أرشيف المقالات

حضانة الأطفال

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
حضانة الأطفال
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا إلَهَ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي اصْطَفَاهُ وَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
 
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ حضانة الأطفال لها أحكام فقهية، ينبغي على طلب العِلْم معرفتها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف الحضانة:
الحضانة في اللغة: الضم.
 
يُقالُ: حَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ: ضَمَّهُ تَحْتَ جَنَاحِهِ.
وَالْجَمْعُ أَحْضَانٌ.
(لسان العرب لابن منظور جـ2صـ911)، (المصباح المنير صـ 140).
 
الحضانة في الشرع: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأُمُورِهِ وَتَرْبِيَتُهُ بِمَا يُصْلِحُهُ.
(حاشيتا قليوبي وعميرة جـ4 صـ89).
 
حكْم حضانة الطفل:
كَفَالَةُ الطِّفْلِ وَحَضَانَتُهُ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَهْلِكُ بِتَرْكِهِ، فَيَجِبُ حِفْظُهُ عَنْ الْهَلَاكِ، كَمَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ، وَإِنْجَاؤُهُ مِنْ الْمَهَالِكِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِقَرَابَتِهِ، لِأَنَّ فِيهَا وِلَايَةً عَلَى الطِّفْلِ وَاسْتِصْحَابًا لَهُ، فَتَعَلَّقَ بِهَا الْحَقُّ، كَكَفَالَةِ اللَّقِيطِ.
(المغني لابن قدامةجـ11صـ412).
 
الأحق بحضانة الطفل:
أحق الناس بحضانة الطفل هم أبواه، لأنهما أصدق الناس حبًا له، وأرفقهم به، وأحناهم عليه.
وأما إذا افترق الوالدان، فإن أم الطفل أحق بحضانته ما لم تتزوج.
(المغني لابن قدامةجـ11صـ413).
 
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العاص، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي».
(حديث حسن) ( صحيح سنن أبي داود للألباني حديث 1991).
 
ترتيب أصحاب الحقوق في الحضانة:
الترتيب بين أصحاب الحق في الحضانة يكون على هذا النحو التالي:
الأم: فإذا وجد مانع يمنع تقديمها انتقلت الحضانة إلى أم الأم، وإن علت.
فإن وجد مانع انتقلت إلى أم الأب، ثم إلى الأخت الشقيقة.
ثم الأخت لام، ثم الأخت لأب، ثم بنت الأخت الشقيقة فبنت الأخت لام.
ثم الخالة الشقيقة، فالخالة لام.
فالخالة لأب.
ثم بنت الأخت لأب.
ثم بنت الأخ الشقيق، فبنت الأخ لام، فبنت الأخ لأب، ثم العمة الشقيقة، فالعمة لأم فالعمة لأب، ثم خالة الأم، فخالة الأب، فعمة الأم، فعمة الأب، بتقديم الشقيقة في كل منهن.
فإذا لم توجد للصغير قريبات من هذه المحارم، أو وجدت وليست أهلا للحضانة، انتقلت الحضانة إلى العَصَبَات من المحارم، من الرجال على حسب الترتيب في الإرث.
فينتقل حق الحضانة إلى الأب، ثم أبي أبيه، وإن عَلا، ثم إلى الأخ الشقيق، ثم إلى الأخ لأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب، ثم العم الشقيق، فالعم لأب، ثم عم أبيه الشقيق، ثم عم أبيه لأب.
فإذا لم يوجد من عصبته من الرجال المحارم أحد، أو وجد وليس أهلًا للحضانة، انتقل حق الحضانة إلى محارمه من الرجال غير العصبة.
فيكون للجد لأم، ثم للأخ لأم، ثم لابن الأخ لأم، ثم للعم لأم، ثم للخال الشقيق، فالخال لأب، فالخال لأم.
فإذا لم يكن للصغير قريب عَيَّنَ القاضي له حاضنة تقوم بتربيته.
 
وإنما كان ترتيب الحضانة على هذا النحو، لأن حضانة الطفل أمرٌ لابد منه، وأولى الناس به قرابته، وبعض القرابة أولى من بعض.
فيقدم الأولياء لكون ولاية النظر في مصالحه إليهم ابتداءً، فإذا لم يكونوا موجودين، أو كانوا ووُجِدَ ما يمنعهم من الحضانة، انتقلت إلى الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن ثمة قريب، فإن الحاكم مسئولٌ عن تعيين مَن يصلح للحضانة.
(فقه السنة للسيد سابق جـ3صـ:94 - 95).
 

شروط حضانة الطفل:
يُشترطُ في الحاضنة التي تتولى تربية الصغير وتقوم على شئونه، الكفاءة والقدرة على الاضطلاع بهذه المهمة، وإنما تتحقق القدرة والكفاءة بتوفر شروط معينة، فإذا لم يتوفر شرط منها سقطت الحضانة، وهذه الشروط هي:
1- العقل: فلا حضانة لمعتوه، ولا مجنون، وكلاهما لا يستطيع القيام بتدبير نفسه، فلا يفوض له أمر تدبير غيره، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
 
2- البلوغ: لأن الصغير ولو كان مميزا في حاجة إلى من يتولى أمره ويحضنه، فلا يتولى هو أمر غيره.
 
3- القدرة على التربية: فلا حضانة لكفيفة، أو ضعيفة البصر، ولا لمريضة مرضا معديا، أو مرضا يعجزها عن القيام بشئونه، ولا لمتقدمة في السن تقدما يحوجها إلى رعاية غيرها لها.
ولا لمهملة لشئون بيتها كثيرة المغادرة له، بحيث يخشى من هذا الإهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به.
أو لقاطنة مع مريض مرضا معديا، أو مع من يبغض الطفل، ولو كان قريبا له، حيث لا تتوفر له الرعاية الكافية، ولا الجو الصالح.
 
4- الأمانة والخلُق: لأن الفاسقة غير مأمونة على الصغير ولا يُوثقُ بها في أداء واجب الحضانة، وربما نشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها.
 
5- الإسلام: فلا تثبت الحضانة للحاضنة غير المسلمة للصغير المسلم، لأن الحضانة ولاية، ولم يجعل الله ولاية لغير المسلم، على المسلم.
قال الله تعالى:﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء:141]، فهي كولاية الزواج والمال، ولأنه يخشى على دينه من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها، وتربيته على هذا الدين، ويصعب عليه بعد ذلك أن يتحول عنه، وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل.
 
• روى البخاريُّ عَنْ أَبي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ) (الروم: 30) (البخاري حديث:1359).
 
قوله : صلى الله عليه وسلم (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ): يجعلانه يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا حسب ملتهما بترغيبهما له في ذلك أو بتبعيته لهما.
قوله (ص) (تُنْتَجُ البَهِيمَةُ) تلد الدابة العجماء.
قوله صلى الله عليه وسلم: (بَهِيمَةً جَمْعَاءَ) تامة الأعضاء مستوية الخَلْق.
قوله : صلى الله عليه وسلم (تُحِسُّونَ) تبصرون.
قوله صلى الله عليه وسلم: (جَدْعَاءَ) مقطوعة الأذن أو الأنف أو غير ذلك: أي إن الناس يفعلون بها ذلك فكذلك يفعلون بالمولود الذي يولد على الفطرة السليمة.
 
6- أن لا تكون متزوجة: فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة.
وهذا الحكم بالنسبة للمتزوجة بأجنبي فإن تزوجت بقريب محرم من الصغير، مثل عمه، فإن حضانتها لا تسقط، لأن العم صاحب حق في الحضانة وله من صلته بالطفل وقرابته منه ما يحمله على الشفقة عليه ورعاية حقه فيتم بينهما التعاون على كفالته، بخلاف الأجنبي، فإنها إذا تزوجته فإنه لا يعطف عليه ولا يمكنها من العناية به،فلا يجد الجو الرحيم ولا التنفس الطبيعي ولا الظروف التي تنمي ملكاته ومواهبه.
 
7- الحرية: إذ أن المملوك مشغول بحق سيده فلا يتفرغ لحضانة الطفل.
(فقه السنة للسيد سابق جـ3صـ:98:95).
 

أجرة الحضانة:
أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع، لا تستحقها الأم مادامت زوجة، أو معتدة، لأن لها نفقة الزوجية، أو نفقة العدة، إذا كانت زوجة أو معتدة.
 
قال الله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة:223].
 
أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق الأجرة كما تستحق أجرة الرضاع، لقول الله سبحانه: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ﴾ [الطلاق:6].
 
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة، من وقت حضانتها، مثل المرأة التي تُستأجر لرضاع الصغير.
 
وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة على الأب تجب عليه أجرة المسكن أو إعداده إذا لم يكن للام مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير.
وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره، إذا احتاجت إلى خادم وكان الأب غنيًا.
 
وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعلاج ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يستغني عنها، وهذه الأجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها وتكون دينا في ذمة الأب لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
(فقه السنة للسيد سابق جـ3صـ:99:98).
 

انتهاء الحضانة:
تنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير أو الصغيرة عن خدمة النساء وبلغ سن التمييز والاستقلال، وقدر الواحد منهما على أن يقوم وحده بحاجاته الأولية بأن يأكل وحده، ويلبس وحده، وينظف نفسه وحده.
وليس لذلك مدة معينة تنتهي بانتهائها.
بل العبرة بالتمييز والاستغناء.
فإذا ميز الصبي واستغنى عن خدمة النساء وقام بحاجاته الأولية وحده فإن حضانتها تنتهي.
(فقه السنة للسيد سابق جـ3صـ: 100:99).
 

ما عليه العمل في مصر:
جاء تحديد سن الحضانة في القانون رقم 25 لسنة 1929 مادة 20 ما نصه: (وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع.
وللصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تعين أن مصلحتها تقتضي ذلك)
وتقدير مصلحة الصغير أو الصغيرة موكول للقاضي.
 
بعد ذلك تم تعديل هذا القانون، بانتهاء حق حضانة الولد إلى عشر سنين، والبنت الصغيرة إلى اثنتي عشرة سنة، ويجوز للقاضي إبقاء الصغير إلى الخامسة عشرة، والصغيرة حتى تتزوج، بدون أجرة حضانة، إذا تبين أن مصلحتها في ذلك.
(المادة (20) القانون رقم (44) لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم (100) لسنة 1985).
 
تخيير الطفل بعد انتهاء الحضانة:
إذا انتهت مدة الحضانة واتفق الأب والحاضنة على إقامة المحضون عند أحدهما، أُمضي هذا الاتفاق.
وإن اختلفا، خُيرَ المحضون بينهما، سواء كان ذكرًا أم أنثى، وأيهما اختار، فهو أولى به، بشرط أن يكون في ذلك مصلحةٌ للطفل أو الطفلة.
 
روى أبو داودَ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ، أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا فَادَّعَيَاهُ، وَقَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، فَقَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَرَطَنَتْ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ، زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اسْتَهِمَا عَلَيْهِ وَرَطَنَ لَهَا بِذَلِكَ، فَجَاءَ زَوْجُهَا، فَقَالَ: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُولُ هَذَا إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَقَدْ نَفَعَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَهِمَا عَلَيْهِ، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَنْ يُحَاقُّنِي فِي وَلَدِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَبُوكَ، وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ»، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ.
(حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 1992).
 
قال الإمام الشوكاني (رحمه الله): الظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَوْلَادِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
(نيل الأوطار للشوكاني جـ6صـ460).
 
ضرورة مراعاة مصلحة الصغير عند التخيير:
قال الإمام ابن القيم (رحمه الله):(عند الحديث عن مَن يقوم بتربية الطفل أو الطفلة بعد انتهاء مدة الحضانة) مَنْ قَدَّمْنَاهُ بِتَخْيِيرٍ أَوْ قُرْعَةٍ، فَإِنَّمَا نُقَدِّمُهُ إِذَا حَصَلَتْ بِهِ مَصْلَحَةُ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَتِ الْأُمُّ أَصْوَنَ مِنَ الْأَبِ وَأَغْيَرَ مِنْهُ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قُرْعَةٍ وَلَا اخْتِيَارِ الصَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنَّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ يُؤْثِرُ الْبَطَالَةَ وَاللَّعِبَ، فَإِذَا اخْتَارَ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَكَانَ عِنْدَ مَنْ هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَأَخْيَرُ، وَلَا تَحْتَمِلُ الشَّرِيعَةُ غَيْرَ هَذَا.
 
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ.
(حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 466).
 
وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6] وَقَالَ الحسن البصري: عَلِّمُوهُمْ وَأَدِّبُوهُمْ وَفَقِّهُوهُمْ.
وَمَتَى أَخَلَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي الصَّبِيِّ وَعَطَّلَهُ، وَالْآخَرُ مُرَاعٍ لَهُ فَهُوَ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِهِ.
 
وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا ابنُ تيمية (رَحِمَهُ اللَّهُ) يَقُولُ:
تَنَازَعَ أَبَوَانِ صَبِيًّا عِنْدَ بَعْضِ الْحُكَّامِ، فَخَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا، فَاخْتَارَ أَبَاهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: سَلْهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتَارُ أَبَاهُ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أُمِّي تَبْعَثُنِي كُلَّ يَوْمٍ لِلْكُتَّابِ، وَالْفَقِيهُ يَضْرِبُنِي، وَأَبِي يَتْرُكُنِي لِلَّعِبِ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَقَضَى بِهِ لِلْأُمِّ، قَالَ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ.
 
قَالَ شَيْخُنَا ابن تيمية:
وَإِذَا تَرَكَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ تَعْلِيمَ الصَّبِيِّ، وَأَمْرَهُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَاصٍ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقُمْ بِالْوَاجِبِ فِي وِلَايَتِهِ، فَلَا وِلَايَةَ لَهُ، بَلْ إِمَّا أَنْ تُرْفَعَ يَدُهُ عَنِ الْوِلَايَةِ وَيُقَامَ مَنْ يَفْعَلُ الْوَاجِبَ، وَإِمَّا أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ بِالْوَاجِبِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
(زاد المعاد لابن القيم جـ5صـ475:474).
 
قال الإمام الشوكاني (رحمه الله):
يَنْبَغِي قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَالِاسْتِهَامِ مُلَاحَظَةُ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ أَصْلَحَ لِلصَّبِيِّ مِنْ الْآخَرِ قُدِّمَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ وَلَا تَخْيِيرٍ.
(نيل الأوطار للشوكاني جـ6صـ461).
 
خِتَامًا: أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة.
 
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْم.
 
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣