خواطر مسلم
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
خواطر مسلمأولًا: المسلم يعلم ويعي أن المسئولية عن هذا الدين تجعل صاحبها يشعر أن على عاتقة أمانة وفي عنقه بيعة أمام الله ثم أمام الناس تجعله يتحرك بكل قوةٍ وبكل سعيٍ دؤوبٍ من أجل تحقيق ورفعة هذا الدين.
فالمسلم يشعر بأن مسئوليته عن هذا الدين مسئولية فردية يهتم بالدعوة إلى الله وبإعداد الدعاة إلى الله الذين يحملون راية هذا الدين، فيركز في إعدادهم وتكوينهم وتربيتهم التربية العقدية التي تجعل صاحبها صاحب همٍّ يحيي به وصاحب هدف يسعى لتحقيقه حتى لو كلفه تحقيق هذا الهدف حياته.
المسلم يفهم ويُعلم محبيه الواقع المحيط بهم ويربط كل ما يحدث فيه من أحداث بالعقيدة الصحيحة ويعلمهم حكم الواجب في هذا الواقع.
ثانيًا: أن الأخوة في الله هي عبارة عن كيان متماسك الأركان يشد بعضه بعضًا ولا يتحقق هذا الكيان إلا في وجود مجموعة يظلها الإيمان فتنميه وتزكيه فعندها يشعر الفرد بكيانه وذاتيته واعتزازه بالانتماء لهذا الكيان يستشعر بأن له دورًا فعالًا من خلال ارتباطه بإخوانه.
يقول الدكتور محمد أمين المصري - رحمه الله - «إن معنى الأخوة ومعنى التعاون لا يتحققان إلا وسط الجماعة والجماعة خير عون للفرد، تذكره إذا نسي وتوقظه إذا غفل وتدفعه إذا أبطأ.
ولا يتم معنى الجماعة إلا إذا شعر الفرد بالاعتزاز بانتمائه إليها والطمأنينة في وجوده فيها، وأنها حققت أمانيه، وأنه إلى جانب ذلك خلية في الجماعة يمدها ويستمد منها، وأنه لبنة أساسية في بنائها، خلية إذا انفصلت عن جسمها عدمت وإذا ظلت متصلة به تستمد الحياة، والجسم تتكامل وظائفه بشتى خلاياه ويضيره أن يفقد واحدة منها»[1].
فالمسلم يعي هذا جيدًا يحرص على إخوانه أشد الحرص ويتعاهدهم كالأب الحاني والأخ الشفوق على إخوانه لأنه يعلم جيدًا من خلال دراسته لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين لابد أن يقوم في جماعة مسلمة منسجمة الأفكار متصلة الكيان يحنو كل واحدٍ على أخيه ويوده حتى يترابط العقد ويقوى العود، فالعود وحده ضعيف ينكسر إذا انفرد، أما إذا كان ضمن مجموعة من الأعواد مترابط يضم بعضه بعضًا صمد وقوي واشتد ولا يستطيع أحد أن يكسره.
ثالثًا: المسلم يعلم أنه لابد أن نسمو بهممنا، وننهض بمهماتنا، في نصرة دين الله عز وجل فيجب على الناس عمومًا، وعلى الدعاة إلى الله وطلبة العلم خصوصًا، أن يقبلوا على العلم الشرعي، ويتفقهوا في الدين، وأن يأخذوا مما أخذ الراحلون من أهل العلم، خصوصًا في ضروريات الدين، وعلى طلبة العلم الشرعي أن يجدوا ويجتهدوا، وأن يعلموا أن العلماء لم يبرزوا في عشية وضحاها، وإنما برزوا بعد أن حصلوا العلم على مر السنين، ومكابدة الليالي والأيام، ومزاحمة العلماء بالركب، مع إخلاص نية وتضرع لله جل وعلا وصبر واحتساب.
رابعًا: أن العلماء والدعاة إلى الله وطلبة العلم لا يعطون الناس شيئًا من المال، ومن حطام الدنيا، وإنما يعلمونهم العلم، لذلك كانوا كبارًا، فعيشهم ليس لأنفسهم فقط، وإنما للناس لتعليمهم وإرشادهم إلى الحق، فهم كما وصفهم الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -: «يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه»[2].
فمن عاش لنفسه عاش صغيرًا ومات صغيرًا، ومن عاش لغيره عاش كبيرًا ومات كبيرًا.
خامسًا: أن المسلم لابد وأن يتعلم من موت الفجأة أمور وهي:
أن الإخلاص في العمل لله والغاية هي رضى الله لا رضى الناس فمن أرضى الله أرضى عنه الناس ومن أسخط الله أسخط عليه الناس.
أن الصلاة أول الوقت فلا ندري هل ندرك آخره أم لا!!.
أن الموت ليس فقط له طريقة وإنما له موعد حتى لو كنا أصحاء.
أن ما نحتاج شراءه اليوم يمكن ألا نحتاجه غدا..
وأن ما نحتاج قراءته من القرآن اليوم سنكون في أمس الحاجة إليه غدًا..
فنقدم وردنا من القرآن على كل شيء.
أنه يمكن أن نؤمّل الوصول إلى موسم طاعة ومغفرة ونسوّف التوبة إليه ثم لا نصله ولا نبلغه..
فالتوبة اليوم والاستغفار اليوم!! فإذا جاء موسم المغفرة فالازدياد..
وإن لم يأت فقد أخذنا بالاحتياط.
أننا لن نأخذ معنا أي شيء من الدنيا الفانية سوى الأكفان، فهنيئا لمن عمّر بيته بالطاعات وأنار قبره بالقرآن والقربات.
أن صنائع المعروف يقينًا تقينا من مصارع السوء.
أن الدنيا كلها بكل ما فيها حقًا ﴿ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾ [الحديد: 20]..
ليس إلا...
سادسًا: أن الموت نهاية كل حي فهما طال العمر لابد من دخول القبر وأن الموت ليس له ميعاد وأنه قريب جدًا ولن يترك أحدًا، ولا يوجد أحد يحب أن يموت فالحياة محببة إلى النفس البشرية، فلابد علينا أن يستقر في نفوسنا أنه ما دام الموت هو نهاية كل حي أن نتمنى الموت في سبيل الله كما تمنى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، فالشهادة في سبيل الله كانت أسمى أمانيهم قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [آل عمران: 143].
فإذا ترسخ هذا المعنى في نفوسنا حل مكانه في قلوبنا معنى حب الشهادة في سبيل الله والموت في طريق الدعوة إلى الله، وخرج من قلوبنا الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة »[3].
ولا يعني ذلك أننا لا نحزن على من نفقده على طريق الدعوة إلى الله تعالى فالأمة الإسلامية تحتاج إلى رجال يقومون بهذا الدين ولقد حزن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على موته حزنا شديدًا ولكن حزنهم ما منعهم من تبليغ رسالته وإكمال مسيرته والمضي في دعوته.
وصدق أبو العتاهية[4]:
نأتي إلى الدنيا ونحن سواسية
طفل الملوك هنا كطفل الحاشية!
ونغادر الدنيا ونحن كما ترى
متشابهون على قبور حافية!
أعمالنا تُعلى وتَخفض شأننا
وحسابنا بالحق يوم الغاشية!
حور وأنهار قصور عالية
وجهنم تصلى ونار حامية!
فاختر لنفسك ما تحب وتبتغي
ما دام يومك والليالي باقية!
وغدًا مصيرك لا تراجع بعده
إما جنان الخلد وإما الهاوية!
سابعًا: لا يعني معنى موت أحد العلماء أو الدعاة إلى الله أو أحد طلبة العلم، ضياع الأمة وتخبطها في الجهل، ففيما بقي من أهل العلم خير كثير ولله الحمد، فالأمة زاخرة بالكفاءات العلمية، مليئة بالرجال المخلصين، ولا ينبغي أن يخور العزم، ويضعف العطاء، بفقد بعض العلماء أو أحد الدعاة أو أحد طلبة العلم، ففي الأمة بحمد الله من سيحمل مشعل الهداية، وراية العلم والدعوة، والعلم محفوظ ما دام الكتاب والسنة محفوظين، وإن أي زمن لا يخلو من قائم لله بحجة.
إذا مــــات فينــــا سيــــد قــــام سيــــد ♦♦♦ قؤول لمـــــا قال الكرام فعــول
وأن هذا الدين ليس شخصًا بعينه مسئولًا عنه ولكن كل إنسان له دور لابد وأن يؤديه ويقوم به والله سيسأله ماذا قدمت لدين الله؟
ما الجهد الذي بذلته من أجل نصرة هذا الدين؟
فالكل سيسأل فهل أعددنا للسؤال إجابته؟
فالمسلم يعيش همّ هذا الدين وهمّ رفعته وعلوه والنهوض بالأمة وبعثها من جديد وقيادتها للركب المبارك.
[1] المسؤولية محمد أمين المصري ص54.
[2] الرد على الجهمية والزنادقة (1 /6).
[3] أخرجه مسلم (3 /1498)، رقم (1877).
[4] هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق.