أرشيف المقالات

نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع
 
أنواع النَّسخ والحكمة من وجوده:
يتنوع النَّسخ إلى أنواع، وما من نوع إلا وقد شرع لحِكم جليلة وفوائد عظيمة.
 
أنواع النَّسخ:
يمكن أن نقسم النَّسخ على وجه العموم إلى قسمين: نسخ شريعة النبي صلى الله عليه وسلم للشرائع السابقة، والنَّسخ داخل هذه الشريعة.
 
نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:
لما كانت شريعة الإسلام آخر الشرائع، وصالحة لكل زمان ومكان؛ إذ لا شريعة بعدها، فقد نسخ الله بها ما شاء من الشرائع الماضية.
 
قال الإمام الزركشي: "شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع بالإجماع"[1].
 
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: "وقد أجمعت الأمةُ على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قد نسَخت ما خالفها من شرائع الأنبياء"[2].

وحينما يقرر أهل العلم بل يجمعون على نسخ هذه الشريعة لِما قبلها من الشرائع، فالمقصود ما يمكن أن نسميه فروعًا دون الأصول، أو الهيئات والكيفيات دون الحقائق والذوات؛ فإن الأصول - أو الحقائق والذوات - ثابتة لا تنسخ، بل هي مقررة في كل شريعة وأمة؛ فأصل الأصول - ألا وهو التوحيد - لا يمكن أن يتطرق له النَّسخ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال - جل في علاه -: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]، وقال - جل شأنه -: ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، وقال - جل جلاله -: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ...
[الشورى: 13].
 
فهذه الشريعة لم تنسخ هذا الأصل الأصيل، الذي هو لب الشرائع كلها، مهما اختلفت الأمم وتباعدت الأزمان.
 
ونفس الشيء يقال بالنسبة لأصول العبادات؛ من صلاة وصيام وغيرها؛ فهذه الأصول ثابتة، وأقصد بذلك حقائقها وذواتها؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183]، وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ﴾ [مريم: 55]، وقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، وقال حكاية عن قوم شعيب عليه السلام: ﴿ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ﴾ [هود: 87].
 
وكذلك أصول الأخلاق والمعاملات والآداب؛ فكل ذلك ثابت لا نسخ فيه، إنما النَّسخ في الكيفيات والهيئات.
 
وقد نقل الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى - عن القَرافي قوله: "وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرًا، وهو غير مسلَّم، والمراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة، أما كلها فلا؛ لأن قواعد العقائد لم تنسخ، وكذلك حفظ الكليات الخمس"[3].



[1] البحر المحيط في أصول الفقه: 3/155.


[2] روضة الناظر وجنة المناظر: 1/73.


[3] إرشاد الفحول: 1/353.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢