أرشيف المقالات

لا ملجأ من الله إلا إليه

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
لا ملجأ من الله إلا إليه
 
يقول تعالى في سورة التوبة: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 118].
 
عندما نبحث في سبب نزول هذه الآية، نجدُ أنه لما ذكر الله تعالى أحوالَ المنافقين المتخلِّفين عن الجهاد والمثبِّطين عنه، ذكر صفات المؤمنين المجاهدين الذين باعوا أنفسَهم لله، ثم ذكر قصة الثلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك، وتوبة الله عليهم، وختَم السورة بتذكير المؤمنين بنِعَمِه العظيمة؛ ببعْثِة السراج المنير النبيِّ العربيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله رحمةً للعالمين.
 
لو أردنا أن نذكر شرحًا يسيرًا للآيات لقلنا الآتي:
﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة: 118]: الذين أُخِّروا عن التوبة.
(قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة، والضحاك وغير واحد: هم الثلاثة الذين خُلِّفوا؛ أي: عن التوبة)؛ تفسير ابن كثير، ت: سلامة (4/ 210).
 
﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: أي: ضاقت عليهم مع سَعتها، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُم ﴾: أي: ضاقت أنفسهم بما اعتراها من الغمِّ والهمِّ، بحيث لا يسعُها أنسٌ ولا سرورٌ، وذلك بسبب أن الرسولَ عليه الصلاة والسلام دعا لمقاطعتِهم؛ فكان أحدُهم يلقي السلام على أقرب أقربائه فلا يردُّ عليه، وهجرَتْهم نساؤهم وأهلوهم حتى تاب الله عليهم.
 
﴿ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾: أيقنوا أنه لا معتصمَ لهم من الله، وعن عذابه إلا بالرجوع والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]: أي: رجع عليهم بالقبول والرحمة؛ ليستقيموا على التوبة، ويداوموا عليها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾: أي: المبالِغ في قَبول التوبة وإن كثرت الجِنايات وعَظُمت.
 
ماذا نستفيد من هذه الآية وتفسيرها؟
نستفيدُ أنه يجب على الإنسان المسلمِ ألَّا يُغرِّد خارج السرب؛ لأن الذئب يأكلُ الغَنَم القاصية، وكذلك يجبُ على الفرد أن يَلْتزِمَ بقرار الجماعةِ، ولا يَخرُجَ عليها بتصرُّفٍ أو سلوكٍ خاطئ، غير محمودٍ عُقباه، وبدون رويَّة وتمعُّنٍ، ويجب أن يعرف ذلك المُخطِئُ المتصرِّف بالسلوك غير المسؤول أن عاقبةَ التصرف ليست بالهَيِّنةِ، وعليه أيضًا أن يُقرَّ بخطئه، وأن يستمِعَ من إخوانه ولا يُكابِر، ويجب عليه أن يعترفَ أن الطاعة شيءٌ عظيم، ومنتقده خاسر.
وفي السياق نفسه يجب على المسؤول - رغم كلِّ المنغِّصات والعقبات - أن يتصرَّف بالحكمة، وأن يَصبِرَ على الأذى، ويصفح عن الذنب.
 
لقد كان الدرس والعقوبة التي تعرَّض لها الصحابة الثلاثة: (كعب، وهلال، ومُرَارَةُ) - صعبة على النفس البشرية، خاصةً أن رسول الله قد سكت عن المنافقين الذين تخلَّفوا عن الغزوة، ولكن لم يَسكُتْ عن هؤلاء الثلاثة، ولعلَّ رسولَ الله أراد أن يُهذِّب نفوسهم، ويُقوِّم طريقهم؛ لأن رسول الله يدرك أن الإيمان في قلوب هؤلاء الصحابة، فكان لا بدَّ من حسابهم؛ لأنهم رجال الغد الذين سيَحمِلون الإسلام للبشرية.
وعندما استجابوا وصبروا، جاءت التوبة من عند الله، الذي لم يكن هنالك ملجأٌ لهم إلا إليه سبحانه.
 
﴿ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة: 118]

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣