أرشيف المقالات

نظرة في كتاب:

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
8 حضارة العرب تأليف الدكتور غوستاف لوبون (الذي نقله إلى العربية الأستاذ محمد عادل زعيتر سنة 1364هـ سنة 1945م، والتزمت طبعه ونشره دار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي وشركاه) ظهر هذا الكتاب، والشبيبة العربية حائرة، لضعف في إيمانها، وعوج في تربيتها، ووهن في ثقافتها، وعجمة في لغتها، ويأس من أمتها، وخجل من ماضيها، وغموض في حاضرها، وخوف من مستقبلها.
أجل ظهر هذا الكتاب النفيس ليقول - بلسان الأجنبي - لضعيف الإيمان هذا هو الصخر من عظمة الأجداد فابن عليه إيمانك الوطني الضاوي الهزيل.
ويقول للبائس! من كان لأمته مثل هذا الماضي المشرق اللامع لا يمكن أن يتسرب اليأس في قلبه، إلا إذا كانت قد حقت عليه اللعنة، ويقول للخجل من أمته الذي لا يحدثك إلا وهو يخلط العربية بألفاظ من لغات متعددة، إنك من شعب لم تعرف البشرية أنبل منه ولا أشرف! وليقول للوجل من الحاضر الخائف من المستقبل (إن الخوف هو لعنة الحياة! وإن الشك في الانتصار هو الهزيمة العابسة النكراء!).
هذا السفر الضخم الذي يقع هو ومقدماته، وفهرساه، وثبت مصادره وتصحيح لتطبيعاته - وهي قليلة - في ستمائة وخمسة وسبعين صفحة من القطع الكبير، يسحرك ويستهويك فتمضي في مطالعته لا تشعر بسآمة ولا ملل، لا تحس إلا وقد قرأت آخر حرف فيه، ولكم تتمنى وأنت تطالع الكتاب، لو كانت أعصابك تسمح لك بقراءته في جلسة مهما تطل. حقا إنك لا تشعر إلا وقد اتجهت أفكارك إلى الدكتور جوستاف لوبون تحييه تحية المعجب بصدقه، الممتن لإخلاصه وإنصافه.
لأنك تجد في الكتاب كل ما تريد أن تقول في مثل هذه الأيام العابسة السود.
فإذا اتهم قومك بالوحشية والتبربر، وإذا أنكر فضل أمتك منكر، وإذا قيل لك إنك من أمة ليس لها في المدنية والعلم من أثر، جاء الدكتور غوستاف لوبون بكتابه هذا يشهد للحق المهيض الجناح.
وجاء قلم الأستاذ الزعيتري العادل ينقل تلك الشهادة لأبناء قومه بقلمه الساحر، وأسلوبه الغض الناضر، فإذا هو تحفة من التحف، التي تستحق أن تقتنى بثقلها ذهباً! لا أقول هذا مبالغة، ولا أقوله إفراطاً مني في تقدير مجهود الأستاذ العادل، فأنا والله لا أعرف الرجل ولكني مجل لفضله، محترم له لما خدم به قومه.
فإذا قلت إن الكتاب يستحق أن يقتنى ولو بثقله ذهباً فما ذلك منى من الإفراط في شيء، فلقد كان عظماء العرب قبل اليوم يكافئون الشاعر المجيد بأن يملئوا فمه جوهراً فأين أحلام الشعراء الذين يتبعهم الغاوون من الحقائق الملموسة التي توقظ في النفس أنبل ذكرياتها؟! ولو لم يكن الغرض من نشر هذا الكتاب باللغة المبينة أن يطلع عليه أعظم عدد ممكن من الناطقين بالضاد لقلت إن ثمته نزر يسير.
أما والغاية من نشره تعميمه فأقترح أن تتولى إحدى الهيئات الوطنية شراء هذا الكتاب وتخفيض ثمنه إلى أقصى حد ممكن، حتى لا يظل بيت خالياً من نسخة منه لأنه من حق الرجل الذي أنصف العرب - يوم كان الإنصاف جريمة - من حقه أن ينشر كتابه أعظم نشر، ومن حق المترجم الذي جعل الحقائق التاريخية الجافة - بما أضفى عليها من بيانه العذب - أنغاماً عذبة أن يروج كتابه أوسع رواج جزاء لجهوده الموفقة. فالكتاب في جملته وتفصيله لا غنى للأديب، ولا للكاتب، ولا للناشئ عنه، وهو خير تحفة لأنه شهادة من عالم كبير يكاد قومه ينكرون على العرب كل فضيلة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان في الاطلاع على التمدن الإسلامي للمرحوم جرجي زيدان ما يغنى عن هذا الكتاب، ولكن أين شهادتنا لأنفسنا من شهادة الأجنبي لنا؟! هذا ولئلا يكون كلامي مقصوراً على ناحية الجمال في هذا الكتاب أرجو من الأستاذ الزعيتري النابه أن يقبل بعض الملاحظات التي تتعلق بألفاظ جرى فيها قلمه على طريقة المعاصرين من أبناء هذه اللغة الشريفة، فجاءت بالنسبة إلى أسلوبه النضر كأنما هي الكلف في وجه الغادة الحسناء، فمن ذلك قوله: الخطأ: البطرا.
الصواب: بطرا ليس غير.
أذكر أن العلامة المرحوم أحمد زكي باشا طلب مني في كتابه المخطوط إلي في سنة 1934 أن أحقق هذه النقطة، فوجدت أن في شرق الأردن مواقع عدة خلط بينها الكتاب والمؤرخون خلطاً شنيعاً. بطرا - وهي المعروفة بالعربية الحجرية، وقد كان المرحوم صروف يكتبها البتراء وهو وهم، وكتبها الخبير الجليل بولس سلمان رئيس أساقفضة شرقي الأردن (بطرى) وهو وهم انفرد به سيادته.
أما البتراء - فماء يرده الكركيون في شرق الأردن، وأرض معروفة هناك.
وخلطوا أيضاً بين (بطرا) والرقيم - مع أن الرقيم شيء وبطرا شيء آخر، فالرقيم موضع في مساكن عرب العجارمة التابعة لقضاء مأدبا، وخلطوا بينها وبين (الرجيب) والرجيب - تحريف لكلمة (الرقيم) لأن عربان بني صخر يلفظون القاف جيماً والجيم باءً في بعض الأحيان، والرجيب هذه موقع بالقرب من عمان حاضرة شرقي الأردن.
وخلطوا بينها وبين (بيتراس) وبيتراس آثار قرية في جهات عجلون من أعمال شرقي الأردن، إذا فالكلمة (بطرا) ليس غير.
ويرى العلامة الكرملي أن كتابتها (بترآء) هي الوجه. الخطأ: البحر الأبيض المتوسط الصواب: هو بحر الروم، أو البحر المتوسط، أو البحر الشامي، أو بحر الشام.
راجع صفحة 21 و99 و135 و136 من كتاب نخب الذخائر في أحوال الجواهر تحقيق الإمام الكرملي المطبوع في مصر سنة 1939.
الخطأ: طيبة. الصواب: طيبة المدينة المنورة، أما المدينة المصرية (فطيوه) ليس غير.
من كتاب مخطوط وجه به الإمام الكرملي.
الخطأ: أمريكه.
الصواب: أمريكة - راجع صفحة 167 و102 و153 و199 و200 من كتاب بلوغ المرام في شرح مسك الختام في من تولى ملك اليمن من ملك وإمام، تحقيق الإمام الكرملي طبعه في مصر سنة 1939.
الخطأ: الأطلسي. الصواب: الأطلنطي، أو الأتلنتي، أو الأتلنتيكي، راجع صفحة 30 و140 من كتاب نخب الذخائر المار ذكره.
ومقدمة ابن خلدون طبعة بيروت الثالثة صفحة 44.
الخطأ: الإمبراطور الصواب: الانبراطور - وهو اللفظ الذي نطق به العرب، راجع مقدمة ابن خلدون طبعة بيروت غير المشكولة ص 204 وص 234 من طبعة بيروت المشكولة.
وقالوا الانبريارين لنبات معهود، والسبب أن العرب تضع نوناً ساكنة قبل الباء المتحركة ولا يرد على ذلك بأن هذه النونات في مثل انبراطور، وسبتنبر، ونوفنبر، وديسنبر تكتب ميمات في اللغات الغربية، لأنها تلفظ نونات في تلك اللغات عينها، عن رسالة مخطوطة، إلى من الإمام الكرملي في 25111940. وهناك وهم شائع لا يكاد ينجو منه مؤرخ محدث وقد تردى في هوته المؤلف نفسه وهو القول بأن الخليفة الأموي عبد الملك ابن مروان هو أول ضارب للنقود في الإسلام. ووجه الصواب: أن النقود ضربت في الإسلام قبل عبد الملك بن مروان.
فلقد ضرب خالد بن الوليد باسمه نقوداً في طبريه سنة 15 أو 16 للهجرة.
راجع التمدن الإسلامي ج 1 ص 120 نقلا عن الدكتور مولر، وصفحة 91 من كتاب النقود العربية وعلم النميات تحقيق الأب الشهير انستاس ماري الكرملي المطبوع في مصر سنة 1939.
وضرب عمر بن الخطاب نقوداً حتى هم بأن يتخذ نقوداً من جلود الإبل.
ص 17 و18 من كتاب النقود العربية وعلم النميات، وكان أول من ضرب النقود مستديرة عبد الله بن الزبير.
راجع صفة 92 من كتاب النقود العربية.
وضرب معاوية أيضاً دنانير عليها تمثال متقلداً سيفاً فوقع منها دينار رديء في يد شيخ من الجند فجاء به إلى معاوية وقال: يا معاوية إنا وجدنا ضربك شر ضرب.
فقال له معاوية: لأحرمنك عطاءك ولا كسوتك القطيفة.
صفحة 23 من كتاب النقود العربية وعلم النميات.
فمما تقدم نرى أن ضرب الإسلام للنقود سبق عبد الملك بن مروان اللهم إذا أردنا أن نقول: (أن عبد الملك بن مروان كان أول موحد للنقد المتداول في البلاد العربية فيحق لنا ذلك). هذا وأسأل الله أن يكون ما قلته خالصاً لوجه العلم والحق. القدس العزيزي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ١