أرشيف المقالات

أعمال يسيرة لكنها ثقيلة في الميزان

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
أعمال يسيرة لكنها ثقيلة في الميزان
 
١- مقدمة عن هذا المشهد من مشاهد يوم القيامة والأدلة.
٢- أعمال يسيرة وثقيلة في الميزان.
 
الهدف من الخطبة:
التذكير وتعليق القلوب بيوم القيامة وبيان أسباب النجاة عندما تُوضَع الموازين.
 
مقدمة ومدخل للموضوع:
أيها المسلمون، عباد الله، يقول الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة يتخلَّى فيه القريب عن قريبه؛ فقد روى أبو داود وأحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا يُبْكِيكِ؟))، قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ حِينَ يُقَالُ: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19] حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ)).
 
ميزان لا يترك ولا يَذَرُ صغيرةً ولا كبيرةً من أعمال العباد؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، فيا لسعادة وفلاح مَن ثقلت موازينه بالحسنات! ويا لخسارة مَن ضيَّع وفرَّط في الحسنات، وأسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي! قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 102، 103]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [القارعة: 6 - 11].
 
ومن هذا المنطلق فإننا نحتاج إلى وقفة تفكُّر وتدبُّر، ومحاسبة لأنفسنا، ماذا أعددنا من حسنات وأعمال لهذا المشهد العظيم؟ ولقد بيَّنَ لنا النبي عليه الصلاة والسلام أعمالًا كثيرةً ويسيرةً تثقل الميزان بإذن الله تعالى فمنها:
1- شهادة التوحيد:
فقد بلغ من عِظمها ما جاء في الحديث: ((قال موسى: يا رب علِّمْني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كِفَّة ولا إله إلا الله في كِفَّة مالت بهن لا إله إلا الله))، وروى النسائي وأحمد من حديث عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ نوحًا قال لابنه: إني قاصر عليك الوصية، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: أوصيك بـ لا إله إلا الله فإن لا إله إلا الله لو وُضِعت فى كِفَّة ووُضِعت ؛ السموات والأرض في كِفَّة لرجحت بهن لا إله إلا الله..)).
 
وتأمَّل هذا الحديث العظيم الذي يُبيِّن عِظَم هذه الكلمة يوم القيامة وكيف أنها تُنجي صاحبها عند الميزان؛ حديث البطاقة وفيه: ((...فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ)).
 
2- حسن الخلق:
فقد روى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ)).
 
3- ذكر الله عز وجل:
وإذا تحدثنا عن الميزان وما يثقله فسيتبادر إلى الأذهان هذا الذكر العظيم الذي يحفظه الصغير والكبير؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمده، سُبْحَانَ اللَّهِ العظيم))، وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهورُ شَطْرُ الإيمان، والحمدُ لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماءِ والأرضِ))، ومنها ما رواه أحمد وصحَّحَه الألباني عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بَخٍ بَخٍ، خَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ وَالِدَاهُ))، ومنها ما رواه مسلم عَنْ أُمِّ المؤمنين جُوَيْرِيَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: ((مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟!))، قَالَتْ: نَعَمْ، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ)).
 
4- ومنها المحافظة على الأذكار دُبُر الصلوات وقبل النوم:
فقد روى أبو داود وغيره عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خصلتانِ لا يُحافظ عليهما عبدٌ مسلمٌ إلَّا دخلَ الجنةَ، هما يسير ومن يعمل بهما قليل؛ يسبِّح في دُبُر كل صلاة عشرًا، ويحمد عشرًا، ويُكبِّر عشرًا، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمس مائة في الميزان، ويكبر أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويسبح ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائة باللسان وألف في الميزان)).
 
5- المحافظة على آداب يوم الجمعة والتبكير لها:
وتأمَّل هذا الأجر والثواب العظيم لمن حافظ على آداب ومستحبَّات يوم الجمعة ومن ضمنها التبكير إلى المسجد؛ فقد روى أحمد وأصحاب السنن من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا))؛ فالخطوة إلى الجمعة تعدل جبالًا من الأجور والحسنات، وفي الحديث الصحيح: ((...ثم رَاحَ في الساعة الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً...)).
 
نسأل الله العظيم أن يثقل لنا الموازين، ويجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
 
الخطبة الثانية
ومن الأعمال اليسيرة التي تثقل الميزان أيضًا:
6- الصلاة على الجنائز واتِّباعها حتى تُدفَن:
ففي الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن شَهِدَ الجنازةَ حتى يُصلَّى عليها فله قيراطٌ، ومَن شَهِدَها حتى تُدفَن فله قيراطان))، قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مِثْلُ الجبلينِ العظيمينِ))، وفي رواية: ((أصغرُهما مثلُ أُحُد))، وفي رواية: ((والذي نفس محمد بيده لهو أثقلُ في ميزانه من أُحُد))، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما سمِعَ هذا الخبر قال: "لقد فرَّطْنا في قراريط كثيرة".
 
7- الصدقة من الكسب الطيب:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تصدَّق بِعَدْلِ تَمرةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ، فإنَّ اللهَ يقبلها بيمينه، ثم يُرَبِّيها لصاحبها كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّه حتى تكون مِثْلَ الجبلِ)).
 
8- أعمال أخرى ويسيرة:
الصلاةُ في جماعة؛ ففي صلاة الجماعة فضلٌ عظيمٌ وخيرٌ كثيرٌ، وقد جاء ذلك في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فمنها: ((صلاةُ الرجلِ في الجماعةِ تُضعَّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضِعْفًا))، ((وصلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجةً))، ((مَن صَلَّى الْعِشاء فِي جماعةٍ فَكَأَنَّهُ قَامَ نصف اللَّيْل، وَمنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جماعةٍ فَكَأَنَّهُ قَامَ اللَّيْلَ كُلَّه)).
 
ومنها الجلوس بعد الفجر حتى الشروق، والإكثار من قراءة القرآن الكريم، وقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والإكثار من لا حول ولا قوة إلا بالله.
 
فينبغي علينا أن نستكثر من هذه الأعمال الصالحة؛ فلعل هذه الأعمال الصالحة تكون سببًا للنجاة يوم القيامة، ولا تستصغر أي حسنة فلعلَّها سبب النجاة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا...))، ولقد كانت عائشة رضي الله عنها تتصدَّق بالصغير والكبير وبالقليل والكثير، وتصدَّقت ذات يوم بعنبة فاستنكر عليها من عندها، وقالوا: وماذا يفعل المسكين بعنبة واحدة؟ فقالت لهم: كم فيها من مثقال ذرةٍ؟!
 
نسأل الله العظيم أن يثقل لنا الموازين.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن