عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في أسباب عدم ‏قتل النبي ‏للمنافقين والمرتدين

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل أقام النبي عليه الصلاة والسلام ‏حد الردة على كل من ارتد؟ وإن لم ‏يفعل ذلك.‏ فما معنى ذلك؟ ‏ وشكرا.‏

مدة قراءة الإجابة : 25 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فحد الردة ثابت بالنص، ‏والإجماع في الجملة، كما سبق بيانه ‏في الفتويين: 192053، 142343.‏
ولا نعلم أن النبي صلى الله عليه ‏وسلم أقام هذا الحد على أحد في ‏عهده، مع علمنا بوقوع بعض الناس ‏في أنواع من الكفر في عهده صلى ‏الله عليه وسلم، كحال المنافقين، ‏والمنتقصين لمقام النبوة! ولم يكن ‏ذلك منه صلى الله عليه وسلم إلغاء، ‏أو إهدارا لحد الردة، وإنما كان ‏لأسباب خاصة، كان أظهرها مصلحة ‏تأليف الناس في أول الإسلام، والبعد ‏عن تنفيرهم، ومراعاة أحوالهم.‏
‏ قال النووي في شرح مسلم: قال ‏العلماء: ولو صدر مثل هذا الكلام ‏الذي تكلم به الأنصاري -يعني قوله: ‏‏"أن كان ابن عمتك"ـ اليوم من ‏إنسان، من نسبته صلى الله عليه ‏وسلم إلى هوى، كان كفرا، وجرت ‏على قائله أحكام المرتدين، فيجب ‏قتله بشرطه. قالوا: وإنما تركه النبي ‏صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان في ‏أول الإسلام يتألف الناس، ويدفع ‏بالتي هي أحسن، ويصبر على أذى ‏المنافقين، ومن في قلبه مرض، ‏ويقول: يسروا، ولا تعسروا، ‏وبشروا ولا تنفروا. ويقول: لا ‏يتحدث الناس أن محمدا يقتل ‏أصحابه. وقد قال الله تعالى: {ولا ‏تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا ‏منهم فاعف عنهم واصفح إن الله ‏يحب المحسنين}. اهـ.‏
وقال ابن العربي في أحكام القرآن: ‏اختلف العلماء في ذلك -يعني عدم ‏قتل النبي صلى الله عليه وسلم ‏للمنافقين مع علمه بهم- على ثلاثة ‏أقوال:

الأول: أنه لم يقتلهم؛ لأنه لم يعلم ‏حالهم سواه، وقد اتفق العلماء عن ‏بكرة أبيهم، على أن القاضي لا يقتل ‏بعلمه، وإن اختلفوا في سائر الأحكام ‏هل يحكم بعلمه أم لا؟

الثاني: أنه لم يقتلهم لمصلحة، ‏وتألف القلوب عليه؛ لئلا تنفر عنه. ‏وقد أشار هو-صلى الله عليه وسلم ‏إلى هذا المعنى، فقال: «أخاف أن ‏يتحدث الناس أن محمدا صلى الله ‏عليه وسلم يقتل أصحابه».

الثالث: قال أصحاب الشافعي: إنما لم ‏يقتلهم؛ لأن الزنديق -وهو الذي يسر ‏الكفر، ويظهر الإيمان- يستتاب، ولا ‏يقتل. وهذا وهم من علماء أصحابه؛ فإن ‏النبي صلى الله عليه وسلم لم ‏يستتبهم، ولا يقول أحد: إن استتابة ‏الزنديق غير واجبة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ‏معرضا عنهم، مع علمه بهم، فهذا ‏المتأخر من أصحاب الشافعي الذي ‏قال: إن استتابة الزنديق جائزة. قال ‏ما لم يصح قولا واحدا.

وأما قول من قال: إنه لم يقتلهم؛ لأن ‏الحاكم لا يقضي بعلمه في الحدود، ‏فقد قتل بالمجذر بن زياد -بعلمه- ‏الحارث بن سويد بن الصامت؛ لأن ‏المجذر قتل أباه سويدا، يوم بعاث، ‏فأسلم الحارث، وأغفله يوم أحد ‏الحارث، فقتله، فأخبر به جبريل ‏النبي صلى الله عليه وسلم فقتله به؛ ‏لأن قتله كان غيلة، وقتل الغيلة حد ‏من حدود الله عز وجل. والصحيح أن النبي صلى الله عليه ‏وسلم إنما أعرض عنهم تألفا، ‏ومخافة من سوء المقالة الموجبة ‏للتنفير، كما سبق من قوله. وهذا ‏كما كان يعطي الصدقة للمؤلفة ‏قلوبهم، مع علمه بسوء اعتقادهم ‏تألفا لهم. اهـ.‏
وقال المازري في المعلم: لم يذكر ‏في هذا الحديث أن رسول الله انتقم ‏من هذا القائل -يعني من قال: إنَّ ‏هَذِهِ قِسْمةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَلاَ أُرِيدَ بِهَا ‏وَجْهُ الله.‏ اهـ.

ويحتمل أن يكون لم يفهم عنه الطعن ‏في النبوة، وإنما نسبه إلى أنه لم ‏يعدل في القسمة. والمعاصي على ‏قسمين: فأما الكبائر فهو -عليه ‏السلام- معصومٌ منها إجماعاً، وأما ‏الصغائر فإن المجيزين لوقوعها من ‏الرسل، يمنعون أن تضاف إليه -صلى ‏الله عليه وسلم- على جهة الانتقاص. ‏ولعله -عليه السلام- لم يعاقب هذا ‏القائل؛ لأنه لم يثبت ذلك عليه، وإنما ‏ينقله عنه واحد، وشهادة الواحد لا ‏يراق بها الدم على هذا الوجه. اهـ.
فتعقبه القاضي عياض في إكمال ‏المعلم فقال: مما يدفع هذا التأويل ‏قوله: "اعدل يا محمد" و"اتق الله ‏يا محمد" وأنه خاطبه خطاب ‏المواجهة بمحضر الملأ، حتى ‏استأذن عمر وخالد النبي صَلَّى اللهُ ‏عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قتله، فقال: "معاذ الله ‏أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل ‏أصحابه". فهذه هي العلة، وسلك ‏فيها مسلكه مع غيره من المنافقين ‏الذين آذوه، وسمع منهم في غير ‏موطن ما كرهه، لكنه صبر، وحلم ‏استبقاءً، وتأليفاً لغيرهم، ولئلا ‏يتحدث أنه يقتل أصحابه. وقد رأى ‏الناس هذا الصنف في جماعاتهم، ‏وعدوه من جملتهم. اهـ.
وقال ابن القيم في زاد المعاد، في ‏بيان ما يستفاد من غزوة تبوك: ‏ومنها: تركه قتل المنافقين، وقد بلغه ‏عنهم الكفر الصريح، فاحتج به من ‏قال: لا يقتل الزنديق إذا أظهر ‏التوبة؛ لأنهم حلفوا لرسول الله صلى ‏الله عليه وسلم أنهم ما قالوا، وهذا ‏إذا لم يكن إنكارا فهو توبة، وإقلاع، ‏وقد قال أصحابنا وغيرهم: ومن ‏شُهد عليه بالردة، فشهد أن لا إله إلا ‏الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم، لم يكشف عن شيء ‏عنه بعد. وقال بعض الفقهاء: إذا ‏جحد الردة، كفاه جحدها. ومن لم ‏يقبل توبة الزنديق قال: هؤلاء لم تقم ‏عليهم بينة، ورسول الله صلى الله ‏عليه وسلم لا يحكم عليهم بعلمه، ‏والذي بلغ رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم عنهم قولهم لم يبلغهم إياه ‏نصاب البينة، بل شهد به عليهم ‏واحد فقط، كما شهد زيد بن أرقم ‏وحده على عبد الله بن أبي، وكذلك ‏غيره أيضا إنما شهد عليه واحد. ‏وفي هذا الجواب نظر؛ فإن نفاق عبد ‏الله بن أبي، وأقواله في النفاق كانت ‏كثيرة جدا كالمتواترة عند النبي ‏صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، ‏وبعضهم أقر بلسانه وقال: إنما كنا ‏نخوض ونلعب، وقد واجهه بعض ‏الخوارج في وجهه بقوله: إنك لم ‏تعدل، والنبي صلى الله عليه وسلم ‏لما قيل له: ألا تقتلهم؟ لم يقل: ما ‏قامت عليهم بينة، بل قال: لا يتحدث ‏الناس أن محمدا يقتل أصحابه. ‏فالجواب الصحيح إذن، أنه كان في ‏ترك قتلهم في حياة النبي صلى الله ‏عليه وسلم مصلحة تتضمن تأليف ‏القلوب على رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم، وجمع كلمة الناس ‏عليه، وكان في قتلهم تنفير، ‏والإسلام بعد في غربة، ورسول الله ‏صلى الله عليه وسلم أحرص شيء ‏على تأليف الناس، وأترك شيء لما ‏ينفرهم عن الدخول في طاعته، وهذا ‏أمر كان يختص بحال حياته صلى ‏الله عليه وسلم، وكذلك ترك قتل من ‏طعن عليه في حكمه، بقوله في قصة ‏الزبير وخصمه: أن كان ابن عمتك. ‏وفي قسمه بقوله: إن هذه لقسمة ما ‏أريد بها وجه الله. وقول الآخر له: ‏إنك لم تعدل. فإن هذا محض حقه، له ‏أن يستوفيه، وله أن يتركه، وليس ‏للأمة بعده ترك استيفاء حقه، بل ‏يتعين عليهم استيفاؤه، ولا بد. اهـ.‏
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ‏‏الصارم المسلول: الحد لم يقم على ‏واحد بعينه؛ لعدم ظهوره بالحجة ‏الشرعية التي يعلمه بها الخاص ‏والعام، أو لعدم إمكان إقامته إلا مع ‏تنفير أقوام عن الدخول في الإسلام، ‏وارتداد آخرين عنه، وإظهار قوم من ‏الحرب، والفتنة ما يربى فساده على ‏فساد ترك قتل منافق ... اهـ.‏
‏ ثم فصَّل القول في ذلك، وبيَّن ‏مراحل التشريع في حكم مجاهدة ‏الكفار والمنافقين، ثم قال: فحيثما ‏كان للمنافق ظهور، وتخاف من ‏إقامة الحد عليه، فتنة أكبر من ‏بقائه، عملنا بآية: {وَدَعْ أَذَاهُم}. كما ‏أنه حيث عجزنا عن جهاد الكفار، ‏عملنا بآية الكف عنهم والصفح، ‏وحيث ما حصل القوة والعز خوطبنا ‏بقوله: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ}. ‏اهـ.‏
ثم إن المنافقين الذين فضحهم ‏القرآن، ووصفهم بالكفر بعد الإيمان، ‏لم يتخذوا دينا آخر يعلنون به، بل قد ‏تبرؤوا من كفرهم، وأظهروا التوبة.‏
‏ قال الإمام الشافعي في الأم، في ‏باب ما يحرم به الدم من الإسلام: ‏قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله ‏عليه وسلم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ‏قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ‏إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ ‏لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا ‏عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا ‏يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ‏فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} ‏‏[المنافقون: 1 -3]. فبين أن إظهار ‏الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى ‏أظهر الإيمان، وممن أظهر الإيمان ‏ثم أشرك بعد إظهاره، ثم أظهر ‏الإيمان: مانع لدم من أظهره في أي ‏هذين الحالين كان، وإلى أي كفر ‏صار، كفر يسره، أو كفر يظهره، ‏وذلك أنه لم يكن للمنافقين دين يظهر ‏كظهور الدين الذي له أعياد، وإتيان ‏كنائس، إنما كان كفر جحد وتعطيل، ‏وذلك بيّن في كتاب الله عز وجل، ثم ‏في سنة رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم بأن الله عز وجل أخبر عن ‏المنافقين بأنهم اتخذوا أيمانهم جنة، ‏يعني -والله أعلم- من القتل، ثم أخبر ‏بالوجه الذي اتخذوا به أيمانهم جنة، ‏فقال: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا} ‏فأخبر عنهم بأنهم آمنوا، ثم كفروا ‏بعد الإيمان، كفرا إذا سئلوا عنه ‏أنكروه، وأظهروا الإيمان، وأقروا ‏به، وأظهروا التوبة منه، وهم ‏مقيمون فيما بينهم وبين الله على ‏الكفر؛ قال الله جل ثناؤه: {يحلفون ‏بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر ‏وكفروا بعد إسلامهم} فأخبر ‏بكفرهم، وجحدهم الكفر، وكذب ‏سرائرهم بجحدهم، وذكر كفرهم في ‏غير آية، وسماهم بالنفاق إذ أظهروا ‏الإيمان، وكانوا على غيره، قال جل ‏وعز: {إن المنافقين في الدرك ‏الأسفل من النار ولن تجد لهم ‏نصيرا} [النساء: 145]. فأخبر عز ‏وجل عن المنافقين بالكفر، وحكم ‏فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لا ‏يعلمه غيره، بأنهم في الدرك الأسفل ‏من النار، وأنهم كاذبون بأيمانهم، ‏وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ‏ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به ‏كاذبين، لهم جنة من القتل، وهم ‏المسرون الكفر، المظهرون الإيمان. ‏وبين على لسانه صلى الله عليه ‏وسلم، مثل ما أنزل في كتابه من أن ‏إظهار القول بالإيمان جنة من القتل، ‏أقر من شهد عليه بالإيمان بعد ‏الكفر، أو لم يقر، إذا أظهر الإيمان، ‏فإظهاره مانع من القتل، وبين رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم إذا حقن الله ‏تعالى دماء من أظهر الإيمان بعد ‏الكفر، أن لهم حكم المسلمين من ‏الموارثة، والمناكحة، وغير ذلك من ‏أحكام المسلمين. فكان بينا في حكم ‏الله عز وجل في المنافقين، ثم حكم ‏رسوله صلى الله عليه وسلم أن ليس ‏لأحد أن يحكم على أحد بخلاف ما ‏أظهر من نفسه، وأن الله عز وجل ‏إنما جعل للعباد الحكم على ما أظهر؛ ‏لأن أحدا منهم لا يعلم ما غاب إلا ما ‏علمه الله عز وجل. اهـ.

وقال ابن حزم في معرض الجواب ‏عن شبهة إسقاط حد الردة، في مسألة ‏التعريف بالمنافقين، والمرتدين: ‏‏{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا ‏نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ ‏وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا ‏قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ ‏طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا ‏مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65، 66]. هذه ‏بلا شك في قوم معروفين كفروا بعد ‏إيمانهم، ولكن التوبة مبسوطة لهم ‏بقوله تعالى: {إن نعف عن طائفة ‏منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا ‏مجرمين}. فصح أنهم أظهروا ‏التوبة، والندامة، واعترفوا بذنبهم، ‏فمنهم من قبل الله تعالى توبته في ‏الباطن عنده لعلمه تعالى بصحتها، ‏ومنهم من لم تصح توبته في الباطن ‏فهم المعذبون في الآخرة، وأما في ‏الظاهر فقد تاب جميعهم بنص الآية. ‏اهـ.‏
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: ‏‏197333 بيان أن لامز النبي صلى ‏الله عليه وسلم بالجور في القسمة ‏ونحوه، من جملة المنافقين.‏
وأما ردة عبد الله بن جحش عن ‏الإسلام، ودخوله في النصرانية، فقد ‏كان ذلك قبل الهجرة، وتشريع ‏الحدود، ومع ذلك فقد كان في ‏الحبشة بعيدا عن أيدي المسلمين ‏وسلطانهم؛ وراجع في ذلك الفتوى ‏رقم: 18427.
وهنا ننبه على أنه لا بد في الحكم ‏بالردة على مسلم من قيام الحجة ‏الشرعية على ذلك، ثم إنه لا يقتل ‏عند جمهور العلماء حتى يصر على ‏الردة بعد أن يستتاب؛ وراجع الفتوى ‏رقم: 75718. ‏
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ‏مجموع فتاواه: بيان هذا الموضع ‏مما يزيل الشبهة، فإن كثيرا من ‏الفقهاء يظن أن من قيل: هو كافر؛ ‏فإنه يجب أن تجري عليه أحكام ‏المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث، ولا ‏يورث، ولا يناكح، حتى أجروا هذه ‏الأحكام على من كفروه بالتأويل من ‏أهل البدع، وليس الأمر كذلك؛ فإنه ‏قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة ‏أصناف: مؤمن؛ وكافر مظهر للكفر، ‏ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر. ‏وكان في المنافقين من يعلمه الناس ‏بعلامات ودلالات، بل من لا يشكون ‏في نفاقه، ومن نزل القرآن ببيان ‏نفاقه -كابن أبي وأمثاله- ومع هذا ‏فلما مات هؤلاء ورثهم ورثتهم ‏المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت ‏آتوهم ميراثه، وكانت تعصم دماؤهم ‏حتى تقوم السنة الشرعية على ‏أحدهم بما يوجب عقوبته. اهـ.
والله أعلم.‏