بلى ! هذه تَيماءُ والأبْلقُ الفَرْدُ
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
بلى ! هذه تَيماءُ والأبْلقُ الفَرْدُ | فسلْ أجماتِ الأُسد ما فعل الأسدُ |
يقولونَ : هلْ جاءَ العراقَ نذيرها | فقلتُ لهم ما قالتِ العِيس والوَخد |
أصيخوا فما هذا الذي أنا سامعٌ | برعدٍ ولكنْ قعقعَ الحلقُ السّرد |
تؤمُّ أميرَ المؤمنين طوالعاً | عليه طلوعَ الشمس يقدُمُها السَّعد |
فتوحاتُ ما بينَ السَّماءِ وأرضها | لها عند يومِ الفخرِ ألسنة ٌ لُدُّ |
سَيعْبَقُ في ثوبِ الخليفة ِ طيبُهَا | وما نَمّ كافورٌ عليه ولا نَدُّ |
وتعقدُ إكليلاً على رأسِ ملكهِ | وتُنْظَمُ فيه مثلَ ما نُظمَ العِقد |
حرورية ٌ ما كبّرَ اللهَ خاطبٌ | عليها ولا حَيّا بها مَلِكاً وفْد |
وكانتْ هي العجماءَ حتى احتبى بها | ملوكُ بني قحطانَ والشَّعرُ والمجد |
لذاكَ تراها اليومَ آنسَ من مِنى ً | وأفْيَحَ من نَجدٍ وما وصلتْ نجْد |
وما رُكزتْ في جوّها قبلكَ القَنا | ولا ركَضَتْ فيها المسوَّمة ُ الجُرد |
ولا التمعتْ فيها القِبابُ ولا التقَتْ | بها لأمة ٌ سردٌ وقافية ٌ شرد |
رفعتَ عليها بالسرادقِ مثلها | وجلَّلْتَها نوراً وساحاتُها رُبْد |
يقابل من شمس الضُّحى الأعين الرُّمد | |
مَباءة ُ هذا الحيِّ من جنِّ عبقَرٍ | فليسَ لها بالأنسِ في سالفٍ عهد |
تذوبُ لقُربِ الماءِ لولا جَمادُها | وتحرقُ فيها الشمسُ لولا الصّفا الصّلد |
معَ الفلك الدَّوّار لا هي كوكبٌ | ولا هي مما يشبهُ الرِّيدُ والفند |
ولولا الهمامُ المعتلي لتعذّّرتْ | على أبطنِ الحيّاتِ أقطارها الملدُ |
وأعْيَت فلم يَحمِلْ بهابَزَّ فارسٍ | حصانٌ ولمْ يثبتْ على ظهرها لبد |
ولّما تجَلّى جعْفَرٌ صَعِقتْ لَهُ | وأقبلَ منها طورُ سيناء ينهد |
شَهَدتُ له وأنّ الملائكَ حولَهُ | مُسوَّمَة ٌ والله من خلفهِ رِدُّ |
أقَمْنَا فمن فُرسانِنا خُطباؤنا | ومنبرُنا من بِيض ما تطبعُ الهِنْد |
ولولا لمْ يقمْ فيها بحمدكَ خاطبٌ | علينا وفينا قامَ يخطبنا الحمد |
على حين لم يُرْفَعْ بها لخليفة ٍ | منارٌ ولمْ يشدد بها عروة ٌ عقد |
وكانت شجاً للملكِ سِتّينَ حِجّة ً | وما طيبُ وصلٍ لمْ يكنْ قبلهُ صدُّ |
بها النارُ نار الكفرِ شُبَّ ضِرامُها | ولو حجبتْ في الزندِ لاحترقَ الزُّند |
فمنْ جمرة ٍ قدْ أطفئتْ مخلدية ٍ | وأُخرى لها بالزّابِ مذ زمَنٍ وَقْد |
يقابلُ منكَ الدّهرُ فيها شبيهَ مَا | وفي هذه مَكنُونُ ما لم يكن يبدو |
وعادَ لها الدّاءُ القديمُ فأصبحتْ | بها نافضٌ منه وليس بها ورد |
وكَف على بحرٍ إلى اليوم موجُهُ | فليس له جزرٌ وليس له مذُّ |
و عادتْ بهم حرب الأزارق لاقحاً | وإن لم يكن فيها المهلّبُ والأزد |
حوادثُ غلبٌ في لؤيِّ بن غالبٍ | وخَطْبٌ لعَمرُ الله في أدَدٍ إدُّ |
أطافت بخِرْقٍ يَسبِقُ القولَ فعلُهُ | فليس ليوميه وعيدٌ ولا وعد |
فليس له من غير طِرفٍ أريكة ٌ | و ليس له من غير سابغة ٍ برد |
فتى ً يشجعُ الرِّعديدُ من ذكر بأسه | و يشرفُ من تأميله الرجلُ الوغد |
و لما اكفهرَّ الأمرُ أعجلتَ أمرها | فألْقَتْ وَليدَ الكفر وهي له مَهد، |
أخذتَ على الاعداء كلَّ ثنية ٍ | واعقبتَ جنداً واطئاً ذيله جند |
كأنَّ لهمْ من حادث الدهرِ سائِقاً | يسوقُهُمُ أو حادياً بهم يحدو |
كأنكَ وكَّلتَ الغمامَ بحربهم | فمن عارضٍ يمسي ومنْ عارضٍ يغدو |
كأنَّ عليهم منك عنقاءَ تعتلي | فليس لها من أن تخطَّفهم بدُّ |
من الصائداتِ الإنسَ بينَ جفونها | إذا ما جرَتْ بَرْقٌ وفي ريشها رَعد |
فلما تقنَّصتَ الضَّراغمَ منهمُ | فلم يبقَ إلاّ كسعة ٌ خلفهم تعدو |
كثيرٌ رزاياهمْ قليلٌ عديدُهم | وكانوا حصى الدهناء جمعاً إذا عُدُّوا |
أتوكَ فلم يرددْ منيبٌ ولم يبح | حريمٌ ولم يُخمَش لغانية ٍ خَدُّ |
وما عن أمانٍ يومَ ذاكَ تَنَزَّلوا | ولكنْ أمانُ العفوِ أدركُهم بَعْد |
ألا رُبَّ عانٍ في يديك مُصَفَّدٍ | شكتْ ذِفرَياه القِدَّ حتى اشتكى القِدُّ |
بعينيَّ يومَ العفو حتى أعدته | نشوراً وحتى شُقَّ عن ميِّتٍ لحد |
نُهِيتُ عن الإكثار في جعفرٍ ولنْ | يقاسَ بشيءٍ كلُّ شيءٍ لهُ ضِدُّ |
إذا كانَ هذا العفْوُ من عزَماتِهِ | ففي أيَّ خطب الدهر يستغرق الجهد |
إذا كان تدبيرُ الحلائِقِ كلِّهَا | له لعباً فانظرْ لمن يذخرُ الجدُّ |
فما ظنُّكم لو كان جَّردَ سيفَهُ | إذا كان هذا بعض ما فَعَل الغِمد |
ما كان بين الجوِّ بالشمس فوقهم | تكوَّرُ إلاّ أن يسلَّ له حدُّ |
لأمرٍ غدتْ في كفِّه الأرضُ قبضة ً | وقربَ قُطْريَها وبينهما بُعد |
وغودِرَ شأوُ السابقينَ لسابقٍ | له مهيعٌ من حيثُ لم يعلموا قصد |
ألا عبقرِيُّ الرأي يَفري فَرِيَّه | ألا ندسٌ طبٌّ ألا حازمٌ جلد |
وأحرى بمَنْ أقبالُ قَحطانَ كلُّها | له خَوَلٌ أن لا يكون له نِد |
فيا أسَدَ المسَلَّطَ فيهمُ | اتعلمُ ما يلقى بكَ الأسدُ الوردُ |
و للهِ فيما شئتَ فينا مشيَّة ٌ | فإما فَناءٌ مثلَ ما قيل أو خُلد |
شهدتُ لقد ملكتَ بالزّاب تَدمُراً | وفُتِّحَ في أيام إقبالكَ السَّدُّ |
ومِثلُكَ من أرضى َ الخليفة سعيُهُ | فإن رضيَ المولى فقد نصح العبد |