أرشيف المقالات

حقوق المرأة في النظام القضائي (8)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
فقه التقاضي
الحلقة (120)
حقوق المرأة في النظام القضائي (8)
 
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعي الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وما زال الحديث متصلًا عن عناية النظام القضائي السعودي بالأسرة.

وقد تناولت هذا الموضوع في بضع حلقات عبر المحاور الآتية:
1- حقوقٌ وتعليمات عند عقد النكاح.
2- حقوق خلال العِشرة الزوجية، وقد مضى الحديث عنهما في الحلقات الماضية.
3- حقوق عند انتهاء العِشرة الزوجية.
4- وصايا وتنبيهات.

وسيكون موضوع حلقتنا هذه الحديث عن هذين المحورين باختصار.

مستمعي الأفاضل، تحفظ الأنظمة القضائية حق المرأة فيما لو وقع الفِراق بين الزوجين، وفي الفقرات الآتية إيضاح بعض الإجراءات التي تُسهم في المحافظة على حق المرأة.

• وثيقة الطلاق لها أهميتها، والمطلَّقة أحق باستلام هذه الوثيقة حال إثبات الطلاق؛ ولذا ورد التأكيد على المحاكم بذلك؛ كما في تعميم وزارة العدل ذي الرقم 8/ 26/ ت والتاريخ 27/ 2/ 1410هـ، الذي تضمن التأكيد على أن لا يسلم صكُّ الطلاق إلا للمطلقة أو وليها أو وكيلها الشرعي، وإذا كانت خارج المنطقة فيؤخذ عنوانها من المطلِّق، ويرسل إليها؛ لأن صك الطلاق خاص بالمطلقة؛ إذ هو وثيقة إثبات طلاقها، يرجع إليه عند حاجتها له، واعتماد الأخذ بذلك باعتباره قاعدة عامة في هذا الموضوع.

• مسألة: هل يمكن توثيق الشروط بين الزوجين عند الطلاق على عوض؟
نعم، فربما كان الطلاق باتفاق بين الزوجين على شروط محددة، أو كان الطلاق على عوض؛ ففي هذه الحالة توثِّق المحكمة الطلاق وما يصحبه من شروطٍ بين الطرَفين.

وقد نص على ذلك تعميم وزارة العدل ذو الرقم 13/ ت/ 1703 والتاريخ 6/ 1/ 1422هـ، المبني على قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة ذي الرقم 283/ 52 والتاريخ 1/ 12/ 1421هـ.

• في حال إثبات الطلاق، فإن المحكمة تخاطب إدارة الأحوال المدنية لإسقاط اسم المطلقة من دفتر عائلة زوجها الذي طلقها، وذلك بناءً على تعميم وزارة العدل ذي الرقم 12/ ت/ 127 والتاريخ 3/ 11/ 1412هـ، المبني على نظام الأحوال المدنية الذي ورد في المادة (51) منه بأنه يجب إشعار إدارات الأحوال المدنية بجميع واقعات الزواج والطلاق والرجعة، ونحو ذلك.

وفي هذا حماية لحق الزوجة المطلقة، ومنع لاستغلال اسمها في بعض الأغراض.

• من المسائل التي يكثر السؤال عنها عند الطلاق: الحقُّ في حضانة الأبناء والبنات، هل الأحق الأب أم الأم؟، ويمكن تلخيص الجواب في الفقرات الآتية:
أ - الأصل أن الأم أحق بحضانة الصغير الذي دون سبع سنوات، ذكرًا كان أو أنثى؛ للحديث المشهور: ((أنتِ أحق به ما لم تنكحي))؛ كما في سنن أبي داود (2/ 283)، ثم أمهاتها، ثم الأب.

ب - إذا بلغ الصبي سبعًا خُيِّر بين أبويه، فمن وقع عليه الاختيار كان أحقَّ به، مع حق الطرَف الآخَر في الزيارة في الوقت المناسب.

ج - وإن لم يختَرْ أحدهما فإنه يُصار إلى القرعة.

د - والأنثى إذا بلغت سبعًا تكون عند أبيها، وهو المذهب عند الحنابلة، ويرى الجمهور: أنها تكون عند الأم، وهي رواية عند أحمد.

هـ - وأما البنات الكبيرات فعلى الخلاف السابق، والعبرة بالمصلحة.

و - مع من يكون الأبناء الكبار؟: البالغ يكون مع مَن يشاء، مع اشتراط البِرِّ بوالديه، وكراهة الانفراد عنهما.

ز - وهنا أمر مهم يجب التنبيه إليه، وهو أن "التخيير والقرعة لا يكونان إلا إذا حصلت به مصلحة الولد، وكون كلٍّ من الوالدينِ نظير الآخر، فلو كانت الأمُّ أصونَ من الأب وأغيَرَ منه، قدِّمت عليه، ولا التفات إلى قرعة، ولا اختيار الصبي في هذه الحالة؛ فإن الصبي ضعيف العقل، يؤثِرُ البطَالة واللعب، فإذا اختار مَن يساعده على ذلك، فلا التفات إلى اختياره، وكان عندَ منَ هو أنفع له، ولا تحتمل الشريعة غير هذا"؛ {حاشية الروض المربع لابن قاسم 7 / 160}، ونقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما.

وبناءً على ذلك، جرى عمل المحاكم على مراعاة مصلحة المحضُونِ في بقائه لدى أمه أو أبيه.

ح - ولا يمكن الإطلاق بأن الأحق بحضانة الصغير: أمه أو أبوه، أو غيرهما، وإنما يخضع ذلك لتقدير المحكمة فيما تتحقق به مصلحةُ الصغير، وتوفر القدرة على القيام بواجب الحضانة ومتطلباتها.

رابعًا: توصيات:
مع كل ما سبقت الإشارة إليه من عناية الأنظمة القضائية في المملكة العربية السعودية بالمرأة، وحقوقها، وتيسير إجراءاتها لدى المحاكم، ومع الجهد المقدر الذي تبذله الجهات العدلية نحو المرأة وحفظ حقوقها، فإن هناك ملحوظات ينبغي تلافِيها، ومقترحاتٍ يوصى بها.


ومن ذلك: التأكيد على الحقوق التي كفَلتها الشريعة الإسلامية للمرأة، ومن أهمها في هذا الموضوع:
أ - أن للمرأة ذمتَها المالية المستقلة.

ب - أن حق الزوجة في النفقة واجب على الزوج، حتى لو كانت غنية.

ج - أن الأصل في حال وفاة الأب أن تجعل المحكمة للأم حق الولاية المالية على صغارها، والأولى: ألا تتنازل الأم عن هذا الحق، وفي حال عدم استطاعتها على القيام بأعباء الولاية يمكِنُها الاكتفاء بتوكيل الغير لإنهاء مصالحهم، بموجب وكالة شرعية مع إبقاء الولاية لديها؛ لأن إجراءات إثبات الوكالة وفسخها يسيرة، ومتى تبين للأم أن الوكيل مقصر في القيام بما وُكِّل فيه تيسر لها فسخ الوكالة، وأما فسخ الولاية - فيما لو كان الولي غير الأم - فإن له إجراءات طويلة، ولا بد فيه من البيِّنة الموصلة.

ومن التنبيهات والوصايا الهامة: بذل الأسباب من قِبَل المرأة لحفظ حقوقها، وعدم التفريط فيها، ومن وسائل ذلك:
أ - العناية بالتوثيق في العقود والديون ونحوها، وقد وردت الأدلةُ الشرعية على أهمية حفظ الحقوق بتوثيقها والإشهاد عليها.

ب - تسجيل العقارات التي تملِكها المرأة باسمها، وعدم التساهل بتسمية العقارات بأسماء غيرهن، مهما كانت الثقةُ موجودة.

ج - الحذر من استخراج قروض باسم المرأة لصالح أطراف أخرى إلا بضمانات كافية.

وختامًا ـ أيها المستمعون الأفاضل ـ هذا ما تيسَّر ذِكره في هذه الحلقات من تسليط الضوء على حقوق المرأة والأسرة في النظام القضائي السعودي.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

المرئيات-١