قد سَار بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قد سَار بي هذا الزّمانُ فأوجَفَا | و محا مشيي من شبابي أحرفا |
إلاّ أكُنْ بَلَغَتْ بيَ السّنُّ المَدى | فلقد بلغتُ من الطّريقِ المنصفا |
فأمّا وقد لاحَ الصّباحُ بلمَّتي | وانجابَ ليلُ عَمايَتي وتكشَّفا |
فلئنْ لهَوْت لألهُونَّ تصنُّعاً | ولئن صَبَوْتُ لأصْبُوَنَّ تكلُّفا |
ولئن ذكرْتُ الغانياتِ فخَطرة ٌ | تعتادُ صبّاً بالحسانِ مكلَّفا |
فلقد هززتُ غصونها بثمارها | وهَصَرْتُهُنّ مهَفْهَفاً فمهفهفا |
والبان في الكُثبانِ طَوْعُ يدي إذا | أومأتُ إيماءً إليْهِ تعطَّفَا |
ولقد هززتث الكأسَ في يدِ مثلها | وصحوتُ عمّا رقّ منها أو صفا |
فرددتها من راحتيهِ مزّة ً | و شربتها من مقلتيهِ قرقفا |
ما كان أفتكني لو اخترطتْ يدي | من ناظِرَيْكِ على رقيبِكِ مرْهَفا |
و خدورِ مثكِ قد طرقتُ لقومها | متعرَّضاً ولأرضها متعسِّفا |
بأقَبَّ لا يَدَعُ الصّهيلَ إلى القَنا | حتى يلوكَ خِطامَها المتقصِّفا |
يسري فأحسبُ عناني قائفاً | متفرِّساً أو زاجِراً متعيِّفا |
يرمي الأنيسَ بعسمعيْ وحشيّة ٍ | قد أوجسا من نبأة ٍ فتشوَّفا |
فتقدَّما وتنصّبا وتذلّقا | وتلطّفَا وتشرّفَا وتحرّفَا |
و تكنّفاني ينفصانِ ليَ الدّجى | فإذا أمنت ترصّدُا فتخوّفا |
فكأنّما وقع الصّريخُ إليهِما | بحصارِ أنطاكيّة ٍ فاسترجفا |
ثغرٌ أضاعَ حريمهُ أربابهُ | حتى أهينَ عزيزهُ واستضعفا |
يصلُ الرّنينَ إلى الرّنينِ لحادثٍ | يربدُّ منه البدرُ حتى يُكسَفا |
ما لي رأيتُ الدِّينَ قَلّ نَصيرُهُ | بالمَشرِقَينِ وذلَّ حتى خُوِّفَا؟ |
يا للزّمانِ السَّوءِ كيف تصرّفا | |
من كلِّ مسودّ الضَّميرِ قد انطوى | للمسلمينَ على القِلى وتَلَفَّفا |
عُبْدانُ عُبْدانٍ وتبّع تُبّعٍ | فالفاضلُ المفضولُ والوجه القَفا |
أسَفي على الأحرارِ قَلّ حِفاظُهم | إن كان يُغني الحُرَّ أن يتأسّفا |
لا يُبْعِدَنَّ اللّهُ إلاّ مَعْشَراً | أضحوا على الأصنامِ منكم عكَّفا |
هلاّ استعانَ بأهلِ بيتِ محمّدٍ | من لم يجدْ للذُّلِّ عنكمْ مصرفا |
يا ويلكمْ أفما لكم من صارخٍ | إلاّ بثغرٍ ضاعَ أو دينٍ عفا |
فمدينَة ٌ من بعد أُخرى تُستَبَى | و طريقة ٌ من بعد أخرى تقتفى |
حتى لقد رَجَفَتْ ديارُ ربيعَة ٍ | و تزلزلتْ أرضُ العراق تخوُّفاً |
و الشامُ قد أودى وأودى أهلهُ | إلاّ قليلاً والحجازُ على شفا |
فعجبتُ من أن لا تَميدَ الأرضُ من | أقطارها وعجبتُ أن لا تخسفا |
أيسرُّ قوماً أنَّ مكّة َ غودرتْ | بمجرِّ جيش الرُّومِ قاعاً صفصفا |
أو أنّ ملحودَ النبيَّ ورمسهُ | بمدارجِ الأقدامِ ينسَفُ مَنسَفا |
فترَبّصُوا فاللّهِ مُنْجِزُ وَعْدِهِ | قد آنَ للظّلماءِ أن تتَكشّفَا |
هذا المُعِزُّ ابنُ النبيِّ المُصْطفَى | سيَذُبُّ عن حَرْمِ النبيِّ المُصْطفى |
في صدر هذا العامِ لا يلوي على | أحدٍ تلفَّتَ خلقهُ وتوقَّفا |
و أنا الضّمينُ لهُ بملكِ قيادهمْ | طَوْعاً إذا الملِكُ العنيفُ تعَجْرَفا |
و بعطفِ أنفسهم هدّى وندى ً فلو | |
فإلى العراقِ وذَرْ لِمَنْ قدّمْتَهُ | مِصْراً فهذا مُلكُ مصرٍ قد صَفا |
و أرى خفيّاتِ الأمورِ ولم تكنْ | ببصيرة ٍ تجلو القضاءَ المسدفا |
فكأنَّني بالجيش قد ضاقتْ بهِ | أرضُ الحجازِ وبالمواسمِ دُلَّفا |
و بكَ ابنَ مستنِّ الأباطحِ عاجلاً | قد صِرتَ غيث من اجتدى ومن اعتفى |
وعنَتْ لك العُرْبُ الطِّوال رِماحها | و استجفلتْ ممّا رأتهُ تخوفاً |
و أزدرتَ قبرَ أبيكَ قبرَ محمّدٍ | بملائكِ اللّهِ العُلى متكنَّفا |
ورقَيتَ مَرقاهُ وقُمْتَ مقامَهُ | في بُرْدَة ٍ تُذري الدموعَ الذُّرَّفا |
متلِّقدا سيفينِ سيفَ اللهِ منْ | نصرٍ وسيفَكَ ذا الفَقارِ المُرهَفا |
لِيَقِرَّ تحتكَ عودُ منبرِهِ الّذي | لا يستقرٌ تحسُّراً وتلهُّفا |
وتُعيدُ روْضَتَهُ كأوّلِ عَهدِهَا | |
وكأنّني بك قد هَزِجْتَ مُلبّياً | وهَدَجْتَ بينَ شِعابِ مكّة والصَّفا |
وكأنّني بِلِواءِ نَصرِكَ خافِقاً | قد حامَ بينَ المروتينِ ورفرفا |
والحِجْرِ مُطَّلِعاً إليكَ تشَوُّقاً | والركْنِ مُهْتَزاً إليكَ تشَوُّفا |
و سألتُ ربَّ البيتِ بابنِ نبيّهِ | وجعلتكَ الزُّلفى إليه فأزلفا |
و هربتُ منهُ إليهِ في حرماتهِ | أدعوهُ مبتهلاً وأسألُ ملحفا |
وكأنّني بك قد بلغْتُ مآربي | و قيتُ من نسكِ المودِّع ما كفى |
وخطبتُ قبلَ القوْمِ خطبة َ فيصَلٍ | أثني عليك فوعدُ ربَّك قد وفى |
وطبتُ بالزَّوراء أُخرَى مثلَهَا | ووقفُ بينَ يديكَ هذا المواقفا |