أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
8 1 - اقتطف! قرأت سؤال الأخ الفاضل (رشاد عبد المطلب)، وكنت أرجو أن أكون مخطئاً، كي أقرَّ له بخطأ ما جاء في قولي: (وجعل يقتطف منها حيث أراد)، وذلك لحسن أدبه، ولطف سياقه. والقول في (اقتطف) إنها خطأ، وإنها لم ترد في كتب اللغة: كاللسان والأساس والقاموس والنهاية والمصباح.

إلى آخر هذه الجملة - قول قديم، قد ذهب إليه المتأخرون من فضلاء المشتغلين باللغة في عصرنا وما قبله بقليل. ولو لم يرد هذا الحرف في اللغة لوجب أن يوجد للغة وجوباً بيانياً من عدة وجوه، وليس هذا موضع تفصيل ذلك ولا هذا أوانه.
وأنا لا أستطيع الآن أن أقف في الطريق لأتلفت إلى ما ورائي مما قد مضى زمنه.
وإذ كان لابد من إقامة الدليل على صواب هذا الحرف، من شاهد عربي، فنحن نأتي به، وذلك من قول نابغة بني شيبان (عبد الله بن مخارق): تسبي القلوب بوجه لا كِفاء له ...
كالبدر تَمَّ جمالاً حين ينتصف تحت الخمار لها جَثْل تعكِّفه ...
مثل العثاكيل سوداً حين تقتطف لها صحيفة وجه يستضاء به ...
لم يعل ظاهرها بثر ولا كلف وفي قديم الشِّعر من الرجز ما أحفظه ولا أُثبت موضعه: (يقتطِفْنَ الهاما) يصف السيوفَ.
وبيت النابغة كافٍ في الدلالة والشهادة، وأدع ما وراء ذلك لمن يجعل همِّه اقتناص الكلمات الهاربة من معاجم اللغة. وما دمنا في ذكر شاهد من شعر نابغة بني شيبان، نقول: إن أبا الفرج الأصفهاني زعم أنه نصرانيٌّ، لأنه زعم أنه وجده في شعره يحلف بالإنجيل والرهبان وبالأيمان التي يحلف بها النصارى، وذلك كله وهمٌ فاسدٌ، استغرّ به صاحب شعراء النصرانية لويس شيخو اليسوعيّ، فاحتمله فيمن احتمل من شعراء العربية، وشعر النابغة ليس فيه حرفٌ واحدٌ مما زعم أبو الفرج. هذا، وأبوه (مخارق بن مسليم الشيبانيّ) صحابيٌّ جليلٌ روى له أحمد بن حنبل في مسنده ج 5 ص 29، والنسائي ج 7 ص 113، وروى عبد الله (هذا الشاعر) وأخوه (قابوس بن مخارق) عن أبيهما.
وكان عبد الله يكثر رواية الحديث، ثم انصرف إلى الشِّعر، وله ف انصرافه إلى الشِّعر خبرٌ. 2 - باريس! قرأت في عدد الرسالة الماضي كلمة يذكرني فيها صديقنا الأخ (زكي مبارك) ويزعم أنه قرأ في (الدستور) كلمة بإمضائي، عدها هو تعقيباً على المقال الذي نشره في (الرسالة) بعد سقوط باريس تحت أيدي الألمان. ولو أحسن الدكتور زكي مبارك فأخرجني من عداد من ذكر لكفى نفسه مؤونة الفكر في أني أتعقب كلامه.
ولو كان ما قاله الدكتور زكي صحيحاً لكان للسان مقال غير الذي قلت.
والذي كتبته كان حديثاً عاماً لم أرد به أحداً يعينه وخاصته، وكثير غير الدكتور بكى باريس وناح، فكيف يريد أن يخص نفسه دون سائر من أعول على هذه المدينة؟ وإذن فسائر ما جاء في كلمة الدكتور زكي ليس يعنيني، ولا هو مما أستطيع أن أشتغل به، والمذهب الذي يجري فيه الدكتور غير مذهبنا، وبينهما من الفرق ما يوجب عليَّ أن أصرف خطابه - في هذا المكان من الرسالة - إلى من شاء غيري.
وللدكتور مني تحية، وعليه سلام. محمود محمد شاكر ملاحظات علمية 1 - كثيراً ما أجد فيما أقرأ من المباحث التاريخية مطاعن في بني أمية منقولة عن المسعودي، وينسى هؤلاء الباحثون (ومنهم من هو عميد كلية أو أستاذ في جامعة) أن المسعودي على جلالة قدره ورفعة مكانه بين المؤرخين لا يحتج به في مثل ذلك، لأنه شيعي متهم ببغض الأمويين والطعن فيهم.
وقد نص على شيعيته الأستاذ الكبير آل كاشف الغطاء في رسالته أصل الشيعة وأصولها؛ كما أنه لا تقبل رواية السني المتصعب في الطعن على الشيعة، وهذا معروف عند العلماء. 2 - ذكر الأستاذ أحمد أمين في فجر الإسلام (ص 248) دليلاً على كثرة الوضع في الحديث أن البخاري اختار كتابه الصحيح وفيه سبعة آلاف حديث منها نحو ثلاثة آلاف مكررة من ستمائة ألف حديث كانت متداولة في عصره. وهذا الدليل مردود من وجوه: أولها - أن البخاري لم يستوعب الصحيح كله في كتابه، وروى عنه أنه قال: ما أدخلت في كتابي إلا ما صح وتركت من الصحاح لملال الطول، وقد استدرك الحاكم أبو عبد الله على الصحيحين شيئاً كثيراً تكلم في بعضه وسلم أكثره. ثانيها - أنهم كانوا يعدون الحديث الواحد حديثين إذا كان له سندان وروى من طريقين؛ ومن هنا جاءت هذه الأعداد الكبيرة.
ذكر ذلك ابن الصلاح. ثالثها - أنهم كانوا يدرجون تحت أسم الحديث آثار الصحابة والتابعين.
ذكره أبن الصلاح أيضاً. علي الطنطاوي رأي الأستاذ أحمد أمين في واضع علم النحو المعروف بين جمهور النحاة أن واضع النحو هو أبو الأسود الدؤلي، ولكن دائرة المعارف الإسلامية تخالف جمهور النحاة في ذلك، وترى أنه ليس حقاً ما يقال من أن أبا السود الدؤلي واضع أصول النحو العربي (دائرة المعارف الإسلامية ج 1 ص 307) وقد ذكر صديقي الأستاذ محمد طنطاوي المدرس بكلية اللغة العربية في كتابه نشأة النحو (ص 11) أن الأستاذ أحمد أمين أراد أن يوفق بين الرأيين، وأن يلتمس وجهاً لنسبة وضع النحو إلى أبي الأسود الدؤلي، فقال في كتابه ضحى الإسلام (ج 3 ص 286 وما بعدها): ويظهر لي أن نسبة النحو إلى أبي الأسود لها أساس صحيح، وذلك أن الرواة يكادون يتفقون على أن أبا الأسود قام بعمل من هذا النمط، وهو أنه ابتكر شكل المصحف، وواضح أن هذه خطوة أولية في سبيل النحو، تتمشى مع قانون النشوء، وممكن أن تأتي من أبي الأسود، وواضح كذلك أن هذا يلفت النظر إلى النحو فعمل أبي الأسود يسلم إلى التفكير في الإعراب، ووضع القواعد له.

وأن هذه الأمور لما توسع العلماء فيها بعد، وسموا كلامهم نحواً، سحبوا اسم النحو على ما كان قبل من أبي الأسود، وقالوا إنه واضع النحو، للشبه في الأساس بين ما صنع وما صنعوا وربما لم يكن هو يعرف النحو بتاتاً، ثم رأى بعد كلام طويل أن واضع النحو الذي نعرفه إنما هو الخليل بن أحمد. وكأني بالأستاذ أحمد أمين قد خيل إليه أنه أتى في هذا الرأي الأخير بالقول الفصل في واضع علم النحو، مع أن الأمر قد اشتبه عليه في ذلك اشتباهاً ظاهراً، لأن أصل الخلاف في واضع علم النحو إنما هو في أصوله الأولى، لا في هذا النحو الذي نعرفه؛ لأنه لا يمكن أن يختلف أحد في أن هذا النحو الذي نعرفه يرجع إلى كتاب سيبويه، وقد أخذ سيبويه كتابه عن الخليل ابن أحمد، بل قيل إن هذا الكتاب للخليل لا لسيبويه، فليس بشيء بعد هذا أن يقال إن الخليل واضع هذا النحو. وقد ذكر الأستاذ محمد طنطاوي في كتبه نشأة النحو (ص 20) أن عيسى بن عمر الثقفي - وهو من الطبقة الثانية والخليل من الطبقة الثالثة - ألف كتابين في النحو: أحدهما مبسوط سماه الجامع، والآخر مختصر سماه الإكمال، وأن الخليل قال في إطرائهما: ذهب النحو جميعاً كله ...
غير ما أحدث عيسى بن عمر ذاك إكمال وهذا جامع ...
فهما للناس شمس وقمر ويؤخذ من هذا أن اسم النحو كان معروفاً قبل الخليل، وأن كتباً جامعة ألفت فيه قبله، فكيف يقتضب الأستاذ أحمد أمين ذلك كله؟ (عالم) قصتان والفكرة واحدة قرأت في العدد الماضي من الرسالة كلمة بهذا العنوان الأديب حسين الحوفي بدمنهور، يقول فيها: إن فكرة قصتي (من أدباء الجيل) المنشورة بالعدد 345 من الرسالة تشبه قصة الأستاذ محمد أبو طائلة عنوانها (الشهرة) نشرت بالعدد 498 من مجلة كل شيء والدنيا (وإن اختلف الأسلوب والعنوان وبعض الحوادث الثانوية) وأحسب أنه مما يهم قراء الرسالة أن يعرفوا أنني لم يكن لي حظ قراءة تلك القصة المشار إليها حتى اليوم، وقد تكون الفكرة في القصتين واحدة - كما يقول الكاتب - أو لا تكون؛ ولكن ذلك لا يطعن في عمل أدبيٍّ لم أستلهمه إلا من وجداني الخاص لحادثة بعينها قد يكون مثلها مما مر على الأستاذ أبو طائلة في بعض أيامه، فألهمه فكرة قصته وألهمني.
وإذ كان الأمر على ما زعمتُ - وعلى ما يؤكد الكاتب من احترامه لأدبي وتنزيهه عن الانتحال - فإني أحسب أن ذلك خارجٌ عن نطاق ما يسميه (الرقابة الأدبية)، ولا معنى معه للحديث عن السابق والمسبوق. وثمة بديهية أخرى يعرفها كل من عالج فن القصة دراسةً أو عملاً، هي أن الفكرة الواقعية في القصة غيرُ القصة نفسِها؛ وخاصة حين تكون فكرتها منتزعة من الحياة العامة التي يحسها كل من يتصل بها من أبناء الجيل.
ولا حاجة بي إلى تعداد الحوادث التي تقع كل يوم في حياتنا الأدبية العامة مما يصلح أن يكون كل منها موضوعاً لمثل قصة (من أدباء الجيل).
وأدع تفصيل ذلك لموضعه من كتاب (الأدب المنحول) الذي أُرجئ نشره حتى تأذن الرقابة الأدبية العامة! محمد سعيد العريان من الشعر المنسي لحافظ (لما أخرجت وزارة المعارف ديوان المرحوم حافظ إبراهيم، لاحظ كثير من الأدباء أن قصائد عدة للشاعر الكبير نسيت فلم تدرج في هذا الديوان؛ وقد نشر بعضهم شيئاً من هذه القصائد في الرسالة الغراء، ويسرني ونحن في الذكرى الثامنة لحافظ أن أذكر للقراء مقطوعة من شعره في وصف الطيارة لم تنشر في ديوانه) قال رحمه الله: يجري بسايحة تش ...
قُّ سبيلها شقَّ الإزار وتكاد تقدح في الأثي ...
ر فيستحيل إلى شرار مثل الشهاب انقضًّ في ...
آثار عفريت وطار فإذا علت فكدعوة المُ ...
ضْطَر تخترق السِّتار وإذا هَوَتْ فكما هَوَتْ ...
أنثى العُقاب على الهزار وتُسِفُّ آنة، وآ ...
ونة يحيد بها ازورار فيخالها الرائون قد ...
قرَّت، وليس بها قرار لَعِبَ الجواد أقلَّ لَيْ ...
ثاً من قُضاعة، أو نزار أو كالقَلوب من الحما ...
ئم فوق ملعبه استطار وكأنها في الأفق حي ...
ن يميل ميزان النهار والشمس تلقي فوقها ...
حلل اصفرار واحمرار مَلَك تَمثله لنا السي ...
ما فيأخذنا انبهار (البجلات) أحمد جمعة الشرباصي الدكتور إسماعيل أحمد أدهم روت الصحف المصرية - كخبر تافه - موت فقيد العلم والأدب الدكتور إسماعيل أدهم الكاتب الناقد المعروف نجل أحمد بك أدهم الضابط التركي وحفيد أدهم باشا وزير المعارف التركية سابقاً. وقد عرفه قراء (الرسالة) شارحاً لنظرية النسبية لأينشتين، ومساجلاً للمرحوم فليكس فارس عن الشرق والغرب، وأخيراً مناقشاً للدكتور بشر فارس في كتابه (أبحاث عربية) كما طالع له قراء (الرسالة) بعض أبحاث متفرقة آخرها (عام الفيل) الذي اشتغل بالرد عليه الأستاذ عبد المتعال الصعيدي. ويغلب على أبحاثه الصبغة العلمية الجافة، فإذا أضيف إلى ذلك ضعف بيانه العربي عرفنا جهل الكثيرين بعلمه وأدبه، لأنه لم يكن له أسلوب جزل يخلق المحبين، إذ أن الناس بطبيعتهم يصدقون عن الحقائق الجافة التي لا يموهها الخيال، لذلك كان محرر مجلة المقتطف يراجعه راجياً فيما يكتبه لها زيادة الإيضاح، وكان يشكو لي من ذلك الدكتور أدهم.
ومن هذه الناحية أيضاً حيث موطن ضعفه، كان يغزوه الأستاذان فليكس وبشر في مساجلاتهما معه. وعرفه قراء المقتطف من أبحاثه المتوالية التي كان يوالي نشرها فيها، آخرها دراسته طيلة هذا العام لخليل بك مطران.
وهي دراسة لا يسلك فيها طريقة التراجم المعروفة، بل الدراسة التمحيصية الاستقرائية على الطريقة الاستشراقية، لذلك كانت فريدة في العربية، وعدها بعض المستشرقين ثروة أدبية، وقال فيها الرافعي: (دراسة لا اشك لحظة في أنها لو وجهت وجهة صحيحة لقومت النقد العربي) وقال فيها بشر فارس (دراسة تعتمد على الاستقراء والتثبت أكثر مما تعتمد على الظن والتخمين) وقال فيها سلامه موسى.
(لو أردنا أن نجازي فناناً لحق لنا أن نجازي الدكتور أدهم بأكرم مما يجازي به عالم فنان) ومما أذكره أن الدكتور أدهم كتب غير مرة في المجلة الجديدة التي كان يصدرها الأستاذ سلامه موسى، وعرَّفه الدكتور أبو شادي بأنه أكثر من شخصية، ومما أعرفه أنه كان من أول المكتشفين لشخصيته العظيمة، فشجعه على المضي في أبحاثه وأفسح له صدر مجلاته التي كان يصدرها، رغم تطرف رأيه وحرية فكره حرية غير معهودة في حياتنا الأدبية، ومن أهم ما نشره رسالته (لماذا أنا ملحد) التي رد عليها الدكتور أبو شادي برسالته (لماذا أنا مؤمن)، والتي شغلت الكثيرين من رجال الدين وقتاً غير يسير.
ونشرت لأول مرة في مجلة (الإمام)، قم أفردت في كتاب، وذلك عمل ينطوي على جرأة كبيرة من المؤلف والناشر، لأن الرسالة صودرت عقب تداولها.
وأول كتاب أصدره في مصر هو كتابه (مصادر التاريخ الإسلامي) الذي صودر بمرسوم ملكي من جلالة الملك فؤاد، وهو آخر مرسوم صدر من جلالته قبل وفاته.
ومن هنا يعرف أن حياته الأدبية كانت قصيرة إلا أنها كانت ملأى بنشاط جدير بالإكبار والتقدير، فقد كان يعتكف الأيام المتوالية حتى ينتهي من وضع كتاب، أو إخراج بحث، أو يستوعب عدة مؤلفات قراءة ودراسة؛ ومن نتاج ذلك الاعتكاف كتابه (الأنساب العربية)، وكتابه (الزهاوي الشاعر).
وقد اهتم الأستاذ سامي الكيالي صاحب مجلة (الحديث) السورية بدراسات أدهم فرحب بها واصدر بها أعداداً ممتازة، كدراسته للدكتور طه حسين، والشاعر التركي عبد الحق حامد، وأخيراً الأستاذ توفيق الحكيم، ومن أظرف ما يروى بهذه المناسبة أنه كان مختلفاً مع صاحب الترجمة على مولده، إذ كان توفيق الحكيم يذكر أن مولده في عام 1898، ولكن أدهم يصر على أنه ولد في عام 1903؛ ومما يدهش القارئ إيراد أدهم لأدلة منطقية لا يملك الإنسان معها إلا أن يسلم بخطأ توفيق الحكيم نفسه في معرفة مولده. وكانت إدارة (الحديث) تستعد لإخراج عدد خاص بدراسته لميخائيل نعيمة، كما كانت تستعد إدارة المقتطف لإخراج دراسته لخليل مطران لتهديها إلى مشتركيها هذا العام، ولا أدري ماذا تم فيها، وإن كنت أعرف أن المؤلف كان يستعجلها في إخراج كتابه قبل وفاته، لأنه كان يريد أخذ نسخة معه إلى أوربا، إذ كان يعتزم السفر بعد تغير الموقف الدولي؛ واشتدت الرقابة عليه لشبهات لا محل لها من الصحة، إذ أنه كان في أيام السلم يرسل بعض أبحاثه لتذاع من محطة باري العربية، كما أنه كان ينشر بعض أبحاثه في مجلة (المستشرقين الألمانية) منها نقده لكتاب حياة محمد، وقد أشار إلى ذلك النقد الدكتور هيكل في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه بعد أن أغفل اسمه. ولما لم يتمكن من السفر والهروب من قفص الرقابة ضاقت به الحياة فودعها ومضى. (لنا عودة) عبد الحفيظ نصار

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١