أرشيف المقالات

موجبات الغسل على الرجال والنساء

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
مُوجبات الغُسل على الرجال والنساء
 
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
 
وبعد:
شرع الله عز وجل الطهارة الكبرى، وهي الغُسل، وجعله شرطًا وسببًا لاستباحة العديد من العبادات؛ مثل: الصلاة ونحوها؛ ولكن هذا الغُسل لا يجب على المُكلفين من الرجال والنساء، إلا بأسباب مُتعددة، إذا تحقق وحصل واحد منها وجب على المُسلم أن يغتسل بتعميم جميع جسده بالماء الطَّهُور.
 
وهذه المُوجبات توقيفية؛ أي: لا يجوز لأي شخص أن يُوجب الغُسل على نفسه بأي أمر من الأمور، إلا بما دلَّ عليه الدليل الشرعي؛ لأن الأصل براءة الذمة من وجوبه، والإيجاب حُكم شرعي والْمُتقرَّر أن الأحكام الشرعية تفتقر في ثبوتها إلى الأدلة الصحيحة في كتاب الله أو سُنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
 
ومن المواضع التي يكون فيها الغُسل واجبًا على الرجل أو المرأة ما يلي:
• أولًا: خُروج المني من مخرجه على وجه الصحة في اليقظة أو النوم من رجل أو امرأة، وخُروج المني من مخرجه من الذكر أو الأنثى لا يخلو: إما أن يخرج في حال اليقظة أو حال النوم، فإن خرج في حال اليقظة اشترط وجود اللذة بخُروجه، فإن خرج بدون لذة لم يُوجب الغُسل؛ كالذي يخرج بسبب مرض، وإن خرج في حال النوم وهو ما يُسمَّى بالاحتلام وجب الغُسل مُطلقًا؛ لفقد إدراكه، فقد لا يشعر باللذة، فالنائم إذا استيقظ ووجد أثر المني، وجب عليه الغُسل، وإن احتلم ولم يخرج منه مني، ولم يجد له أثرًا، لم يجب عليه الغُسل.
 
• ثانيًا: التقاء الخِتانين وإن لم يحصل إنزال؛ وذلك بأن تغيب حشفة الذكر (أي: رأسه) في فرج المرأة؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس بين شُعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغُسل)؛ رواه البخاري ومُسلم، وزاد مُسلم وأحمد: ((وإن لم ينزل)).
 
وقوله: ((شُعبها)): الشعب: جمع شُعبة؛ وهي القطعة من الشيء.
قيل: المُراد هنا: يداها ورجلاها، وقيل: رجلاها وفخذاها.
وقيل: ساقاها وفخذاها، وقيل: فخذاها واستاها.
وقيل: فخذاها وشفراها، وقيل: نواحي فرجها الأربع.
 
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصار: لا يجب الغُسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المُهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغُسل، قال: قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة، فأُذِن لي، فقلت لها: يا أماه - أو يا أم المُؤمنين - إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك، فقالت: لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلًا عنه أمِّك التي ولدتك؛ فإنما أنا أمُّك، قلت: فما يُوجب الغُسل؟ قالت على الخبير سقطْتَ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس بين شُعبها الأربع ومس الخِتانُ الخِتانَ، فقد وجب الغُسل)؛ رواه مُسلم.
 
فيجب الغُسل على الواطئ والموطوءة بالإيلاج، ولو لم يحصل إنزال.
 
وقد حكى النووي رحمه الله وغيره انعقاد الإجماع على ذلك؛ قال النووي رحمه الله: (وقد أُجمع على وجوب الغُسل متى غابت الحشفة في الفرج؛ وإنما كان الخلاف فيه لبعض الصحابة ومن بعدهم، ثم انعقد الإجماع على ما ذكرنا)؛ ا هـ.
 
والمقصود بالخِتانين هنا: ختان الرجل وخِتان المرأة؛ أي: موضع الخِتان (القطع) من كل واحد منهما.
 
والخِتان بالنسبة للرجل: هو قطع أو إزالة أو استئصال (القلفة)؛ أي: الجلدة التي تُغطي الحشفة؛ (أي: رأس الذكر).
 
وخِتان المرأة هو: قطع جلدة في أعلى الفرج مُجاورة لمخرج البول كعرف الديك، تُعرف بالبظر؛ وهو عضو انتصابي عند المرأة؛ لكنه صغير الحجم.
 
والحِكمة من ختان الرجل تطهيرُه من النجاسة المُحتقنة في القلفة، والحِكْمة من ختان المرأة تعديل وتخفيف شهوتها، وإزالة غُلمتها، أما مُجرَّد المس بين الخِتانين من غير إيلاج، فلا يجب فيه الغُسْل على واحد منهما إجماعًا.
 
فليس المراد بالتقاء الخِتانين التصاقهما وضم أحدهما إلى الآخر، فلو وضع الرجل موضع خِتانه على موضع خِتانها ولم يُدخله في مدخل الذكر لم يجب الغُسْل.
 
• ثالثًا: انقطاع دم الحيض والنفاس:
اتفق الفُقهاء على أن الحيض والنفاس من مُوجبات الغُسل، ونقل ابن المُنذر وابن جرير الطبري وآخرون الإجماع عليه.
 
ودليل وجوب الغُسل في الحيض: قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222].
 
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾؛ أي: من الدم، فإذا انقطع الدم عنها، ورأت النقاء، فقد انقطع حيضُها ونفاسُها، وغالب النساء تعرف انقطاع حيضها بخُروج القصة البيضاء؛ وهي: (ماء أبيض رقيق يأتي في آخر الحيض)، فإذا خرجت فإنها علامة على النقاء.
 
وقوله: ﴿ فإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾؛ أي: إذا حصل النقاء من الحيض بانقطاع الدم، وجب عليهنَّ الاغتسال، فإذا اغتسلن منه فأتوهن من حيث أمركم الله بإتيانهن وهو القُبُل لا الدُّبُر، فإنه مُحرَّم؛ ولذلك منع الزوج من إتيان زوجته - أي وطئها قبل غُسلها - حتى تغتسل، وهذا يدلُّ على وجوبه عليها.
 
ولما رواه البخاري ومُسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة بنت أبي حُبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة، فقال: ((لا، إن ذلك عرق؛ ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي)).
 
وفي لفظ: ((إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدمَ وصلِّي)).
 
وعن عُروة بن الزُّبير: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبدالرحمن بن عوف، شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم، فقال لها: ((امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي))؛ رواه مُسلم.
 
ودليل وجوب الغُسل في النفاس: حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: "فولدت أسماء بنت عُميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي))؛ رواه مُسلم.
 
ولأن النفساء كالحائض فهي تُساويها في سائر أحكامها؛ فإن دم النفاس هو دم الحيض بإجماع الصحابة ومَن بعدهم.
 
• رابعًا: الموت إلا شهيد المعركة في سبيل الله:
من المُوجبات للغُسل (الموت)، إلا شهيد المعركة في سبيل الله، فإن مات مُسلم بين قوم مُسلمين، وجب عليهم وجوبًا كفائيًّا أن يُغسِّلوه، والدليل على ذلك أمره صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تُوفيت ابنته، فقال: ((اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا، أو أكثر من ذلك، إن رأيتنَّ ذلك))؛ رواه البخاري ومُسلم.
 
وقال في الذي سقط عن راحلته بعرفة فمات وهو مُحرم: ((اغسلوه بماء وسدر وكفِّنوه في ثوبيه))؛ رواه البخاري ومُسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
 
والأصل في الأمر الوجوب، وقد أجمع العلماء على ذلك؛ ولكن الوجوب هنا يتعلق بالحي؛ لأن الميت انقطع تكليفه بموته، لكن على الأحياء أن يُغسلوا موتاهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
 
أما حُكم غُسل الشهيد الذي قُتل في المعركة فله حالتان:
• الحالة الأولى: إذا لم يكن جُنبًا:
فمذهب جُمهور العُلماء، ومنهم الأئمة الأربعة، لا يُغسل، وهو قول عطاء والنخعي وسُليمان بن موسى، ويحيى الأنصاري، والحاكم، وحماد، والليث، وإسحاق، وأبي ثور، وابن المُنذر؛ لحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: ((أيهم "أيهما" أكثر أخذًا للقرآن، فإذا أشير له إلى أحدهما، قدَّمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يُغسلوا، ولم يُصلَّ عليهم)؛ رواه البخاري.
 
وعن جابر أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قتلى أحد: ((لا تُغسِّلوهم؛ فإن كل جُرح أو كل دم يفوح مسكًا يوم القيامة، ولم يُصلِّ عليهم))؛ رواه أحمد، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
 
وعن أنس رضي الله عنه: "أن شُهداء أُحُد لم يُغسَّلوا، ودُفنوا بدمائهم، ولم يُصَلَّ عليهم"؛ رواه أبو داود والترمذي وأحمد، والحاكم، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
 
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: "رمى رجل بسهم في صدره، أو قال: في جوفه، فمات فأُدرج في ثيابه كما هو، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"؛ رواه أبو داود، وأحمد، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
 
• الحالة الثانية: إذا كان جُنبًا:
اختلف الفُقهاء في تغسيل الشهيد إن كان جُنبًا، فذهب الحنفية والحنابلة ورواية عن الشافعية، وهو قول سُحنون من المالكية إلى أنه يُغسَّل، ويرى جُمهور المالكية وأبو يوسف ومحمد بن الحنفية والشافعية في الأصح أنه لا يُغسَّل؛ لعُموم الخبر في الشهداء، فعن عبدالله بن ثعلبة بن أبي صعير وثبتنيه معمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على قتلى أحد فقال: ((إني أشهد على هؤلاء، زمِّلُوهم بكُلومهم ودمائهم))؛ رواه أحمد، وصحَّحه الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله.
 
وهذا عام في الجُنُب وغيره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُغسِّل الذين قُتِلوا في معركة أُحُد.
 
وقالوا: أما ما يُذكر من أن حنظلة رضي الله عنه "غسَّلته الملائكة"، فهذا ليس فيه دليل على أنه يُغسِّله البشر؛ لأن تغسيل الملائكة له ليس شيئًا محسوسًا لنا، وأحكام البشر لا تُقاس على أحكام الملائكة، وما حصل لحنظلة رضي الله عنه هو من باب الكرامة، وليس من باب التكليف، فقد استشهد حنظلة رضي الله عنه وهو جُنُب وغسَّلته الملائكة، وقصَّته مشهورة؛ فعن الزُّبير رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: ((إن صاحبكم حنظلة تُغسِّله الملائكة، فسلوا صاحبته))، وفي رواية: ((فاسألوا أهله: ما شأنه؟))، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فذاك قد غسَّلته الملائكة))؛ رواه البيهقي وابن حبان والحاكم، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
 
• خامسًا: إسلام الكافر (أصليًّا أو مُرتدًّا):
الكافر الأصلي: هو من كان من أول حياته على غير دين الإسلام؛ كاليهودي؛ والنصراني، والبُوذي، وما أشبه ذلك.
والمرتد: هو من كان على دين الإسلام ثم ارتدَّ عنه.
 
اختلف العُلماء في الكافر إذا أسلم هل يجب عليه الغُسل أم لا؟ على قولين:
• القول الأول: يجب الغُسل وهو مذهب المالكية والحنابلة، واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن ثمامة بن أثال رضي الله عنه أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمُروه أن يغتسل))؛ رواه البخاري ومُسلم، وحديث قيس بن عاصم: ((أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر))؛ رواه الترمذي والنسائي والبيهقي وابن حبان وابن خُزيمة وأحمد والطبراني، وصحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله.
 
فهذان الحديثان أمر فيهما النبي من أسلم بالغُسْل، والأمر يُفيد الوجوب ما لم تصرفْه قرينةٌ كما هو مُقرَّر في الأصول، وكذلك فإن الكافر إذا أسلم فقد طهُر باطنه من نجس الشرك، فمن الحِكمة أن يُطهر ظاهره بالغُسْل،
 
ولأنه لا يسلم غالبًا من جنابة، فأقيمت المظنَّة مقام الحقيقة؛ كالنوم والتقاء الخِتانين، ولم يُفرقوا في ذلك بين الكافر الأصلي والمُرتد، فيجب الغُسْل على المُرتد أيضًا إذا أسلم.
 
وروى ابن هِشام في السيرة والطبري في تاريخه: "أن سعد بن مُعاذ، وأُسيد بن حُضير حين أرادا الإسلام سألا مُصعب بن عُمير وأسعد بن زُرارة: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قالا: نغتسل ونشهد شهادة الحق".
 
قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين رحمه الله: "من مُوجبات الغُسْل إسلام الكافر، فإذا أسلم الكافر فقد وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا أو مُرتدًّا، فالأصلي هو الذي من أول حياته على غير دين الإسلام؛ كاليهودي والنصراني وغيرهم، والمُرتد هو من كان على دين الإسلام، ثم ارتدَّ والعياذ بالله، ثم عاد إلى الإسلام.
 
والدليل على هذا: حديث قيس بن عاصم السابق؛ حيث "أمره النبي صلى الله عليه وسلم لما أسلم أن يغتسل بماء وسدر"؛ ولحديث ثمامة بن أثال أنه أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: ((اذهبوا به إلى حائط بني فُلان، فمروه أن يغتسل))، ولأن الكافر بإسلامه قد طهَّر باطنه من نجاسة الكفر والشرك، فمن الحِكمة أن يُطهِّر ظاهره بالاغتسال.
 
وذهب بعض العُلماء إلى أن الغُسْل لا يجب على الكافر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك أمرًا عامًّا؛ وإنما ما وقع منه في ذلك كان قضايا عين، فلو كان الغُسْل واجبًا على كل من أسلم، لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا، ولم يُؤخِّر ذلك، وما أكثر الصحابة الذين أسلموا فلم يُنقل أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالاغتسال!
 
والصواب وجوب ذلك؛ لأن أمره للواحد من الأمة، أمرٌ لها كلها ما لم يرد أمر يُخصِّص ذلك، فيكفي في الوجوب ما سبق من الأحاديث"؛ ا هـ.
 
• القول الثاني:
يُستحبُّ الغُسْل إذا كان على غير جنابة، وهو مذهب الحنفية والشافعية، واستدلوا بأن النبي لم يأمر كل من أسلم بالغُسْل، وقد أسلم أناس كثيرون، ولو كان واجبًا لما خصَّ به بعضًا دون بعض، فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب والاستحباب.
 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "لو فرض أنه أجنب في حال كُفْره، ثم أسلم، وهو لم يغتسل في حال الكفر، فهل يجب عليه الغُسْل أو لا؟ فيه قولان: منهم من قال يجب عليه الغُسْل؛ لأن الحدث باق لم يرتفع، ومنهم من قال: لا يجب لعُموم عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن أسلم أن يغتسل؛ ولقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]؛ ولكن في هذه المسألة الاحتياط أن يغتسل، وإن قلنا بأن الكافر لا غُسْل عليه إذا أسلم؛ لأن الحدث قد وجد، والأصل بقاؤه حتى يرتفع بدليل شرعي"؛ ا هـ.
 
أخي الحبيب، أكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافيًا كافيًا في توضيح المُراد، وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل، وما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ أو زَلَلٍ فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله مني بريئان، والله المُوفِّق، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 
وفي الختام:
أسأل الله عز وجل لي ولكم ولجميع المسلمين العلم النافع، والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢