عنوان الفتوى : من شروط التوبة رد المال المأخوذ بغير حق لصاحبه

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أخذت ما يوازى كيسًا صغيرًا من الرمل، كان ملقى في الطريق، كان لجهة حكومية، وأنهت عملها وتركته، واشتريت بعض الحجارة المستخدمة في البناء من حارس البناية، ثم عرفت إثم ذلك؛ فبحثت عن سعر ما أخذته من مال الحكومة، وتبرعت به لمستشفى ليرد لها، وعن سعر ما اشتريته من غير صاحبه، وتبرعت به صدقة عن صاحبه، وذلك لاستحالة وصولي إلى الجهة الحكومية، أو إلى صاحب المبنى، وتبت إلى الله، فهل تجوز توبتي أم إن هناك ما ينقصها؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن كان الكيس المذكور تركته الجهة المذكورة رغبة عنه، فلا حرج عليك في أخذه، فقد قال ابن قدامة في (الكافي): من سبق إلى مباح -كالسنبل الذي ينتثر من الحصادين، وثمر الشجر المباح والبلح، وما ينبذه الناس رغبة عنه-، فهو أحق به... اهـ.

وجاء في كتاب الإنصاف، وهو من كتب الحنابلة: ومن سبق إلى مباح -كصيد، وما ينبذه الناس رغبة عنه-، فهو أحق به. اهـ

 وأما صاحب البناية، فعليك البحث عنه، أو عن ورثته حتى تستسمحيهم، وتردي لهم عوض ما أخذت من الحجارة؛ فإن من شروط التوبة رد المال المأخوذ بغير حق لصاحبه؛ لما في الحديث: على اليد ما أخذت، حتى تؤديه. رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن صحيح. ولما في الحديث: من كانت له مظلمة لأحد من عرض، أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه. رواه البخاري

فإن تعذر الوصول لصاحبه أو ورثته، فيجزئ التصدق عنه به، فقد جاء في المجموع للنووي: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام، وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين، وجب صرفه إليه، أو إلى وكيله. فإن كان ميتًا، وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته، فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة -كالقناطر، والربط، والمساجد، ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه-، وإلا فيتصدق به على فقير، أو فقراء. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَإِذَا كَانَ بِيَدِ الْإِنْسَانِ غصوب، أَوْ عَوَارٍ، أَوْ وَدَائِعُ، أَوْ رُهُونٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَصْحَابِهَا، فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُمْ، أَوْ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُسَلِّمُهَا إلَى قَاسِمٍ عَادِلٍ يَصْرِفُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ, وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ: تَوَقَّفَ أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَصْحَابَهَا, وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ, فَإِنَّ حَبْسَ الْمَالِ دَائِمًا لِمَنْ لَا يُرْجَى، لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ بَلْ هُوَ تَعَرُّضٌ لِهَلَاكِ الْمَالِ، وَاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِ, وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اشْتَرَى جَارِيَةً، فَدَخَلَ بَيْتَهُ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ، فَخَرَجَ فَلَمْ يَجِدْ الْبَائِعَ، فَجَعَلَ يَطُوفُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ, وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ عَنْ رَبِّ الْجَارِيَةِ، فَإِنْ قُبِلَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ، فَهُوَ لِي، وَعَلَيَّ لَهُ مِثْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَكَذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ التَّابِعِينَ مَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَابَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ، أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ، وَرَضِيَ بِهَذِهِ الْفُتْيَا الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ -كمعاوية، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ-. انتهى.

والله أعلم.