أمرتَ مشتْ مشى المها الحمرُ |
أكرمْ بأيدمرَ الشمسيِّ من بطلٍ | بِذِكْرِهِ في الوَغَى الأبطَالُ تَفْتَخِرُ |
تخافُ منه وترجوهُ كما فعلتْ | في قلبِ سامعها الآياتُ والسُّوَرُ |
مَعْنَى الوجودِ الذي قامَ الوجودُ به | وهلْ بِغَيرِ المَعاني قامتِ الصُّوَرُ؟ |
بنانهُ من نداهُ الغيثُ منسكبٌ | وسَيْفُهُ مِنْ سُطاهُ النارُ تسْتَعِرُ |
نَهَتُه عَنْ لَذَّة ِ الدُّنْيا نَزَاهتُهُ | وَشَرَّدَ النَّوْمَ مِنْ أجفانِهِ السَّهَرُ |
وليسَ يُضْجِرُهُ قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ | وكيفَ يُدْرِكُ مَن لا يَتْعَبُ الضَّجَرُ |
يُمْسِي ويُصْبِحُ في تَدْبيرِ مَمْلَكة ٍ | أعيا الخلائقَ فيها بعضُ مايزرُ |
يكفيه حملُ الأماناتِ التي عرضتْ | على الجِبالِ فكادَتْ منه تَنْفَطِرُ |
خافَ الإلهُ فخافَتْهُ رَعِيَّتُهُ | والمَرءُ يُجْزَى بما يأتي وما يَذَرُ |
واخْتارَهُ مَلكُ الدُّنيا لِيَخْبُرَهُ | في ملكه وهو مختارٌ ومختبرُ |
فَطَهِّرَ الأرضَ مِنْ أهْلِ الفسادِ فلا | عَيْنٌ لهُمْ بَقِيَتْ فيها ولا أثَرُ |
ودَبَّر المُلْكَ تَدْبيراً يُقَصِّرُ عنْ | إدراكِ أيسرهِ الأفهامُ والفكرُ |
وحينَ طارت إلى الأعداءِ سُمْعَتُه | ماتَ الفرنجُ بداء الخوف والترُ |
فما يبالي بأعداءٍ قلوبهمُ | فيها تَمَكَّن منهُ الخوفُ والذُّعُرُ |
وكل أرضٍ ذَكَرْناهُ بها غَنِيَتْ | عَنْ أنْ يُجَرَّدَ فيها الصارِمُ الذَّكَرُ |
فلَوْ تُجَرَّدُ مِنْ مِصرٍ عَزائُمهُ | إلأى العدا بطلَ البيكارُ السفرُ |
في كلِّ يومٍ ترى القتلى بصارمهِ | كأَنَّما نُحِرتْ في مَوسِمٍ جُزُرُ |
كأنَّ صارمهُ في كلِّ معتركٍ | نذيرُ موتِ خلتْ من قبلهِ النُذُرُ |
شكراً له من وليٍّ في ولا يتهِ | معنى كرامته للناس مشتهرُ |
عَمَّ الرَّعِيَّة َ والأجْنادَ مَعْدَلَة ً | فما شكا نفراً من عدلهِ نفرُ |
وسرَّ أسماعهمْ منهُ وأعينهم | وَجْهٌ جَميلٌ وذِكْرٌ طَيِّبٌ عَطِرُ |
تَأرَّجَتْ عَنْ نَظِيرِ المِسْكِ نَظْرَتُهُ | كما تأرجَ عن أكمامهِ الزهرُ |
مِنْ مَعْشَرٍ في العُلا أوْفَوْا مُهُودَهُمُ | وليسَ مِنْ مَعْشَرٍ خانُوا ولا غَدَرُوا |
تُرْكٌ تَزيَّنَتِ الدُّنيا بِذِكْرهِمُ | فهم لها الحلى ُ إن غابوا وإن حضروا |
حَكَتْ ظواهرُهمْ حُسْناً بواطِنَهُمْ | فهُمْ سواءٌ أسَرُّوا القوْلَ أوْ جَهَروا |
بِيضُ الوجوهِ يَجُنُّ اللَّيْلُ إنْ رَكِبُوا | إلى الوغَى ويُضِيءُ الصُّبْحُ إنْ سَفَرُوا |
تَسْعَى لأبْوَابِهمْ قُصّادُ ما لهمْ | وجاههم زمراً في إثرها زمرُ |
تسابقوا في العلا سبقَ الجيادِ لهم | من الثناء الحجول البيض والغررُ |
وكل شيء سمعنا من مناقبهم | فمن مناقب عز الدين مختصرُ |
مولى ً تلذ لنا أخبارُ سؤددهِ | كأنَّ أخبارهُ من حسنها سمرٌ |
فلَوْ أدَارَتْ سُقاة ُ الرَّاحِ سِيرَتَهُ | عَلَى النَّدَامى وحَيَّوْهُمْ بها سكِرُوا |
يا حُسْنَ ما يَجْمَعُ الدُّنيا ويُنْفِقُها | كالبَحْرِ يَحْسُنُ منه الوِرْدُ والصَّدَرُ |
لكل شرطٍ جزاءٌ من مكارمهِ | وكلُّ مبتدأ منها له خبرُ |
فما نَظَمْتُ مدِيحاً مُبْتَكَراً | إلا أتاني جودٌ منه مبتكرُ |
صَدَقْتُ في مَدْحِهِ فازْدادَ رَوْنَقُهُ | فما على وجهه من ريبة ٍ قترُ |
ومَنَ أعانَ أُولِي الطاعاتِ شَارَكَهُم | فسَلْهُمُ عنْهُ إنْ قَلُّوا وإنْ كثُرُوا |
لِذاكَ أثْنَوا عليه بالذِي عَلِمُوا | خيراً فياحسنَ ما أثنوا وما شكروا |
قالوا وجَدْناهُ مِثْلَ الكَرْمِ في كَرَمٍ | يَفِيءُ منه علينا الظِّلُّ والثّمَرُ |
ومايزالُ يُعينُ الطائعينَ إذا | تطوعوا بجميلٍ ، أو إذا نذروا |
ومن أعاَ أولي الطاعاتِ شاركهم | في أجْرِ ما حَصَرُوا منه وما تَجَرُوا |
فما أتى الناسُ من فرضٍ ومن سننٍ | ففي صحيفتهِ الغَرَّاء مستطرُ |
فحجَّ وهو مقيمٌ والحجازُ به | قومٌ يقيمونَ لاحجُّوا ولا اعتمروا |
وجاهدتْ في سبيل اله طائفة ٌ | وخَيْلُها منه والهِنْدِيّة ُ البُتُرُ |
وأطعمَ الصائمين الجائعين ومن | فرطِ الخصاصة في أكبادهم سعرُ |
ولم تفتهُ من الأوراد ناشئة ٌ | فيما يقولُ وَلا عِيٌّ وَلا حصَرُ |
يَطْوِي النَّهارَ صِياماً وهْوَ مُضطَرِمٌ | وَاللَّيلَ يَطْوي قِياماً وهوَ مُعْتَكِرُ |
ومالُهُ في زَكاة ٍ كلُّهُ نُصُبٌ | لا الخُمْسُ فيه لَهُ ذِكْرٌ ولا العُشْرُ |
أعمالهُ كلها لله خالصة ٌ | ونُصْحُهُ لم يُخالِط صَفْوَهُ كَدَرُ |
كم عادَ بغيٌ على قومٍ عليه بغوا | وحاقَ مَكْرٌ بأَقوامٍ به مَكَرُوا |
لَمْ يَخْفَ عَنْ علْمِهِ في الأرضِ خافِيَة ٌ | كأنَّهُ لِلْوُجُودِ السَّمْعُ والبَصَرُ |
فلا يظنُّ مريبٌ من جهالتهِ | بأنَّ في الأرضِ شيءٌ عنه يَسْتَتِرُ |
عصتْ عليه أناسٌ لاخلاقَ لهم | الشُّؤمُ شِيَمَتُهُمْ واللُّؤمُ والدَّبَرُ |
تلثموا ثم قالوا: إننا عربٌ | فقلتُ لاعربٌ أنتمولا حضرُ |
ولا عُهُودَ لكُمْ تُرْعَى ولا ذِمَمٌ | ولا بُيُوتُكمُ شَعْرٌ ولا وَبَرُ |
وَأيُّ بَرِّيَّة ٍ فيها بُيُوتُكمُ | وهل هي الشعرُ قولوا لي أم المدرُ؟ |
وَليسَ يُنْجِي امْرأ رامُوا أذِيَّتَهُ | منهمْ فِرارٌ فقُلْ كَلاَّ ولا وَزَرُ |
يَشْكُو جميعُ بني الدُّنيا أذِيَّتَهُمْ | فهمْ بِطُرْقِهِم الأحجارُ والحُفَرُ |
يَرَوْنَ كلَّ قَبِيحٍ منْهُمُ حَسَناً | ولم يبالوا ألام الناس أم عذروا؟ |
مِنْ لُؤمِ أحْسابِهِمْ إنْ شاتَمُوا رَبِحُوا | ومن حقارتهم إن قاتلوا خسروا |
لَمَّا عَلِمْتَ بأَنَّ الرِّفْقَ أَبْطَرَهُم | والمفسدون إذا أكرمتهم بطروا |
زجرتهم بعقوباتٍ منوعة ٍ | وفي العقوباتِ لِلطاغينَ مُزْدَجَرُ |
كأَنهم أقْسَمُوا بالله أنهمُ | لا يَتْركونَ الأذى إذَا قُهِرُوا |
فَمَعْشَرٌ رَكِبُوا الأوْتادَ فانقطعَتْ | أمعاؤهم فتمنوا أنهم نُحروا |
ومعشرٌ قطعتْ أوصالهم قطعاً | فما يُلَفِّقُها خَيْطٌ ولا إبَرُ |
ومعشرٌ بالظبا طارت رؤوسهم | عن الجسومِ فقلنا إنها أكرُ |
ومعشرٌ وُسِّطوا مثل الدلاءِ ولم | تربط حبالٌ بها يوماً ولا بكرُ |
ومعشرٌ سُمِّروا فوق الجيادِ وقد | شدت جسومهم الألواح والدسرُ |
وآخَرُونَ فَدَوْا بالمالِ أنْفُسَهُمْ | وقالتِ الناسُ خيرٌ من عمى ً عورُ |
موتاتُ سوءٍ تلقوها بما صنعوا | ومن وراءِ تلقيهم لها سقرُ |
وَقد تَأَدَّبَتِ المُسْتَخْدَمون بهم | والغافلون إذا ما ذُكِّروا ذَكروا |
فَعَفَّ كلُّ ابنِ أنْثَى عَنْ خِيانتِه | فَلمْ يَخُنْ نفسَهُ أُنْثَى وَلا ذَكَرُ |
إن كان قد صلحت من بعد مافسدت | أحوالهم بكَ إن الكسرَ ينجبرُ |
لولاكَ ما عدلوا من بعدِ جورهمُ | على الرعايا ولا عفُّوُّا ولا انحصروا |
ولا شكرتهم من بعد ذمهم | كأنهم آمَنُوا مِنْ بعْدِما كَفَرُوا |
وكنتُ وصَّيتهمْ أن يحذروك كما | وصَّى الحكيمُ بَنيهِ وَهْوَ مُحْتَضَرُ |
وقلتُ لا تَقْرَبوا مالاً حَوَتْ يَدُهُ | فالفَخُّ يَهْرُبُ منه الطائرُ الحَذِرُ |
وحاذِرُوا معه أنْ تَرْكَبُوا غَرَراً | فليس يحمد من مركوبه الغررُ |
ولا تصدوا لما لم يرضَ خاطرهُ | إنَّ التَّصَدِّي لما لمْ يَرْضَهُ خَطَرُ |
فبان نصحي لهم إذ مات ناظرهم | وقد بدت للورى في موته عِبَرُ |
مُقَدَّماتٌ: أماتاهُ وأقْبَرَهُ | مشاعليان ماأدوا ولا نصروا |
وجرَّسوهُ على النعشِ الذي حملوا | مِنَ الفِراشِ إلى القَبْرِ الذي حَفَرُوا |
ياسوءَ ماقرءوا من كلِّ مخزية ٍ | عَلَى جِنَازَتِهِ جَهْراً وما هَجَرُوا |
وكبَّروا بعد تصغيرٍ جرائمهُ | وَقَبَّحُوا ما طَوَوْا منها وما نَشَروا |
وكان جمَّع أموالاً وعدَّدها | |
كما يزول بحلق العانة الشعرُ | |
وراحَ من خدمة ٍ صفرَ اليدينِ فقلْ | للعاملين عليها بعدهُ عبروا |
إذا تَفَكَّرْتَ في المُسْتخْدَمينَ بدَا | منهم لِعَيْنَيْكَ ما لم يُبْدِهِ النَّظَرُ |
ظَنُّوهُمُ عَمَرُوا الدُّنيا بِبَذْلِهمُ | وإنما خرَّبوا الدنيا وماعمروا |
فطهِّرِ الأرضَ منهمْ إنهمْ خَبَثٌ | لو يغسلونهم بالبحر ما طهروا |
نِيرانُ شَرٍّ كَفانَا الله شرَّهمُ | لايرحمونَ ولا يبقون إن ظفروا |
فاحْذَرْ كِبارَ بَنِيهمْ إنهمْ قُرُمٌ | وَاحْذَرْ صِغارَ بَنِيهمْ إنهم شَرَرُ |
فالفيلُ تَقْتُلُهُ الأفْعَى بِأصْغَرِها | فيها ولم تخشَهُ منْ سِنِّها الصِّغَرُ |
واضربهم بقناً مثل الحديدِ بهم | فليسَ من غيرِ ضَرْبٍ يَنْفَعُ الزُّبُرُ |
ولا تَثِقْ بِوَفاءٍ مِنْ أخِي حُمُقٍ | فالحمقُ داءٌ عياءٌ برؤه عسرُ |
مِنْ كلِّ مَنْ قَدْرُهُ في نَفْسِهِ أبَداً | مُعَظَّمٌ وَهُوَ عند الناسِ مُحْتَقَرُ |
يَصدُّ عنكَ إذا استغنى بجانبه | ولا يزوركَ إلا حين يفتقرُ |
كأنه الدَّلْوُ يعلو حينَ تَمْلَؤُهُ | ماءً ويُفْرِغُ ما فيهِ فَيَنْحَدِرُ |
وَالدَّهْرُ يَرْفَعُ أطْرَافاً كما رَفَعَتْ | أَذْنَابَها لِقَضاءِ الحاجَة البَقَرُ |
حسبُ المحلة ِ لما زال ناظرها | أن زال مذ زال عنها البؤس والضررُ |
وَأنَّ أعْمالَها لمَّا حَلْلتَ بها | تغارُ من طيبها الجناتُ والنهرُ |
وأهلها في أمانٍ من مساكنها | من فوقهم غرفٌ من تحتهم سررُ |
ملأتَ فيها بيوتَ المال من ذهبٍ | وَفِضَّة ٍ صُبَراً يَا حَبَّذا الصُّبَرُ |
وَالمالُ يُجْنَى كما يُجْنَى الثمارُ بها | حتى كأنَّ بَنِي الدُّنيا لها شَجَرُ |
وتابعت بعضها الغلات في سفرٍ | بعضاً إلى شُوَنٍ ضاقَتْ بها الخُدُرُ |
وَسِقَتْ الخيْلُ لِلأبْوَابِ مُسْرَجَة ً | لَمْ تُحْص عَدّاً وتُحْصَى الأنجُمُ الزُّهُرُ |
والهجنُ تحسبها سحباً مفوَّفة ً | في الحقِّ منها فضاءُ الجوِّ منحصرُ |
وكلُّ مقترحٍ مادارَ في خلدٍ | يأتي إليكَ به في وقتهِ القدرُ |
وما هممتَ بأمرٍ غير مطلبهِ | إلاَّ تيَّسرَ من أسبابهِ العسرُ |
والعاملون على الأموال ما علموا | مِنْ أيِّ ما جهة ٍ يأْتي وما شعَرُوا |
وما أرى بيت مالِ المسلمين درى | مِنْ أينَ تأتي لهُ الأكياسُ والبِدَرُ |
هذا وما أحَدٌ كلَّفْتَهُ شَطَطاً | بما فعلتَ كأن الناسَ قد سُحروا |
بلْ زَادَهمْ فيكَ حُبّاً ما فَعَلتَ بهِمْ | مِنَ الجمِيلِ وَذَنْبُ الحُبِّ مُغْتَفَرُ |
فإنْ شَكَوْا بِغْضَة ً مِمَّنْ مَضَى سَلَفَتْ | فما لقلبٍ على البغضاءِ مصطبرُ |
فالصبر من يدِ من أحببتهُ عسلٌ | وَالشَّهْدُ مِنْ يَدِ مَنْ أبغَضْتَهُ صَبرُ |
لقد جُبِلْتَ عَلَى عَدْلٍ وَمعْرِفَة ٍ | سارت بفضلهما الأمثال والسِّيَرُ |
فما حَكَمْتَ بمَكْروهٍ عَلَى أحَدٍ | حُكماً يخالفهُ نصٌ ولا خبرُ |
رزقتَ ذرية ً ضاهتكَ طيبة ً | مِنْ طِينَة ٍ غارَ منها العَنْبَرُ العَطِرُ |
فليَنْهِكَ اليوَمَ منها الفضلُ حين غَدا | دين الإلهِ بسيف الدين منتصرُ |
عَلَى صفاتِكَ دَلَّتْنا نَجابَتُهُ | وبان من أين ماء الوردِ يعتصرُ |
ميزانهُ في التقى ميزانُ معدلة ٍ | وَحِكْمة ٍ لا صَغًى فيها وَلا صِغَرُ |
مَشَى صِرَاطاً سَوِيّاً مِنْ دِيانَتِهِ | فما يزال بأمر الله يأتمرُ |
تُرْضِيكَ في الله أعْمالٌ وَتُغْضِبُهُ | وما بدا لي أمرٌ منكما نكرُ |
قالت لي الناسُ ماذا الخُلفُ؟ قلت لهم: | كما تَخَالَفَ موسى قَبْلُ والخَضِرُ |
أما عصى أمرموسى عند سفك دمٍ | مافي شريعة ِ موسى أنه هدرُ |
وقد تعاطى ابن عفانٍ لأسرتهِ | وما تعاطى أبو بكرٍ ولا عمرُ |
ولَنْ يَضِيرَ أُولي التَّقْوَى اختلاَفُهُمْ | وهم على فِطْرة ِ الإسلامِ قد فُطِرُوا |
مشمِّرٌ في مراعي الله مجتهدٌ | وبالعفافِ وتقوى الله مؤتزرُ |
وقعتُ بين يديه من مهابتهِ | وقالتِ الناسُ ميتٌ مسَّهُ كبرُ |
وَقَصَّرَتْ كلماتي عَنْ مَدَائحِه | وقد أتيتُ من الحالين أعتذرُ |
فاقبل بفضلك مدحاً قد أتاك به | شيخٌ ضعيفٌ إلى تقصيره قصرُ |
فما على القوسِ من عيبٍ تعابُ به | إنِ انْحَنَتْ واستقامَ السَّهْمُ والوتَرُ |
وَالْبَسْ ثَنَاءَ أجَادَتْ نَسْجَهُ فِكَرٌ | يَغارُ في الحُسْنِ منه الوَشْيُ والحِبَرُ |
مِنْ شاعرٍ صادقٍ ما شانهُ كَذبٌ | |
يَهيم في كلِّ وَادٍ منْ مدائِحِه | على معانٍ أضلت حسنها الفكرُ |
لا يَنْظِمُ الشِّعْرَ إلاَّ في المَدِيحِ ومَا | غيرُ المديحِ له سؤالٌ ولا وطرُ |
ماشاقهُ لغزالٍ في الظبا غزلٌ | ولا لغانية ٍ في طرفها حورُ |
مديحهُ فيك حرٌّ ليس يملكهُ | منَ الجَوائزِ أثمَانٌ وَلا أُجَرُ |
إنَّ الأديبَ إذا أهْدَى كَرَائِمَهُ | فقصدهُ شرفُ الأنسابِ لا المهرُ |
تَبّاً لِقَومٍ قد اسْتَغنَوْا بما نَظَمُوا | من امتداح نبي الدنيا ومانثروا |
فلو قفوت بأخذ المالِ إثرهم | لَعَوَّقَتْني القَوافي فيكَ والفِقَرُ |
خير من المالِ عندي مدحٌ ذي كرم | ذكري بمدحي له في الأرض ينتشرُ |
فالصفرُ من ذهبٍ عندي وإن صفرتْ | يدي وإن غنيتْ سيانِ والصفرُ |
بقيتَ ماشئتَ فيما شئتَ من رتبٍ | عليَّة ٍ عمرُ الدنيا بها عمروا |
وَبَلَّغَتْكَ اللَّيالي ما تُؤَمِّلُهُ | ولا تعدت إلى أيامك الغيرُ |
وَقد دَعتْ لكَ منّي كلُّ جَارِحَة ٍ | وبالإجابَة ِ فَضْلُ الله يُنْتَظَرُ |