أرشيف المقالات

هل خلقت حواء من ضلع آدم عليهما السلام؟!

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
هل خُلِقت حواء من ضلع آدم عليهما السلام؟!
 
كثير من الناس يظن أن هذا لا اختلاف فيه ولا شكَّ، والواقع أن فيه اختلافًا معتبَرًا بين أهل العلم! وإليكم التفصيلَ:
جمهور العلماء على أن الله خلق حوَّاءَ من ضِلَع آدم، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [النساء: 1]، وقولِه سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ [الأعراف: 189].
 
قال أكثرُ المفسرين: المعنى أن الله خلقَكم - أيها الناس - من آدم عليه الصلاة والسلام، وخلَق من ضِلَع آدم حواء عليها السلام[1].
 
وقال بعض المفسرين: المعنى: وخلق الله من جنس آدم حواء عليها السلام، فــ (مِن) ليست للتبعيض، بل لبيان أن الله خلَق حواء من جنس آدم[2].
 
وقد ذكر الزمخشريُّ القولين من غير ترجيح، فقال: ﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [الأعراف: 189] وهي حواء، خلَقها من جسد آدم، مِن ضِلعٍ من أضلاعه، أو من جنسها؛ كقوله: ﴿ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النحل: 72]"[3].
 
وأما ما رواه البخاري (3331) ومسلم (1468) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء؛ فإن المرأة خُلقت من ضِلَع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء))، فقد قال ابن حجر: "كأن فيه إشارةً إلى ما أخرجه ابن إسحاق في المبتدأ عن ابن عباس أن حواء خُلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر"[4]، وقال الألباني: "قال الشيخ القاري في "شرح المشكاة" (3/ 460): أي خُلقن خلقًا فيه اعوجاج، فكأنهن خُلقن من الأضلاع، وهو عظم معوجٌّ، واستعير للمعوجِّ صورةٌ أو معنى، ونظيره في قوله تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37].
 
قلت - القائل الألباني -: وهذا هو الراجح عندي؛ أنه استعارةٌ وتشبيهٌ لا حقيقة، وذلك لأمرين:
الأول: أنه لم يثبت حديث في خلق حوَّاء من ضِلَع آدم.

والآخر: أنه جاء الحديث بصيغة التشبيه في رواية عن أبي هريرة؛ بلفظ: ((إن المرأة كالضِّلع...))؛ أخرجه البخاري (5184)، ومسلم (4/ 178)، وأحمد (2/ 428 و 449 و 530) وغيرهم من طرقٍ عن أبي هريرة، وصححه ابن حبان 6/ 189/ 4168 - الإحسان)، وأحمد أيضًا (5 / 164 و6/ 279)، وغيره من حديث أبي ذر، وحديث عائشة رضي الله عنهم"[5].
 
وقد ذكر المفسرون أن حواء خُلقَت من ضلع آدم عليهما السلام، وذَكروا في ذلك روايات كثيرة موقوفة، ولعلها من الإسرائيليات؛ كما قال محمد رشيد رضا، والألباني، والله أعلم[6].
 
فإن قال قائل: فإن لم يَخلق الله حواءَ من آدم فكيف خلَقها إذن؟!
فنقول: إننا لا نجزم بأن الله خلق حواء من ضلع آدم؛ لأنه لم يثبت في ذلك حديثٌ صحيح صريح، وما نقله المفسرون في ذلك هو من الإسرائيليات التي لا تُصدَّق ولا تُكذَّب، ولا نُنكِر على من يقول به؛ لاحتمال صحته، ولكونه قول أكثر المفسرين، ولا نجزم بكيفية خلق الله لحواءَ عليها السلام، ولا نتكلَّف الإجابة؛ بل نقول: الله أعلم، والله على كل شيء قدير، ونقول كما قال الله: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76].

[1] يُنظر: تفسير مقاتل بن سليمان (2/ 79)، تفسير ابن جرير (10/ 617)، زاد المسير؛ لابن الجوزي (1/ 366)، بيان تلبيس الجهمية؛ لابن تيمية (3/ 165)، تفسير ابن جزي (1/ 316)، مفتاح دار السعادة؛ لابن القيم (1/ 242)، تفسير ابن كثير (3/ 524)، الدر المنثور؛ للسيوطي (2/ 423)، تفسير الشوكاني (2/ 312)، تفسير السعدي (ص: 311)، العذب النَّمير؛ للشِّنقيطي (4/ 404).

[2] وهو اختيار أبي السعود، والقاسمي، ومحمد رشيد رضا؛ يُنظر: تفسير أبي السعود (3/ 303)، تفسير القاسمي (5/ 234)، تفسير المنار (9/ 432)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ للألباني (13/ 1139، 1140).

[3] تفسير الزمخشري (2/ 186).

[4] فتح الباري؛ لابن حجر (9/ 253).

[5] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (13/ 1139، 1140).

[6] ينظر: تفسير المنار (9/ 431، 432)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (13/ 1139).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢