عنوان الفتوى : إرشادات هادية لمن التزم بالدين وأصبح يشعر بغربة شديدة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا شاب أدرس في جامعة مختلطة، ولا بد لي أن أدرس فيها، ولكني أصبحت الآن ملتحيا من فترة قصيرة، فكيف أكون قدوة حقيقة لكل من يراني في الجامعة، للمعلمين ودكتور المادة والشباب والفتيات وغيرهم؟ وهل هذا يعتبر رياء مني؟ وهل لا بد لي أن أتفوق في دروسي وكيف أجعل نفسي غير متناقض القول والعمل، وكيف أجعل الآخرين يعرفون أن أصحاب اللحية متفوقون ليسوا منفصلين عن الدنيا ولا دراويش لأنهم عرفوا الدين واتجهوا إلى رب العالمين؟ وهل لي أن أكلم الفتيات بكل أدب واحترام وأحاول أنصحهن أم لا يجوز لي ذلك إطلاقا؟ علما أن أكثر من في الجامعة يمشون مع فتيات فهذا لن يكون شيئا شاذا بينهم. بل أنا الشاذ بينهم لأني أعفيت لحيتي فأصبحت أشعر بغربة شديدة بينهم. أريد نصيحتكم وزرع الثقة بداخلي. وهل أنا على صواب أم أخطأت؟ وكيف أجعل لا يمسك على أحد أي خطأ، وهل لي أن أكلم أصدقائي الشباب الذين كنت أكلمهم قبل أن ألتحي أم لا؟ وماذا إذا كانوا على معصية؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهنيئا لك - أيها السائل - الالتزام باللحية التي هي من هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وسنته, ومهما أحسست بسب التزامك بالسنة بشعور الغربة والوحدة فلا تستوحش من طريق الحق، فإن أهل التمسك بالسنة في هذا الزمن هم الغرباء بين الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. رواه مسلم وغيره, قال الحسن البصري – رحمه الله: السنة - والذي لا إله إلا هو - بين الغالي والجافي فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي : الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا.

واحذر أن يجرك هذا الشعور إلى موافقة الناس على أخطائهم ومعاصيهم حتى يرضوا عنك، فإنك إن فعلت فقد خسرت خسرانا كبيرا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس. ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة وقال صحيح, وروي بلفظ : من طلب محامد الناس بمعصية الله عاد حامده ذاما.

 وأخرج الترمذي وعبد الغني المقدسي: كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية : سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره. ( صحيح ).

 وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه , ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه. انتهى

وأما الأسباب التي تجعلك قدوة للناس فقد بيناها مفصلة في الفتوى رقم: 132554. فتمسك بها – وفقك الله – مبتغيا بذلك وجه الله ورضوانه، واحذر أن يستزلك الشيطان ويوسوس لك بأن هذا من باب الرياء حتى يزهدك في العمل الصالح, واحرص على التفوق في دراستك حتى تنجح في دعوتك فإن العيون دائما ما ترمق أهل التفوق والنجاح، فإذا كانوا من أصحاب الدين والتقوى كان هذا محفزا لهم على التدين والتزام طريق الهدى.

وأما حديثك مع أصدقائك وزملائك الذكور فلا حرج فيه واجعل من حديثك معهم وعلاقتك بهم سبيلا لدعوتهم إلى الحق والصواب وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وترغيبهم فيما عند الله والدار الآخرة, واعلم أن هذا من باب الدعوة إلى الله، والدعوة إلى الله جل وعلا من أعظم القربات وأجل الأعمال الصالحات قال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}

 وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. الحديث.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية.رواه البخاري وغيره.

وقد سبق في الفتوى رقم: 37677، بيان أن الدعوة إلى الله من أفضل العبادات، وفي الفتوى رقم:29987 أن الدعوة إلى الله واجبة على كل فرد بحسبه.

فمن استجاب منهم لدعوتك فبها ونعمت، ومن أعرض فلا تيأس من تكرار دعوته بأسلوب لين رفيق, فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه, ولكن لا يجوز لك أن تصحب أصدقاءك هؤلاء حال إقامتهم على فعل المنكرات بل عليك حينئذ مفارقتهم إن لم يستجيبوا لنصحك، ومن أصر على فعل المعاصي والمنكرات ولم يجد معه تكرار النصح والوعظ فعليك حينئذ هجره والابتعاد عنه حتى لا تنتقل إليك أخلاقه الرديئة, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.

قال في عون المعبود:( على دين خليله): أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته.

وروى البخاري ومسلم عن رسول الله أنه قال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة.

وكلنا يعلم كيف كان لأصدقاء السوء دور كبير في موت أبي طالب على الكفر مع ما كان عليه في حياته من محبة لرسول الله ونصرة له, جاء في تفسير ابن كثير: لما حَضَرت أبا طالب الوفاة  دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية، فقال: "أيْ عَمّ، قل: لا إله إلا الله. كلمة أحاجّ لك بها عند الله، عز وجل". فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملَّة عبد المطلب؟ [قال: فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب]

وأما دعوة الرجل للمرأة فالأصل فيها الجواز إذا التزمت الضوابط الشرعية من ترك الخلوة والاختلاط والخضوع بالقول ونحو ذلك، ولكن هذه الضوابط من الصعب تحققها وقد ثبت بالتجربة أن من يتصدى لذلك فإنه قد لا يرجع سالما بل غالبا ما يصيبه من غبار الفتنة ما يفسد عليه دينه وخلقه, فينبغي إذن أن يبتعد الرجال عن دعوة النساء ويتركوا أمر دعوتهن للنساء, لأن مباشرة الرجال لذلك ذريعة قوية للفساد والشر , كما بيناه في الفتوى رقم: 99911.

أما الحديث مع النساء فيجوز إذا وجدت لذلك ضرورة أو حاجة بشرط التزام الضوابط الشرعية من غض البصر وترك الخلوة والخضوع في القول والزيادة في الحديث فوق الحاجة ونحو ذلك, فإذا لم توجد ضرورة ولا حاجة فلا يجوز الحديث خصوصا مع الشابة التي يخشى منها الفتنة, وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 21582, نصوص الفقهاء في المنع من التحدث مع الأجنبية الشابة.

والله أعلم.