أرشيف المقالات

حديث زواج النبي بعائشة وهي بنت ست سنين

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
سلسلة الرد المفصل على الطاعنين في أحاديث صحيح البخاري (2)
حديث زواج النبي بعائشة رضي الله عنها وهي بنت ست سنين، ودخوله عليها وهي بنت تسع
 
حديث عائشة رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلت عليه وهي بنت تسع.
 
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن خمسةٍ من مشايخه، وهم: محمد بن يوسف، ومعلى بن أسد، وقبيصة بن عقبة، وفروة بن أبي المغراء، وعبيد بن إسماعيل؛ وكلهم رووه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن خالته عائشة رضي الله عنها.
ينظر: صحيح البخاري (3894)، (3896)، (5133)، (5134)، (5158).
 
ورواه مسلم في صحيحه (1422) عن عدة من مشايخه، وهم: أبو كريب محمد بن العلاء، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن يحيى، وابن نُمير؛ رواه هؤلاء من طريق هشام بن عروة عن أبيه.
ورواه مسلم أيضاً عن شيخه عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة.
ورواه مسلم أيضاً عن شيوخه: يحيى بن يحيى، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب؛ قالوا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
وروى هذا الحديث أيضاً أحمد في مسنده (24867) عن شيخه سليمان بن داود من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وروى هذا الحديث أيضاً أبو داود (4933) عن شيخيه: موسى بن إسماعيل، وبشر بن خالد؛ كلاهما من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
ورواه أبو داود أيضاً (4937) عن شيخ ثالث وهو عبيد الله بن معاذ من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي الله عنها.
وروى هذا الحديث أيضاً ابن ماجه (1876) عن شيخه سويد بن سعيد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
ورواه النسائي (3379) عن شيخه أحمد بن سعد بن الحكم بن أبي مريم من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة.
ورواه كثير من الأئمة، وفيما أشرت إليه كفاية؛ ليتيقن القارئ أنَّ البخاري لم يتفرد بروايته.
 
وقد ذكر علماء الحديث أنَّ هذا الحديث رواه عن عائشة: عروة بن الزبير، والأسود بن يزيد، والقاسم بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعمرة بنت عبد الرحمن، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب.
 
فعائشة رضي الله عنها أخبرت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقد عليها وهي بنت ست سنين، وكان ذلك بإذن أبيها أبي بكر الصديق، ولم يدخل بها النبي صلى الله عليه وسلم حتى كبرت وبلغت سن المحيض وشبت شباباً حسناً، وكانت عائشة تفخر بزواجه منها وهي بكر، وهذا يدل على أنه لم يدخل بها حتى أصبحت في مرحلة تطيق فيها الاتصال الجنسي فقد دخل بها وهي بنت تسع، وكان نساء قريش يبلغ بعضهن عند السنة التاسعة كما قال الإمام الشافعي، وقد هنأها النساء بهذا الزواج فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، ومثل هذا النكاح لم يطعن أحد به في ذلك العصر مع كثرة أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود والمشركين، فقد كان معروفاً في الجاهلية، وجاء الإسلام وأقره، وهو أن الصغيرة تخطب وتتزوج بإذن وليها، وقد كانت عائشة ستزوج قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن المطعم بن عدي كما روى ذلك الطبري.
ينظر: تاريخ الطبري (3/ 162).
 
ويجب أن يُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بعائشة إلا بعد أنْ أصبحت صالحة للجماع، وبنت تسع سنين صالحة للوطء وبالغة مبلغ النساء في كثير من البلدان، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والبيئات.
 
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (9/ 206): "قال الداودي: وكانت قد شَبَّتْ شباباً حسناً رضي الله عنها".
ولما كانت أعرف بنفسها وأنها بلغت مبلغ النساء قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة).
ينظر: سنن الترمذي (3 /417).
وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/ 124): "قال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد لكن لا يُمكَّن منها حتى تصلح للوطء".
 
وقد كان مشهورا بين الصحابة تزويج بناتهم الصغار، ولم يكن ذلك خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهمه بعض الناس، فقد زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي صغيرة لم تبلغ بعد.
 
روى ابن أبي شيبة (17341) أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فقال علي: إنها صغيرة، فانظر إليها، فأرسلها إليه برسالة فمازحها، فقالت: لولا أنك شيخ، أو لولا أنك أمير المؤمنين، فأعجب عمر مصاهرته فخطبها فأنكحها إياه.
 
وروى عبد الرزاق الصنعاني (10351) عن عكرمة: أن علي بن أبي طالب أنكح ابنته جارية تلعب مع الجواري عمر بن الخطاب.
وروى ابن أبي شيبة (17339) عن عروة بن الزبير أن الزبير رضي الله عنه زوج ابنة له صغيرة حين ولدت.
 
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم (7/ 163): وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة.
 
وقد دل القرآن على جواز زواج الصغيرة في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: 4].
 
وبعد هذا نقول: إنَّ تحديد سنِّ عائشة رضي الله عنها حين عَقَدَ النبي صلى الله عليه وسلم عليها بـ (ست سنين)، وحين بنى بها بـ (تسع سنين) ليس اجتهاداً للعلماء حتى ينظر في صوابه من خطئه، وإنما هو نقل تاريخي ثابت من قول عائشة رضي الله عنها وهي صاحبة الشأن، وليس من كلام أحد عنها، ولا من وصف مؤرخ أو محدث، بل في سياق حديثها عن نفسها رضي الله عنها، وقد اتفقت المصادر التاريخية أن عائشة رضي الله عنها ولدت في الإسلام، بعد المبعث بأربع سنين أو خمس سنين.
 
قالت عائشة عن نفسها كما في صحيح البخاري (1 /181): (لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين)، قال الإمام البيهقي: "وعائشة رضي الله عنها وُلدت على الإسلام؛ لأن أباها أسلم في ابتداء المبعث، وثابت عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي ابنة ست، وبنى بها وهي ابنة تسع، ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة، لكن أسماء بنت أبي بكر ولدت في الجاهلية ثم أسلمت بإسلام أبيها..
إلى أن قال: وفيما ذكر أبو عبد الله بن مندة حكاية عن ابن أبي الزناد أن أسماء بنت أبي بكر كانت أكبر من عائشة بعشر سنين، وإسلام أم أسماء تأخر، قالت أسماء رضي الله عنها: قَدِمَتْ عليَّ أمي وهي مشركة، في حديث ذكرته..
وهي قتيلة مِن بني مالك بن حسل، وليست بأم عائشة، فإن إسلام أسماء بإسلام أبيها دون أمها، وأما عبد الرحمن بن أبي بكر فكأنه كان بالغا حين أسلم أبواه، فلم يتبعهما في الإسلام حتى أسلم بعد مدة طويلة، وكان أسن أولاد أبي بكر".
انتهى باختصار من السنن الكبرى للبيهقي (6 /204-205).
 
ويقول الذهبي رحمه الله: "عائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين".
سير أعلام النبلاء (2 /139).
 
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة (8 /16): "وُلِدَتْ عائشة بعد المبعث بأربع سنين أو خمس"، وعليه يكون عمرها عام الهجرة ثماني سنين أو تسع سنين، وهذا ما يتفق مع حديثها السابق عن نفسها.
 
واتفقت المصادر التاريخية أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وعائشة عمرها (18) سنة، فتكون في أول الهجرة لها (9) سنوات.
 
كما تروي كتب السيرة والتاريخ والتراجم أن عائشة رضي الله عنها ماتت وعمرها (63) سنة، وذلك عام (57هـ)، فيكون عمرها قبل الهجرة (6) سنوات، فإذا جبرت الكسور -كما هي عادة العرب في حساب السنين أنهم يجبرون كسور السنة الأولى والأخيرة- فيكون عمرها عام الهجرة (8) سنوات، ويكون عمرها عند زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها بعد الهجرة بثمانية أشهر (9) سنوات.
ينظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (9/ 123، بترقيم الشاملة آليا)، وفتاوى الشبكة الإسلامية (4/ 490، بترقيم الشاملة آليا).
انتهى الجواب والله الموفق للصواب.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١