عنوان الفتوى : ضوابط الوقوع في الردة، وشروط العودة للإسلام

مدة قراءة السؤال : 4 دقائق

سؤالي له عدة محاور، وأرجو أن تجيبوني عليها مفصلة، جزاكم الله خيراً، ولكن رأسه، وخلاصته: ((كيف يكون إسلام من جهل وقوع الردة منه ؟!)) سؤالي بخصوص لفظة الكفر! كثير من الناس تصدر منه ألفاظ كفرية، قد تكون لفظة الكفر هذه إما:(1) أمثالاً كفرية! (2) وبعضهم يقصد معنى معينا، لكن يخونه التعبير ويصدر منه لفظ كفري.(3) أو أحيانا تكون ردة فعل، ولفظة تخرج عفوية منه؛ لأنه اعتاد عليها، لكن لا تصلح مع مقام الدين. (4) وإما يخوض في لحظة غفلة، غافلا أو ناسياً أن هذا من الدين ومما عظّمه الله. (5) وإما (من باب الضحك والمزاح، وهو لا يعلم أن كلامه هذا يدخل ضمن الاستهزاء، أو التنقص الكفري) جاهلا بعاقبة كلمته. ولعلكم تجدون هذا كثيراً في الاستشارات التي تأتي إليكم، بعضهم يسأل عن كلمات يراها عادية وتكون كارثية، والبعض الآخر يراها استهزاء بالدين ولا تكون كذلك. خاصة هنا في دولتنا، مع انتشار شعائر الإسلام ولله الحمد، أصبحت جزءا من حياتنا والناس ألفوها واعتادوها، وأصبح بعضهم لا يفرق بين ما كان من الدين، وما كان من العادة! ((ومعلوم أن من قال لفظة الكفر بالغا عاقلا، مختارا فإنه يكفر، ولا يشترط معرفة الحكم، ولا انشراح الصدر)) (وما أكثر من هذا حالهم هذه الأيام) أيضا هم غير معاندين، وغير مصرين على الاستهزاء والكفر ولا يقصدونه، ولا يعقدون الضمير عليه، ولو أن أحدا نبههم لتابوا وأقلعوا في الحال، ويأتون بالشهادتين -وهم طبعا مؤمنون بمدلولها ومقتضاها- ويصلون، ويقرؤون القرآن، ويذكرون الله؛ لأنهم يعدون أنفسهم مسلمين أصلا. (نعلم أن المرتد عمدا تجب عليه التوبة، والغسل، والنطق بالشهادتين) لكن هؤلاء الذين لم يعلموا بردّتهم. كيف تكون عودتهم إلى الإسلام؟ هل تنفعهم الشهادتان التي على سبيل العادة، وتجعلهم مسلمين باطناً حقيقة لا حكما، حتى بدون التوبة من ذك المكفر خاصة؟ (لأنهم لا يعلمون أصلا أنهم واقعون في الكفر بسببه حتى يتوبوا منه) إن قلت تجب التوبة ليصح إسلامهم، فهذه مشكلة. كيف يتوبون وهم لا يعلمون أصلا أنهم واقعون في الكفر؟! أيعقل أن يعيش المرء كافرا مرتدا طوال عمره وهو لا يدري! وإذا وقع في قلبه استهزاء في لحظة غفلة ونسيه، وليس استهزاء دائما، وينطق الشهادتين، ويقول سيد الاستغفار موقنا به من قلبه. هل ينفعه ذلك؟ هل بلفظة الكفر تلك يحل عليه سخط الله إلى أن يلقاه، ويلقاه وهو كافر؛ بكلمته تلك حتى وإن تشهد وصلى، أم إن شهادتهم تنفعهم ويبقى عليهم ذنب كلمتهم! أعلم أن مما ينفع في ذلك التوبة العامة، ولكن هل يظل كافرا مع الشهادتين، والصلاة إلى أن يتوب توبة عامة؟! أيضا: أنا أستفتيكم وأستشيركم لي، ولنفسي وليس للحكم على الناس، أريد أن أعرف بماذا يصير المرء مسلماً باطنا حقيقة فيما بينه وبين ربه، وليس حكما ظاهرا؟ أرجو نصيحتكم وتوجيهكم، ودعاءكم لي، وللمسلمين أن يعصمنا الله، ويحفظ لنا ديننا. شيء أخير، منفصل عما قبله! كيف أعرف الفرق بين: (لا يلقي لها بالاً) وبين: ( الذهول والغفلة)؟ وأيضا الفرق بين: (التهور) و (سبق اللسان)؟ أيضا: أحيانا تتردد كلمة في بالي، وأقول لن أنطقها، ولا أشعر بنفسي إلا وقد نطقتها، وفي بعض الأحيان لا أستوعب اللفظ الذي نطقته ومعناه إلا بعد أن يصدر مني! هل هذا ضمن (لا يلقي لها بالاً)؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن من صدر منه ما يقع به الكفر، جاهلاً بالحكم، أو دون قصد، أو حاكيا له، لا يحكم بردته؛ لأن الردة التي يكفر بها المسلم هي شرح صدر الإنسان للكفر، ويدل لذلك قول الله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}.

قال النووي في منهاج الطالبين: الردة هي قطع الإسلام بنية، أو قول كفر، أو فعل، سواء قاله استهزاء، أو عنادا، أو اعتقادا. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا بد في العقود وغيرها من قصد التكلم وإرادته، فلو فرض أن الكلمة صدرت من نائم أو ذاهل، أو قصد كلمة، فجرى على لسانه بأخرى، أو سبق بها لسانه من غير قصد لها، لم يترتب على مثل هذا حكم في نفس الأمر قط. انتهـى.

ولكن زعمك أن من قال لفظة الكفر بالغا عاقلا مختارا فإنه يكفر، ولا يشترط معرفة الحكم، ولا انشراح الصدر، فإنه لا يحكم بكفر الجاهل إذا كان مثله ممن يعذر بالجهل، وأما انشراح الصدر، فإن من نطق بالكفر مختارا، فاهما لما يقول، فيعتبر منشرح الصدر به.

فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية -في الفتاوى-: فإنه من كفر من غير إكراه، فقد شرح بالكفر صدراً ... وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً، فقد شرح بالكفر صدراً ... قال تعالى: وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا {النحل: 106} أي لاستحبابه الدنيا على الآخرة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمنا، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل. اهـ.

ثم إنه يحكم على المرتد بالإسلام بمجرد الصلاة؛ كما قال صاحب الروض المربع، معلقًا على قول صاحب زاد المستقنع: (فإن صلّى فمسلم حكمًا): فإن صلّى الكافر على اختلاف أنواعه في دار الإسلام، أو الحرب جماعة، أو منفردًا بمسجد، أو غيره، فمسلم حكمًا، فلو مات عقب الصلاة فتركته لأقاربه المسلمين، ويغسّل، ويصلَّى عليه، ويدفن في مقابرنا. اهـ.

وراجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية: مع إحالاتها: 21800، 721، 57445.

ونكتفي بما ذكرنا، ونعتذر عن الاسترسال معك في التفريعات التي ذكرت، التزامًا منا بنظام الموقع، من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل عن الأول منها فحسب.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
مذهب ابن تيمية في نكاح زوجة المرتد
لو أسرّ شخص أمرَ ردّته لآخر، فهل يجوز له إخبار أهل المرتد بذلك؟
فتاوى في أحكام من سب الدين
هل يقام الحد على الصبي المميز إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
محل وجوب الإقرار اللفظي من المرتد في توبته
هل يجب إخبار الزوجة بالردة والرجوع إلى الإسلام؟
هل من تعارض بين عدم إهلاك الله لإبليس والحكم على المرتد بالقتل؟
مذهب ابن تيمية في نكاح زوجة المرتد
لو أسرّ شخص أمرَ ردّته لآخر، فهل يجوز له إخبار أهل المرتد بذلك؟
فتاوى في أحكام من سب الدين
هل يقام الحد على الصبي المميز إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
محل وجوب الإقرار اللفظي من المرتد في توبته
هل يجب إخبار الزوجة بالردة والرجوع إلى الإسلام؟
هل من تعارض بين عدم إهلاك الله لإبليس والحكم على المرتد بالقتل؟