ذُدْ عن مواردِ أدْمُعي طيرَ الكرى
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
ذُدْ عن مواردِ أدْمُعي طيرَ الكرى | وأعِدْ بنارِ الوجدِ ليلِيَ نيّرا |
وأصِخْ وطارِحني الشجونَ وغنّني | بهمُ ونازعني أفاويق السُّرَى |
ريحانها ذكرى حبيبٍ لم يزلْ | راحي بِهِ دمعاً وكاسي محجرا |
سلب الثريا في البعاد محلها | و أعارَ جفني نوءها المستفزرا |
لا تَعْجَبوا إن غابَ عَنِّي شَخصُهُ | وخَيَالُهُ في أضْلُعي مُتَقَرِّرا |
هذا أبو عثمانَ خيم قدرهُ | في النيراتِ وشخصهُ بين الورى |
الكوثريُّ إذا همى ، والكوكبيُّ | إذا سما ، والمنصليُّ إذا فرى |
ملكٌ تسنّمَ من قُريشٍ ذروة ً | من أجْلِها تُدْعى الأعالي بالذُّرى |
حسبٌ يجرُّ على المجرة ِ ذيله | و مناقبٌ تذرُ الثريا كالثرى |
يسعى السُّهى أنْ يغتدي كصغيرها | و يعذرُ الدبران عنها مدبرا |
عالي مَنارِ العِلْمِ لَوْ أنَّ الهُدى | شخصٌ لَكَانَ لشَخْصِهِ متصوّرا |
ومُبارَكُ الآثارِ لَوْ وطىء َ الصَّفا | لجرى بمنهلِّ النّدى وتَفَجّرا |
أو مَسَّ عُوداً ذابِلاً ببنانِهِ | مساً لأورق في يديهِ ونورا |
خُصّتْ بِهِ منورقَة ٌ وسَناؤهُ | قدْ نورَ الآفاقَ حتى أقمرا |
كالشمسِ مطلَعُها السماءُ وضوءُها | قَدْ عمَّ أقطارَ البسيطَة ِ أنؤُرا |
كذبَ المشبِّهُ بالنجومِ ضياءَه | و سناءه وذكاءه المتسعرا |
لو كان عند النجمِ بعضُ خصالهِ | ما كان في رأي العيونِ ليصغرا |
ملكُ السّجايا لو يحلُّ بمنزلٍ | بينَ النجوم الزهرِ كانَ مؤمرا |
العالِمُ البطلُ الذي ما أنْفَكَّ في | حالٍ يخطُّ دجى ويرفعُ عثيرا |
لَمْ أدرِ قبلَ هباتِهِ وكَلامِهِ | أنَّ الفراتَ العذبَ يُعطي الجوهرا |
ندبٌ إذا أعطى الكرامُ ليحمدوا | أعطى كرائمَ مالِهِ كي يُعْذَرا |
لما تكررَ كلَّ حينٍ حمدهُ | نسيَ الورى ثقلَ الحديثِ مكررا |
أضْحى بَنو حكم وقد علم الضُّحى | مذ أسفروا أنْ ليس يُدْعى مُسْفِرا |
قومٌ إذا ركبوا الخيولَ حسبتها | عقبانَ جوٍّ حْمّلَت أُسْدَ الشَّرى |
أو شمتَ مُسْبَغَة َ الدروعِ عليهمُ | أبصرْتَ أنهاراً تضمُّ الأبحرا |
لو مَثَّلَتْ لهمُ المَنايا في الوغَى | أقرانَهُمْ لم تلقَ مِنهم مُدبرا |
جمعتْ مآثرُ منْ سواهمْ فيهمُ | جمعاً كمثل العامِ ضمَّ الأشهرا |
نفرٌ لو أنكَ لم تكنْ من عزهمْ | في عسكرٍ جهَّزْتَ عزمَكَ عَسكرا |
قَدْ كانَ قبلَ الأمرِ أمرُكَ صادعاً | والفعلُ يعملُ ظاهِراً ومقدَّرا |
آياتُ عيسى في يديك وإنما | ماتَ الهدى وبحسنِ رأيك أنشرا |
حاربتَ حزبَ الشركِ عنهُ بالحجى | والرفقُ مثلُ البطشِ يقصمُ أظهُرا |
و طعنتهمْ بالمكرماتِ وباللها | في حيثُ لو طَعَنَ القنا لتكسَّرا |
قد تجهلُ السمرُ الطوالُ مقاتلاً | تلقى بها الصُّفْرَ القصيرَة َ أبْصَرا |
و تصححُ الآراءُ والراياتُ قدْ | نكصتْ على الأعقابِ واهية ِ العرى |
إن خابَ غيركَ وهوَ أكثر ناصراً | وبقيتَ للإسلامِ وحدكَ مظهرا |
فالبحرُ لا يروي بكثرة ِ مائهِ | ظمأً ورُبَّ غمامة ٍ تروي الثرى |
الغيثُ أنْتَ بل أنْتَ أعذبُ شيمة ً | و أعمُّ إحساناً وأعظمُ عنصرا |
و المزنُ يهمي باكياً متهجماً | أبداً وتهمي ضاحكاً مسبشرا |
و الشمسُ مرمدة ٌ ونوركَ لو جرى | في مقلتَيْ أعمى لأصبَحَ مُبصرا |
حَسّنْتَ قُبْحَ الدهرِ حتى خلتُهُ | ذَنْباً وخلتُكَ عُذْرَه المستغفرا |
و وهبتَ لا مسترجعاً ، وحكمتَ لا | مُتَنَطِّعاً، وعَلَوْتَ لا مُتَجبِّرا |
فالملكُ منك خصيبُ أشجارِ المنى | يقظانُ عينِ السَّعْدِ مشدودُ العُرى |
هو مفرقٌ في السلمِ يلبسُ منكمُ | تاجاً وفي حربِ الحوادثِ مغفرا |
يا بحرُ جاورتَ البحارَ لعلة ٍ | حازَتْ لها الفخرَ المياهُ على الثَّرى |
وأراكَ لم ترضَ البسيطَة َ ساحِلاً | فجعلتَ ساحِلَك الخِضمَّ الأخضرَا |
بحرٌ أجاجٌ حالكٌ أدى إلى | بحرٍ حلا وِرْداً وأشرقَ مَنظرا |
تُهدي رياحُ الحمدِ عَنْكَ المسكَ إن | أهدتْ رياحُ الأفقِ عنهُ العنبرا |
خُذها تُنيفُ على الجمانِ مفصَّلاً | و الزهرِ غضاً ، والرداء محبرا |
روضاً تغنَّتْ من ثنائك وَسْطَهُ | وُرْقٌ جَعَلْنَ غُصونَهُنَّ الأسطرا |
لما طغى فرعونُ دهري عاتياً | شقّتْ عَصا شعري بَنانَكَ أبْحُرا |
ما إن أُبالي حيثُ كنتمْ وجهتي | أنّي أُفارقُ موطناً أو مَعْشَرا |
إذ عصركم كلُّ الزمانِ وأفقكمْ | كلُّ البلادِ وشخصكمْ كلُّ الورى |
ينسي الوفودَ سماحكم أوطانهمْ | وكذاك طِيبُ الوِردِ يُنْسي المصدرا |
لم أرعِ تأميلي حمى لكمُ ولا | يَمّمْتُ مَغناكُم محلاًّ مُقْفِرا |
إنْ كان عُمْرُ المرءِ حُسْنَ ثنائِهِ | فاعلمْ بأنكَ لنْ تزالَ معمرا |
أذكى عليَّ الدهرُ خطوبهِ | فبثَثْتُ فِيها من مديحِكَ عَنْبرا |
رفعتْ عواملهْ وأحسبُ رتبتي | بنيتْ على خفضٍ فلن تتغيرا |
دمْ للأنامِ فلوْ على قدرِ العلا | بقيتْ حياتهم خلدتَ معمرا |
واسلَمْ تنيرُ دجًى ، وتُخصبُ مجدباً | و تبيدُ جباراً ، وتغني مقترا |