عنوان الفتوى : حكم عرق الكافر الذي يأكل النجاسات

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قرأتُ أن عرق الحيوانات الجلّالة، التي تتغذى على النجاسات، نجسٌ، وأن النبي نهى عن ركوب الجلّالة لهذه العلة. وسؤالي هو: هل ينطبق هذا الكلام على عرق الكافر الذي يأكل النجاسات باستمرار، من ميتة ولحم خنزير وخمر وكحوليات وغيرها، بل إنه قد يأكل الطاهرات، لكن يده التي يأكل بها وفمه قد يكونان متنجسين بنجاسات، من قبيل لعاب الكلب وغير ذلك من النجاسات التي لا يتحرز منها الكافر. باختصار: هل عرق الكافر، الذي لا يتورع عن النجاسات، نجسٌ مثله مثل الحيوانات الجلّالة؟! (لا سيما أن الدراسات العلمية أثبتت أن حوالي ٥٪ من الكحول الإيثيلي الذي يستهلكه الإنسان يخرج من الجسم من خلال التنفس والبول والغدد العرقية، ومن المعلوم أن الكحول نجس).

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فعرق الكافر طاهر على الراجح؛ سواء كان يأكل النجاسات أو لا، وقد أطنب الشوكاني في أول شرح المنتقى في إيراد أدلة ذلك ومما قاله رحمه الله: قوله: إن المسلم لا ينجس. تمسك بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْهَادِي وَالْقَاسِمِ وَالنَّاصِرِ وَمَالِكٍ فَقَالُوا: إنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ عَيْنٍ وَقَوَّوْا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةِ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَعَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ، وَحُجَّتُهُمْ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إلَّا مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ الْكَافِرِ حَدِيثُ إنْزَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدَ ثَقِيفٍ الْمَسْجِدَ، وَتَقْرِيرُهُ لِقَوْلِ الصَّحَابَةِ: قَوْمٌ أَنْجَاسٌ لَمَّا رَأَوْهُ أَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ. وَقَوْلُهُ لِأَبِي ثَعْلَبَةَ لَمَّا قَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ قَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ إنْزَالِ وَفْدِ ثَقِيفٍ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَنْجَاسِ الْقَوْمِ شَيْءٌ إنَّمَا أَنْجَاسُ الْقَوْمِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ قَوْلِ الصَّحَابَةِ: قَوْمٌ أَنْجَاسٌ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ النَّجَاسَةِ الْحِسِّيَّةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَجَاسَةُ الِاعْتِقَادِ وَالِاسْتِقْذَارِ. وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْآنِيَةِ لَيْسَ لِتَلَوُّثِهَا بِرُطُوبَاتِهِمْ بَلْ لِطَبْخِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَشُرْبِهِمْ الْخَمْرَ فِيهَا. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ أَيْضًا بِلَفْظِ: إنَّ أَرْضَنَا أَرْضُ أَهْلِ كِتَابٍ وَإِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِآنِيَتِهِمْ وَقُدُورِهِمْ؟ وَمِنْ أَجْوِبَةِ الْجُمْهُورِ عَنْ الْآيَةِ وَمَفْهُومِ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَنْفِيرٌ عَنْ الْكُفَّارِ وَإِهَانَةٌ لَهُمْ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فَقَرِينَتُهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ، وَرَبَطَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ وَهُوَ مُشْرِكٌ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. وَأَكَلَ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي أَهْدَتْهَا لَهُ يَهُودِيَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ. وَأَكَلَ مِنْ الْجُبْنِ الْمَجْلُوبِ مِنْ بِلَادِ النَّصَارَى كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَكَلَ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالْإِهَالَةِ لَمَّا دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ يَهُودِيٌّ،. وَمَا سَلَفَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْكِتَابِيَّاتِ، وَالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ مُبَاشَرَةِ الْمَسْبِيَّةِ قَبْلَ إسْلَامِهَا، وَتَحْلِيلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ، وَإِطْعَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ لِلْوَفْدِ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ دُونِ غَسْلٍ لِلْآنِيَةِ، وَلَا أَمَرَ بِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ تَوَقِّي رُطُوبَاتِ الْكُفَّارِ عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَلَوْ تَوَقَّوْهَا لَشَاعَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ مِنْ التَّقَشُّفِ أَنْ يَقُولَ أَشْتَرِي مِنْ سَمْنِ الْمُسْلِمِ لَا مِنْ سَمْنِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى ذَلِكَ. انتهى.

وهو تقرير نفيس احتشدت فيه الأدلة على المطلوب من بيان كون الكافر طاهر العين على الراجح ومن ثم فإن عرقه طاهر سواء كان يأكل النجاسات ويشربها أو لا.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
عرقت يدها بعد جفاف النجاسة وأمسكت بشيء طاهر فهل ينجس؟
واجب من وجدت بعد غسل الثياب فوطة بها غائط
هل تنجس الروائح الكريهة الثياب؟ وهل يضر بقاء أثر الصابون في الملابس؟
أصابه رذاذ ماء سقط على كرسي الحمام
لا يجب تطهير الثوب الذي يُشك في نجاسته
أحكام طين الشوارع المخالط للنجاسة
غسل الملابس في غسالة يوضع فيها ملابس من يلامسون الكلاب
عرقت يدها بعد جفاف النجاسة وأمسكت بشيء طاهر فهل ينجس؟
واجب من وجدت بعد غسل الثياب فوطة بها غائط
هل تنجس الروائح الكريهة الثياب؟ وهل يضر بقاء أثر الصابون في الملابس؟
أصابه رذاذ ماء سقط على كرسي الحمام
لا يجب تطهير الثوب الذي يُشك في نجاسته
أحكام طين الشوارع المخالط للنجاسة
غسل الملابس في غسالة يوضع فيها ملابس من يلامسون الكلاب