أرشيف المقالات

كتب السيرة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
كتب السيرة
مصادر السيرة (القسم الحادي عشر)
 
قلنا: إنَّ مصادر السِّيرة هي القُرآن والسنَّة وكتب السِّيرة، وقد تحدَّثنا عن المصدرَيْن الأوَّلَيْن، وها نحن أولاء نتحدَّث عن المصدر الثالث:
بدَأ التأليف في السِّيرة النبويَّة في وقتٍ مبكِّر مِن تاريخنا؛ ففي القرن الأوَّل الهجري ظهَرتْ بعض الكتب في السِّيرة، ووقَفْنا على خبرها، وإنْ كانتْ لَم تَصِلْ إلينا، ومن أشهرها كتب المغازي، وللعُلَماء موقفٌ نقدي منها، قال الميموني: سمعتُ أحمد بن حنبل - رحمه الله - يقول: "ثلاثةُ كتبٍ ليس لها أصول: المغازي، والملاحِم، والتفسير".
 
قال الخطيب البغدادي: وهذا محمولٌ على كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة، غير معتمدٍ عليها؛ لعدم عَدالة ناقِليها وزيادات القُصَّاص فيها[1].
 
ومن هذه الكتب "مغازي عروة بن الزبير" المُتَوفَّى سنة 93 أو 94 هـ، ولم يَصِلْ إلينا هذا الكتاب، ولكنَّ العلماء المتقدمين في التاريخ والسيرة كانوا ينقلون عنه كثيرًا، وقد جمَع صديقنا محمد مصطفى الأعظمي ما وقَف عليه من النُّقول عنه في كتابٍ سمَّاه: "مغازي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ لعروة بن الزبير.
ومن هذه الكتب: "مغازي موسى بن عقبة بن أبي العباس الأسدي" المتوفَّى سنة 141 هـ، وقد نشَرَها أحدُ المستشرِقين، وطبَع مشهور حسن "المنتقى من أحاديثها"[2].
ومن هذه الكُتُب: "سِيرة ابن إسحاق"؛ وهي لمحمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المتوفَّى سنة 151 هـ.
 
وكان قبل ابن إسحاق عددٌ من العلماء كتبوا في المغازي، ذكَرنا منهم آنِفًا عروة بن الزبير وموسى بن عقبة، ومن هؤلاء وهب بن منبه المتوفَّى سنة 110 هـ، الذي ألَّف كتابًا في المغازي كما ذكر ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 11/ 67، ويقول محمد حميد الله في مقدمته لـ"سيرة ابن إسحاق": وتُوجَد قطعة منه على البردي في مكتبة جامعة هايلدبرج.
وكتاب ابن إسحاق لم يصلْ إلينا كاملاً، بل وصلت منه قطعةٌ نشَرَها الدكتور محمد حميد الله[3].
 
ومنها: "سيرة ابن هشام":
وابن هشام هو عبدالملك بن هشام المتوفَّى سنة 218 هـ، وقد عمد إلى سيرة ابن إسحاق فهذَّبها واختصرها، وعلَّق عليها تعليقات مُوجَزة نافعة، وقد اقتصر على القسمَيْن الأخيرَيْن من كتاب ابن إسحاق، وهما: كتاب سيرة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكتاب المغازي.
 
أمَّا القسم الأوَّل وهو: كتاب المبتدأ وقصص الأنبياء، فقد ترَكَه ابن هشام، وابتدأ من نسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
كان ابن هشام مؤرخًا وعالِمًا بالأنساب، ونحويًّا وأديبًا ناقدًا، وحسُّه النقدي مستيقظٌ واعٍ، فلقد ردَّ كثيرًا من الشعر المنحول الذي أورَدَه ابن إسحاق وحذف كثيرًا منه.
وقد لقيَتْ "سيرة ابن هشام" من العلماء ما تستحقُّه من العناية والثَّناء، واعتمد عليها كلُّ مَن كتَب في السيرة.
وشرحها كثيرون: فقد شرحها عبدالرحمن بن عبدالله السُّهَيلي الأندلسي الشاعر النحوي المتوفَّى سنة 581 هـ، وسمَّى شرحَه: "الرَّوض الأُنُف" وشرَحَها آخَرون.
 
ونظَمَها كثيرون: فقد نظَمَها عبدالعزيز بن محمد الدميري المتوفَّى سنة 607 هـ، ونظَمَها الفتح بن موسى الخطراوي المتوفَّى سنة 793 هـ.
ونظَمَها الحافظ العراقي زين الدين عبدالرحيم بن الحسين المتوفَّى سنة 806 هـ، واسم كتابه: "الدرر السنية في نظم السيرة النبوية"، وقد شرح هذا النظم عبدالرؤوف المناوي المتوفَّى سنة 1031، واسم شرحه: "العجالة السنية على ألفية العراقي للسيرة النبوية"؛ حقَّقه: صديقنا الشيخ إسماعيل الأنصاري المتوفَّى سنة 1417 هـ - رحمه الله.

واختصَرَها كثيرون: فقد اختصَرَها إبراهيم بن محمد المرحل الشافعي، وزاد على الأصل أمورًا تتَّصل بالسيرة، وسمَّى كتابه: "الذخيرة في مختصر السيرة"، وفرغ منه سنة 611 هـ.
واختصرها أيضًا أحمد بن إبراهيم الواسطي، وسمَّى كتابه: "مختصر سيرة ابن هشام"، وفرغ منه سنة 711 هـ.
واختصرها الشيخ محمد بن عبدالوهاب المتوفَّى سنة 1206 هـ.
واختصرها الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب المتوفَّى بمصر سنة 1242 هـ، وحقَّقها محب الدين الخطيب سنة 1379 هـ، وهذا المختصر أوسَع مِن مختصر والده، رحم الله الجميع.
واختصرها عبدالسلام هارون المتوفَّى سنة 1408 هـ / 1988م في كتابه: "تهذيب سيرة ابن هشام"، واختصرها محمد بن عبدالعزيز الشبراوي في كتابه: "تقريب السيرة".
 
وتُرجِمت هذه السيرة إلى عددٍ من اللغات؛ كالفارسية، والإنكليزية، والفرنسية، والألمانية...
وغيرها من اللغات.
 
وقد طُبِعت هذه السيرة المبارَكة بالعربيَّة عدَّة طبعات:
طُبِعت في ألمانيا سنة 1276، وأشرف على طباعتها المستشرِق وستنلفر، وذكَر ملحوظات باللغة الألمانية[4].
وطُبِعت قبل ذلك في مصر في بولاق سنة 1259، وعليها تعليقات وجيزة للشيخ محمد الطهطاوي[5].
ونشرَهُما الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد في مصر.
وأجود هذه الطبعات الطبعة التي قامَ بتحقيقها الأساتذة: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبدالحفيظ شلبي، وطُبِعت في مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
 
ومن كتب السيرة ما جاء في كتاب: "الطبقات الكبرى"؛ لمحمد بن سعد، المتوفَّى سنة 230 هـ، ومن كتب السيرة ما كتَبَه ابن جرير الطبري في كتابه: "تاريخ الرسل والملوك"، المتوفَّى سنة 310 هـ.

ومن كتب السيرة كتاب: "جوامع السيرة"؛ لابن حزم الأندلسي المتوفَّى سنة 456 هـ، ومن كتب السيرة كتاب: "الدرر في اختصار المغازي والسير"، وهو مطبوع ليوسف بن عبدالبر المتوفَّى سنة 463 هـ.
 
ومن كتب السيرة كتاب: "الشفا في حقوق المصطفى"؛ للقاضي عياض المتوفَّى سنة 544 هـ، وهو صاحب طريقة مبتكرة في كتابه: "أحداث السيرة"، كتبها بأسلوبٍ أدبي عالٍ، وقد شُرِح هذا الكتاب عدَّة شُروح، وخرَّج السيوطي أحاديثه.
 
ومن كتب السيرة كتاب: "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"؛ لمحمد بن محمد اليعمري، الشهير بابن سيد الناس، المتوفَّى سنة 734 هـ.
ومن كتب السيرة ما كتَبَه إسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي المتوفَّى سنة 774 هـ في كتابه "البداية والنهاية".
ومن كُتُب السيرة: "السيرة الشامية"، واسمها: "سُبُل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد"؛ لمحمد بن يوسف الدمشقي الصالحي، المتوفَّى 942 هـ.
ومن كتب السيرة: "السيرة الحلبية"، واسمها: "إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون"؛ لعلي بن إبراهيم الحلبي القاهري، المتوفَّى سنة 1044 هـ.
ومن كتب السيرة كتاب: "المواهب اللدنية"؛ لأحمد بن محمد القسطلاني المتوفَّى سنة 923.
 
هذا، وقد أُلِّفت في العصر الأخير كتبٌ كثيرة في السيرة، وهي تتفاوَتُ في الإجادة والإتقان، وقد ذكرتُ طائفةً منها في كتابي: "خواطر في الدعوة إلى الله"، وسأورد بعضًا منها:
• "نور اليقين في سيرة سيد المرسلين"؛ لمحمد الخضري.
• "الرسالة المحمدية"؛ لسليمان الندوي.
• "فقه السيرة"؛ لمحمد الغزالي.
• "السيرة النبوية"؛ لأبي الحسن الندوي.
• "خاتم النبيين"؛ لمحمد أبي زهرة.
• وكتب صديقنا الدكتور ماهر حمادة كتابًا كبيرًا، ذكَر فيه الدراسات التي كانت في سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
• وأصدَر مؤتمر السيرة والسنة المنعَقِد في قطر سبعة مجلدات فيها بحوثٌ حول السيرة.
• وأصدرت مؤسسة آل البيت في عمان جزأَيْن بعنوان: الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط في السيرة النبوية والمدائح النبوية، مجموع صفحات الجزأين 1173 صفحة.
 
هذا، وما يَزال القارئ المسلم ينتظر أنْ يُقدِّم له العلماء المختصُّون السيرةَ المطهَّرة الصحيحةَ الخالية من الأحاديث الضعيفة الموضوعة؛ ليَبنِي عليها الموهوبون إنتاجهم، والله وليُّ التوفيق.

[1] انظر: "المقاصد الحسنة"؛ للسخاوي ص 481، و"الأسرار المرفوعة"؛ لملا علي القاري ص382، و"الدرر المنتثرة"؛ للسيوطي بتحقيقنا برقم 502، و"الفوائد الموضوعة"؛ للكرمي بتحقيقنا ص 69-70، و"اللآلئ المنثورة"؛ للزركشي ص18، و"الفوائد المجموعة"؛ للشوكاني، ص 315، و"لسان الميزان" 1/ 13.

[2] أفادني هذه المعلومة الأستاذ الشيخ محمد زياد التكلة.

[3] الطبعة التي رجَعتُ إليها صدرت سنة 1401 هـ/ 1981م، وقد طبع أكثر من مرَّة.

[4] "معجم المطبوعات العربية"؛ لسركيس 1/ 277.

[5] "معجم المطبوعات العربية"؛ لسركيس 1/ 277.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢