هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ | أرجو زماناً والزمانُ حُلاحِل |
وأعَزُّ مفْقُودٍ شبابٌ عائِدٌ | من بعدِ ما ولّى وإلْفٌ واصلُ |
ما أحسَنَ الدّنْيا بشَمْلٍ جامَعٍ | لكنّهَا أُمُّ البَنينَ الثّاكِلُ |
جرتِ اللّيالي والتّنائي بيننا | أمُّ اللّيالي والتّنائي بيننا هابلُ |
إلاّ وكيِرانُ المَطِيِّ وذائل | و كانّما دهرٌ لدهرٍ آكلُ |
أعَلى الشّبابِ أم الخليطِ تَلَدُّدي | هذا يفارقني وذاك يزائلُ |
في كلِّ يومٍ أستزيدُ تجارباً | كم عالمٍ بالشيْءِ وهو يسائلُ |
ما العِيسُ ترحلُ بالقِبابِ حميدة ً | لكنّها عَصْرُ الشبابِ الراحلُ |
ما الخمرُ إلاّ ما تعتَّقهُ النّوى | أوْ أُختُهَا ممّا تُعَتِّقُ بابل |
فمزاجُ كأسِ البابليّة ِ أولقٌ | و مزاجُ تلك دمُ الأفاعي القاتل |
و لقد مررتُ على الدّيارِ بمنعجٍ | و بها الذي بي غيرَ أنّي السائل |
فتوافقَ الطّللانِ هذا دارسٌ | في بُرْدَتيْ عَصْبٍ وهذا ماثل |
فمحا معالمَ ذا نجيعٍ سافكٌ | و محا معالمَ ذا ملثٌّ وابل |
يا دارُ أشبهتِ المها فيكِ المها | والسَّرْبَ إلاّ أنّهنَّ مَطافل |
نَضحَتْ جوانحَكِ الرْياحُ بلؤلؤ | للطَّلِّ فيه ردعُ مسكٍ جائل |
و غدتْ بجيبٍ فيكِ مشقوقٍ لها | نفسٌ تردِّدهُ ودمعٌ هامل |
هلاّ كعهدكِ والأراكُ أرائكٌ | و الأثلُ بانٌ والطُّلولُ خمائل |
إذ ذلك الوادي قَناً وأسِنّة ٌ | و إذِ الدِّيارُ مشاهدٌ ومحافل |
وعوابسٌ وقَوانِسٌ وفَوارِسٌ | و كوانسٌ وأوانسٌ وعقائل |
و إذِ العراصُ تبيتُ يسحبُ لأمة ً | فيها ابنُ هيجاءٍ ويصفنُ صاهل |
وتَضِجُّ أيْسارٌ ويَصْدَحُ شاربٌ | وتَرِنُّ سُّمارٌ ويَهْدِرُ جامل |
بُعْداً للَيْلاتٍ لنا أفِدَتْ ولا | بعدتْ ليالٍ بالغميمِ قلائل |
إذ عيشنا في مثلِ دولة ِ جعفرٍ | والعَدْلُ فيها ضاحكٌ والنّائل |
نَدعوهُ سيفاً والمنيّة ُ حَدُّهُ | و سنانُ حربٍ والكتيبة ُ عامل |
هذا الَّذي لولا بقيّة ُ عدلهِ | ما كان في الدنيا قضاءٌ عادل |
لو أشربَ اللَّهُ القلوبَ حنانهُ | أو رِفْقَهُ أحيْا القتيلَ القاتل |
ولوَ أنّ كل مُطاعِ قومٍ مثلُه | ما غيَّرَ الدُّولاتِ دهرٌ دائلِ |
فكأنّهُنّ على العُيونِ غَياهِبٌ | بشرٌ فليسَ على البسيطة ِ جاهل |
يوماهُ طعنٌ في الكريهة ِ فيصلٌ | أبداً وحكمٌ في المقامة ِ فاصل |
بطلٌ إذا ما شاءَ حَلّى رُمْحَهُ | بدمٍ وقربَ منهُ رمحٌ عاطل |
أعطى فأكثرَ واستَقَلَّ هِباتِهِ | فاسْتَحْيَتِ الأنواءُ وهي هوامل |
فاسمُ الغمامِ لديه وهو كَنَهْوَرٌ | آلٌ وأسماءُ البحورِ جداول |
وسعتْ لهُ فيها لهى ً وفواضل | |
إن لجَّ هذا الودقُ منه ولم يفق | عمَّا أرى هذا الصَّبيرُ الوابل |
فسينقضي طلبٌ ويفقدُ طالبٌ | وتَقِلُّ آمالٌ ويُعْدَمُ آملُ |
شِيَمٌ مَخِيلَتُها السَّماحُ وقَلّما | تهمي سحابٌ ما لهنَّ مخايل |
هبَّتْ قبولاً والرِّياحُ رواكدٌ | و أتتْ سماءً والغيومُ غوافل |
تسمو بهِ العينُ الطَّموحُ إلى الَّتي | تَفنى الرِّقابُ بها ويفْنى النائل |
نَظَرَتْ إلى الأعداءِ أوّلَ نَظْرَة ٍ | فَتَزَايلَتْ منْهُ طُلى ً ومَفاصل |
وثَنَتْ إلى الدنيا بأُخرى مثلِها | فتقسَّمتْ في النّاَسِ وهي نوافل |
لم تخلُ أرضٌ من نداهُ ولا خلا | من شكْرِ ما يولي لسانٌ قائل |
وطئَ المحولَ فلم يقدِّمْ خطوة ً | وأكنافُ البِلادِ خَمائِل |
ورأى العُفاة َ فلم يَزدْهم لحظة ً | |
تاتي لهُ خلفَ الخطوبِ عزائمٌ | تذكى لها خلفَ الصَّباحِ مشاعل |
وكأنّهُنّ على النّفوسِ حبائل | |
المُدركاتُ عدْوهُ ولوَ أنّهُ | قمرُ السَّماءِ لهُ النُّجومُ معاقل |
و إذا عقابُ الجوِّ هدهدَ ريشها | صعقتْ شواهينٌ لها وأجادل |
مَلِكٌ إذا صَدِئَتْ عليهِ دروعُهُ | فلها منَ الهيجاءِ يومٌ صاقل |
و إذا الدِّماءُ جرتْ على أطواقها | فمن الدِّماءِ لها طَهورٌ غاسل |
مُلِئَتْ قلوبُ الإنسِ منه مهابَة ً | وأطاعَهُ جِنُّ الصَّريمِ الخابل |
فإذا سمِعتَ على البِعادِ زَئيرَهُ | فاذهبْ فقد طرقَ الهزبرُ الباسل |
لو يدَّعِيهِ غيرُ حيٍّ ناطِقٍ | لغدت أسودُ الغابِ فيهِ تجادل |
تَنْسَى له فُرسانَها قيسٌ ولمْ | تظلم وتعرض عن كليبٍ واثل |
هَجَماتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُقابلٌ | وجِهاتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُخاتِل |
فانهض بأعباءِ الخلافة ِ كلَّها | يَدمَى نَساً منه ويَشْخُبُ فائل |
ولقد تكونُ لكَ الأسِنّة ُ مَضْجَعاً | حتَّى كأنَّكَ من حمامكَ غافل |
تَغْدو على مُهَج الليوثِ مُجاهِراً | حتَّى كأنَّكَ من بدارِ خاتل |
تلكَ الخلافَة ُ هاشمٌ أربابُهَا | و الدِّينُ هاديها وأنتَ الكاهل |
هل جاءها بالأمسِ منكَ على النَّوى | يومٌ كيومكَ للمسامع هائل |
و سراكَ لا تثنيكَ حدَّة ُ مأتمٍ | رجفٌ نوادبهُ وخبلٌ خابل |
وقد التَقَتْ بيدٌ وقطرٌ صائبٌ | ومسالكٌ دُعْجٌ وليلٌ لائل |
وجَرَتْ شِعابٌ ما لهُنَّ مَذانبٌ | و طمتْ بحارٌ ما لهنَّ سواحل |
تمضي ويتبعكَ الغمامُ بوبلهِ | فكأنّهُ لك حيثُ كنتَ مُساجل |
سارٍ كأنَّ قتيرَ درعكَ فوقهُ | كُفَفاً وجُودُ يَدَيكَ منه هامل |
ووراءَ سيفكَ مصلِّتاً وأمامهُ | جيشٌ لجيش الله فيه مَنازل |
مثعنجرٌ يبرينُ فيهِ وعالجٌ | و الأخشبانِ متالعٌ ومواسل |
فكأنَّما الهضباتُ منهُ أجارعٌ | و كأنَّما البكراتُ منهُ أصائل |
و كأنَّما هوَ من سماءٍ خارجٌ | و كأنَّما هوَ في سماءٍ داخل |
فكأنَّما الآفاقُ منهُ خمائل | |
و الحيرة ُ البيضاءُ فيهِ صوارمٌ | بجميعِهِ طلٌّ وهَذا وابل |
و الأسدُ كلُّ الأسدِ فيه فوارسٌ | والأرضُ كل الأرضِ فيه قَساطل |
تُطْفي له شعَلَ النجوم أسِنّة ٌ | و يغيِّرُ الآفاقَ منهُ غياطل |
كالمزنِ يدلحُ فرعودُ غمائمٌ | في حجرتيهِ والبروقُ مناصل |
فدَمٌ كقَطْرٍ صائبٍ لكِنّ ذا | بجميعهِ طلٌّ وذا وابل |
فيه المذاكي كلُّ أجْرَدَ صِلدِم | يدمى نساً منهُ ويخشبُ فائل |
من طائراتٍ ما لهنَّ قوادمٌ | أو مقرَّباتٍ ما لهنَّ أياطل |
فكأنَّما عشمتْ لهنَّ مرافقٌ | وكأنّما زَفَرَتْ لهُنّ مَراكِل |
الّلاءِ لا يعرفنَّ إلاّ غارة ً | شعواءَ فهي إلى الكماة ِ صواهل |
الَّلاحقاتُ وراءها وأمامها | فكأنَّهنَّ جنائبٌ وشمائل |
مُقْوَرَّة ٌ يكْرَعنَ في حوض الردى | وِرْدَ القَطا في البِيدِ وهي نواهل |
فالنجدُ في لهواتها والغورُ والفـ | ـلَق المُلمَّعُ والظّلامُ الحائل |
والمجدُ يلقى المجْدَ بين فُروجِهَا | ذا راحلٌ معها وهذا قافل |
حتَّى أنختَ على الخيامِ إناخة ً | وقطينُهُ فيه أتِيٌّ سائل |
يا ربَّ وادٍ يومَ ذاكَ تركتهُ | |
فاجَأتَهُ مَحْلاً وفجَّرْتَ الطُّلى | فجَرَتْ مَحانِ تحتَه وجداول |
ووطِئتَ بينَ كِناسِهِ وعرينِهِ | فأُصيبَ خادِرُهُ ورِيعَ الخاذل |
غادرتهُ والموتُ في عرصاتهِ | حقٌّ وتضليلُ الأماني باطل |
تَمْكو عليه فرائصٌ وتَرائِبٌ | وتَرِنُّ فيه سواجِعٌ وثواكل |
لا النّارُ أذكتْ حجرتيهِ وإنّما | مزعتْ جيادكَ فيه وهي جوافل |
لا رأيَ إلاّ ما رأيتَ صَوابَهُ | في المشكلاتِ وكلُّ رأيٍ فائل |
لو كان للغَيْبِ المُستَّرِ مُدرِكٌ | في النّاسِ أدركَهُ اللّبيبُ العاقِل |
و الحازمُ الدّاهي يكابدُ نفسهُ | أعداءَهُ فتراهُ وهو مُجامل |
ويكادُ يَخفَى عن بَناتِ ضميرِهِ | مكتومُ ما هو مُبتَغٍ ومحاول |
إذهبْ فلا يعدمك أبيضُ صارمٌ | تَسْطو به قِدْماً وأسمَرُ ذابل |
لا عرّيتْ منكَ الليالي إنّها | بك حلِّيتْ والذّاهباتُ عواطل |
ما العُربُ لولا أنْتَ إلاّ أيْنُقٌ | زمّتْ لطيَّتها وحيٌّّ راحلُ |
ما الملكُ دونَ يديكَ إلاّ عروة ٌ | مفصُومَة ٌ وعَمودَ سَمْكٍ مائل |
فليتركوا أعلى طريقكَ إنّهُ | لكَ مسلكٌ بين الكواكبِ سابل |
قد أُكرِهُ الحافي فمَرّ على الثَّرَى | رَسْفاً وطار على القَتادِ الناّعل |
كلُّ الكِرامِ من البَريّة ِ قائِلٌ | في المكرماتِ وأنتَ وحدكَ فاعل |
لو أنّ عَدْلكَ للأحِبّة ِ لم تَبِتْ | بالعاشقينَ صبابة ٌ وبلابل |
فتركتَ أرضَ الزّابِ لا يأسى أبٌ | لابنٍ ولا تبكي البعولَ حلائلُ |
و لقد شهدتَ الحربَ فيها يافعاً | إذ لا بنفسكَ غيرُ نفسكَ صائل |
والمُلْكُ يومئِذٍ لواءٌ خافِقٌ | يَلقَى الرّياحَ وليسَ غيرُكَ حامل |
فسعيتَ سعيَ أبيكَ وهو المعتلي | وورِثْتَ سيْفَ أبيكَ وهو القاصل |
أيّامَ لم تُضْمَم إليكَ مَضارِبٌ | منه ولم تَقْلُصْ عليك حَمائل |
فخضبتهُ إذ لا تكادُ تهزُّهُ | حتى تنوءَ بهِ يدٌ وأنامل |
وافى بنانَ الكفِّ وهي أصاغرٌ | فسطتْ به الهمّاتُ وهي جلائل |
من كان يَكفُلُ شُعْبَة ً من قومِهِ | كرماً فأنتَ لكلِّ شعبٍ كافل |
فإذا حللتَ فكلُّ وادٍ ممرعٌ | و إذا ظعنتَ فكلُّ شعبٍ ماحل |
وإذا بَعُدْتَ فكُلُّ شيءٍ ناقِصٌ | وإذا قَرُبْتَ فكلُّ شيءٍ كامل |
خلقَ الإلهُ الأرضَ وهي بلاقعٌ | ومكانُ مَا تَطَأونَ منها آهِل |
وبرا الملوكَ فجادَ منهم جعفَرٌ | و بنو أبيهِ وكلُّ حيٍّ باخل |
لو لم تَطيِبُوا لم يَقِلَّ عَديدُكُم | وكذاكَ أفْرادُ النُّجومِ قلائل |