عنوان الفتوى : ما ترتيب أوائل المخلوقات المذكورة في الشرع وكيف تعرج الملائكة إلى السماء ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

وفقاً لما ذُكر في القرآن فإن الله خلق الماء أول ما خلق ، ثم خلق الأرض على الماء ، ثم خلق الجبال أوتاداً لحفظ توازنها ، ثم خلق السماء سقفاً محفوظاً من غير عمد ، ثم خلق سبعاً طباقاً ، ومعلوم أن الشمس والقمر والنجوم كلها في السماء الدنيا ، وكل ذلك سيتغير وينتهي يوم القيامة . سؤالي هو : كيف نجح جبريل عليه السلام في التنقل بين السماء والأرض عندما كان يبلّغ الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ هل جعل الله له فتحة سرِّيَّة في السماء ينفذ منها ؟ وهل استخدم النبي صلى الله عليه وسلم نفس الفتحة عندما عُرج به إلى السماء ؟ . أرجو التوضيح .

مدة قراءة الإجابة : 22 دقائق

الحمد لله

أولاً:

قول الأخ السائل " وفقاً لما ذُكر في القرآن فإن الله خلق الماء أول ما خَلق " : يحتمل أمرين :

الأمر الأول : أن الماء هو أول مخلوقات الله مطلقاً ، وهذا إن كان هو قصده ففيه ملاحظتان :

الأولى : أنه أحد الأقوال في المسألة ، والجمهور على أنه العرش ، ومن العلماء من قال بأنه القلم .

الثانية : أن هذا القول ليس في القرآن ؛ إذ ليس في القرآن ولا في السنَّة بيان لأول شيء خَلَقَه الله تعالى ، لا الماء ولا غيره من المخلوقات .

وثمة خلاف في أول ما خلق الله من هذا العالَم ، والأقوال المعتبرة في المسألة ثلاثة : القلم ، كما يرجحه ابن جرير الطبري وابن الجوزي ، والعرش ، كما يرجحه ابن تيمية وابن القيم ، ، والماء ، وهو مروي عن ابن مسعود وطائفة من السلف ، ورجحه بدر الدين العيني .

وأما الأقوال غير المعتبرة فكثيرة ، وبعضها من الإسرائيليات ، وأغلبها أقوال لأهل البدع ، كمن زعم أن العقل هو أول مخلوق ، وكمن زعم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول مخلوق ، حتى صار من يعظِّم مخلوقاً أو شيئاً يجعله أول مخلوق ! .

وانظر جواب السؤال رقم ( 9420 ) وفيه الترتيب بين العرش والقلم وتقديم العرش .

ثانياً:

الذين قالوا إن القلم هو أول مخلوق قد استدلوا بما رواه عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ ، قَالَ : رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) .

رواه الترمذي ( 2155 ) وأبو داود ( 4700 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

لكن قد صح في السنة أحاديث نبوية تبين أن الله تعالى حين خلق القلم وأمره بكتابة مقادير كل شيء إلى يوم القيامة : كان عرشه على الماء ، مما يقتضي أن خلق العرش كان قبل خلق القلم ، ومن هذه الأحاديث :

أ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، قَالَ : وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه مسلم ( 2653 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

فهذا يدل على أنه قدَّر إذ كان عرشه على الماء ، فكان العرش موجوداً مخلوقاً عند التقدير لم يوجد بعده .

" الصفدية " ( 2 / 82 ) .

ب. وعن عمران بن حصين عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ) .

رواه البخاري ( 3019 ) .

( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .

رواه البخاري ( 6982 ) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وفي رواية ( ثم كتب في الذِّكر كل شيء ) فهو أيضاً دليل على أن الكتابة في الذكر كانت والعرش على الماء .

" الصفدية " ( 2 / 82 ) .

قال ابن القيم - رحمه الله – في النونية :

والناس مختلفون في القلم الذي *** كُتِبَ القضاء به من الديَّانِ

هل كان قبل العرش أو هو بعده *** قولان عند أبي العلا الهمذاني

والحق أن العرش قبل لأنه *** عند الكتابة كان ذا أركانِ

فالصحيح أن القلم مخلوق بعد العرش ، ويكون قوله في الحديث ( فأَوَّلَ ما خَلَقَ الله القلم قال له اكتب ) يعني : حين خَلَقَ الله القلم ، فتكون ( ما ) هنا مصدرية وليست موصولة .

وخلق العرش قبل القلم لا يعني بالضرورة أنه خلق قبل " الماء " ، وغاية ما يمكن أن يقال إنهما خلقا معاً ، أما أن يكون العرش خُلف قبله فليس بظاهر .

ومن أدلة الذين قالوا بأن الماء أول المخلوقات :

1. عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ ؟ قَالَ : ( كَانَ فِي عَمَاءٍ مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ ، وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ) .

رواه الترمذي ( 3109 ) وابن ماجه ( 182 ) .

ولفظه عند ابن ماجه - وأحمد ( 26 / 108 ) – ( ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ) .

والحديث صححه الطبري ، وحسَّنه الترمذي والذهبي وابن تيمية ، وضعفه الألباني في " ضعيف الترمذي " .

قال الترمذي :

قال أحمد بن منيع : قال يزيد بن هارون : العماء : أي : ليس معه شيء .

" سنن الترمذي " ( 5 / 288 ) وقيل : معنى " عماء " : السحاب الأبيض .

قال الطبري – رحمه الله – وهو يرى أن القلم أول المخلوقات مطلقا وأنه قبل الماء وقبل العرش - :

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب : قول من قال إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش ؛ لصحة الخبر الذي ذكرتُ قبلُ عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حين سئل أين كان ربنا عز وجل قبل أن يَخْلُق خلقَه قال : ( كان في عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق عرشه على الماء ) ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله خلق عرشه على الماء ، ومحال ـ إذ كان خلَقَه على الماء ـ أن يكون خلَقَه عليه ، والذي خلقه عليه غير موجود ، إما قبله أو معه .

فإذا كان ذلك كذلك : فالعرش لا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون خُلق بعد خَلق الله الماء ، وإما أن يكون خُلق هو والماء معاً ، فأما أن يكون خَلْقُه قبل خلق الماء : فذلك غير جائز صحته على ما روي عن أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم .

" تاريخ الطبري " ( 1 / 32 ) .

وقد جزم الحافظ ابن حجر بأن حديث عمران بن حصين رضي الله عنه يدل على أن الماء سابق على العرش . انظر : " فتح الباري " ( 6 / 289 ) .

2. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَقَالَ : ( كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ ) .

رواه أحمد ( 13 / 314 ) ، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 5 / 29 ) : إسناده صحيح ، وصححه محققو مسند أحمد .

3. عن أبي هريرة قال : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ؟ قَالَ : ( مِنَ الْمَاءِ ) .

رواه الترمذي ( 2526 ) .

قال الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " : صحيح دون قوله ( مِمَّ خُلِقَ الخَلْقُ ) .

انتهى

قلت : ويشهد له ما قبله ، فأقل أحوال اللفظة أن تكون حسنة .

قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :

وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة لما سأله : " ممَّ خُلِقَ الخَلْقُ " فقال له: ( مِنَ المَاءِ ) : يدل على أن الماء أصل جميع المخلوقات ، ومادتها ، وجميع المخلوقات خُلقت منه .

وقال :

وقد حكى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود وطائفة من السلف : أن أول المخلوقات الماء .

" لطائف المعارف " ( ص 21 ، 22 ) .

3. رواية الإمام السدِّي في " تفسيره " بأسانيد متعددة " أن الله تعالى لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء " .

قال الإمام ابن خزيمة في " كتاب التوحيد " ( 1 / 569 ) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، يَعْنِي ابْنَ طَلْحَةَ الْقَنَّادَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ ) قَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا غَيْرَ مَا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ ... .

ورواه ابن أبى حاتم في " تفسيره " ( 1 / 74 ، 75 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 1 / 435 ، 436 ) .

وإسناد السدِّي فيه كلام ، والظاهر أنه حسن جيد ، وأما المتون ففيها غرائب ، وهذا منها ، ولعلها مأخوذة من أحاديث بني إسرائيل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

كما أن السّدّي أيضاً يذكر تفسيره عن ابن مسعود ، وعن ابن عباس ، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وليست تلك ألفاظهم بعينها ، بل نقل هؤلاء شبيه بنقل أهل المغازي والسِّيَر ، وهو مما يُستشهدُ به ويُعتبَرُ به ، وبضم بعضه إلى بعض يصير حجة ، وأما ثبوت شيءٍ بمجرد هذا النقل عن ابن عباس: فهذا لا يكون عند أهل المعرفة بالمنقولات .

" نقض التأسيس " ( 3 / 41 ) .

وقال ابن كثير – رحمه الله - :

هذا الاسناد يَذكر به " السُّدِّي " أشياء كثيرة فيها غرابة ، وكأن كثيرا منها متلقى من الإسرائيليات.

" البداية والنهاية " ( 1 / 19 ) .

وللشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعليق مطول على أسانيد السدي ، فانظره في تحقيقه لـ " تفسير الطبري " ( 1 / 156 ) .

وقد علق الشيخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لـ " تفسير ابن كثير " على إسناد السدي هذا في ( 1 / 488 - 490 ) ، وقال في آخره : " وجملة القول : أن إسناد تفسير السدِّي جيِّد حسَن ".

انتهى

ثالثاً:

إن كان الأخ السائل قد قصد بقوله السابق – وهو الأمر الثاني المحتمل في كلامه - أن الله تعالى خلق الماء قبل خلق السموات والأرض : فقوله صحيح – كما سبق - ، لكنه ليس منصوصاً صريحا في القرآن كما ذَكر ، وإنما هو مفهموم من دلالة بعض النصوص كما سبق ، وعلى ذلك يكون ترتيب المذكورات في الخلق : الماء ، العرش ، القلم ، السموات والأرض.

رابعاً:

وأما قول الأخ السائل " ثم خلق الأرض على الماء ، ثم خلق الجبال أوتاداً لحفظ توازنها ، ثم خلق السماء سقفاً محفوظاً من غير عمد ، ثم خلق سبعاً طباقاً " ، فيقال فيه :

" خلق الله الأرض على الماء " : لم يدل عليه دليل صحيح صريح ، لا من القرآن ، ولا من السنَّة ، ومع ذلك فهو قول لبعض السلف من الصحابة والتابعين ، وهو كذلك في التوراة والإنجيل وغيرهما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وقد جاءت الآثار المتعددة عن الصحابة والتابعين وغيرهم بأن الله سبحانه لما كان عرشه على الماء : خلقَ السماء من بخار الماء ، وأيبس الأرض ، وهكذا في أول التوراة الإخبار بأن الماء كان موجوداً ، وأن الريح كانت ترف عليه ، وأن الله خلق من ذلك الماء السماء والأرض ، فهذه الأخبار الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنَّة مطابقة لما عند أهل الكتاب من اليهود والنصارى مما في التوراة ، وكل ذلك يصدِّق بعضُه بعضاً ، ويخبر أن الله خلق هذا العالم - سمواته وأرضه - في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، وأنه كان قبل ذلك مخلوقات ، كالماء ، والعرش ، فليس في أخبار الله تعالى أن السموات والأرض أبدعتا من غير شيء ، ولا أنه لم يكن قبلهما شيء من المخلوقات .

" الصفدية " ( 2 / 82 ، 83 ) ، وينظر أيضا : " مجموع الفتاوى " ( 6 / 598 ) ، " تفسير القرطبي " ( 1 / 255 ) .

الثانية : قوله " ثم خلق الجبال أوتاداً ... ثم خلق السماء " : غير صحيح ؛ إذ كان تسوية السموات وقضاؤهن سبعاً بعد دحو الأرض وإرساء الجبال فيها ، وفي ذلك يقول تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29 .

قال ابن عباس – رضي الله عنه - :

خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ - وَدَحْوُهَا : أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى - ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ ، وَالْجِمَالَ ، وَالآكَامَ ، وَمَا بَيْنَهُمَا : فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ( دَحَاهَا ) وَقَوْلُهُ ( خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) ، فَجُعِلَتْ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَخُلِقَتْ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ .

رواه البخاري معلَّقاً ، وانظر " فتح الباري " ( 8 / 556 ) .

وانظر تفصيلاً وافياً في هذه المسألة في جواب السؤال رقم : ( 70217 ) .

الثالثة : قوله " ثم خلق السماء سقفاً محفوظاً من غير عمد ، ثم خلق سبعاً طباقاً " ، صوابه أن يقول : " ثم سواهن سبعاً طباقاً " ، فهي كلها سبع سموات وليست السبع غير سماء الدنيا ، قال عز وجل : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/ 29 .

خامساً:

أما عن سؤال الأخ السائل كيف أن جبريل عليه السلام يتنقل بين السماء والأرض لتبليغ الوحي من ربه عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم ، مع وجود الشمس والقمر والنجوم : فهذا يرد في حال كان السؤال عن بشر يريد الصعود إلى السماء وحده بقدراته البشرية ! أما عندما يكون الحديث عن الملائكة المخلوقة من نور ، والمرسلة من رب العالمين ، أو عندما يكون الحديث عن محمد رسول الله الذي أرسل الله إليه ليصعد إلى السماء السابعة مع جبريل عليه السلام : فإن الأمر يختلف ؛ لأننا نتحدث الآن عن " قدرة الله تعالى " لا عن " قدرة البشر " ، فلا يرد إشكال في صعود ونزول الملائكة إلى السماء ومنها ، ولا يرد إشكال في معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، وليس ثمة فتحة خاصة - أو طريق خاص - للملائكة تصعد إلى السماء منها ، بل إنه في ليلة القدر تتنزل الملائكة وجبريل عليهم السلام من السماء إلى الدنيا حتى إنهم ليغطون بأنوارهم نور الشمس التي تظهر في صبيحتها .

والذي عرفناه من السنَّة الصحيحة هو وسيلة الإسراء من مكة إلى بيت المقدس ، فقد أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقال :

( ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ " الْبُرَاقُ " فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ ) .

رواه مسلم ( 164 ) .

وأما المعراج فلم يخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بتفاصيل وسيلته ، وغاية ما قاله لنا :

( ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ) .

رواه البخاري ( 342 ) ومسلم ( 163 ) .

إلا أن اللفظ نفسه – أي : " المعراج " - هو اسم آلة ، يعني : السلَّم ، ومن هنا قال طائفة من أهل العلم إن المعراج كان بسلَّم خاص .

وقد جاء في صفاته ما لم نقف على إسناد له ، مثل رواية :

( ثم تقدم قدَّام ذلك إلى موضع فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة ، وهو المعراج ، حتى عرج جبريلُ والنبي صلى الله عليه و سلم إلى السماء ) .

فهذه رواه الواسطي في " فضائل بيت المقدس " كما في " الدر المنثور " للسيوطي ( 5 / 226 ) من حديث كعب ، ولم يذكر لتلك الرواية إسناد .

وثمة أوصاف أخرى لتلك الآلة تراها في " فتح الباري " ( 7 / 208 ) من روايات لم يذكر إسنادها ، ولم يحكم عليها الحافظ رحمه الله ، وفي جميعها ما يؤكد على أن العروج إلى السماء كان بآلة ، وهي السلَّم ، لكن ليس في شيء من ذلك كله ما يحتج به . ثم ليس في شيء من العلم بذلك ما ينفع المرء في شيء من دينه ، أو دنياه ، وليس في الجهل به ما يضره في شيء منهما ، وقد نهينا عن تكلف التشقيق والتنقير عما لم يُبَيَّن لنا .

والله أعلم